الإثنين 2025/8/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 37.95 مئويـة
نيوز بار
زيارة الأربعين الحُسينية هجرة الى الله
زيارة الأربعين الحُسينية هجرة الى الله
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علي الشرع
النـص :

 

 

زيارة الأربعين الحُسينية ليست زيارة عادية مثل تلك التي يزار فيها المتوفي من قبل اهله بعد أربعين يوما ً التي لن تتكرر سنوياً ويبقى طابعها واثارها ضمن حدود عاطفية شخصية لا تتجاوز الاهل والمحبين من المعارف، اما زيارة الأربعين الحُسينية فهي زيارة من نوع اخر من اشخاص قد لا تربطهم مع الحسين عليه السلام صلة نسبية، وارتباطها بالحسين عليه السلام هو احد أسباب تكرارها من الناس، وبقاءها مستمرة الى يومنا هذا من يوم ذكر الامام الحسن العسكري زيارة الأربعين وعددها ضمن صفات المؤمن ، وهو ما يدل على ان مقام الحسين عليه السلام ليس مقاماً فردياً لشخصية عظيمة واستثنائيى بل لكونه مرتبط بالله تعالى ( احب الله من احب حسيناً كما يقول رسول الله صلى الله عليه واله).  ويكبر ويتوسع وصف زيارة الأربعين الحُسينية الى درجة أنه يمكن عدها هجرة الى الله تعالى، والزائر بمثابة مهاجر الى الله، بل هو كذلك. فخلال هذه الزيارة-الهجرة يتجرد فيها الماشي اثناء مشيه سواء كانت المسافة طويلة او قصيرة من كثير من النزعات والسلوكيات التي لا تتناسب مع فطرة الانسان ليعود صاف كما ولدته امه، فهو يروض نفسه ويتسامى حتى كأنه يدخل في عالم اخر لم يشاهده او يحيا فيه من قبل. فهذه الزيارة لاسيما مشياً تثير في نفس الشخص جانبين انفعاليين يرقيان نفسه ويصبغان من جديد مشاعره بلون اخر مميز، وهما: جانب الانفعال العاطفي وجانب الانفعال الروحي. فالذي يقصد الحسين عليه السلام ماشياً في زيارة الأربعين انما يهجر المعاصي ويقلص او يلغي سعيه ولهاثه راء الملذات الدنيوية حتى وان كانت بسيطة، فأن هذا اللهاث المتجرد من الضابط الروحي يدمر النفس فيدفعها لارتكاب الأخطاء التي قد تفضي بعضها به الى المهالك. وهجر المعاصي والاخطاء والذنوب يقوى عند الزائر الجانب الروحي، فيتكامل عند الماشي الجانب الروحي والعاطفي في الوقت نفسه ولو تدريجياً. والجانب العاطفي الذي يلف نسبة كبيرة من وقت الزيارة -حيث يتوقف الزائر على طول الطريق عند محطات من البكاء والحزن على الحسين عليه السلام - تجعل من الزائر يعيش أجواء يوم عاشوراء بحزنها وبكاءها، ومعلوم ان الحزين هو اقرب الى الله تعالى من شخص اخر يعيش في أجواء اللهو ومنغمس في اللذات. فزيارة الاربعين تتجسد فيها كل معالم الهجرة الى الله، ولهذه الهجرة الى الله ستقرب الانسان من الله، فهي ليست هجرة بالبدن فقط بل هجرة بكل المشاعر بحيث يتوقع منها ان تغير وتعمل على إيجاد تغير ملموس في سلوك الزائر ومنطقه. لكن قد تكون هذه الهجرة مؤقتة، والتغييرات الناجمة عنها تكون مؤقتة، فتصدر من الزائر أخطاء لا تتوافق مع مخرجات الزيارة الروحية والعاطفية، وقد تكون الهجرة دائمة فيحدث تغيير جوهري دائم تجده منعكساً على كل تصرفات وردود أفعال الزائر. ونوع الهجرة الذي خلقته الزيارة تعتمد على وعي الشخص بما يقوم به وهو يتحمل اذى هذه المسافات الطويلة الشاقة، وليس شرطا ان يكون الزائر متعلما حتى يصل الى الوعي الكامل بالزيارة بل يكفيه ان يصل الى مستوى يتخذ فيها الحسين عليه السلام قدوة يتذكر فيها مواقف الحسين عليه السلام في كل عمل وخطوة يريد ان يخطوها، فهو يكون غيور في موضع الغيرة، رافضا للفساد واغراءات الحياة المنحرفة بل ومصاعبها حينما يخير بين الغنى والفقر، ويكون متسامحا رحيما مع عائلته بل مع الناس جميعاً لا يميز بينهم على أساس عرقي او ديني او عشائري. ولكن بطبيعة الحال لا تؤثر كون الهجرة مؤقتة او دائمة على العودة الى الزيارة في السنة القادمة او كل سنة، فأن الجانب العاطفي المرافق للزيارة سيظل مع الشخص لا يفارقه وهو الذي يحفزه السنة القادمة لتكرار الزيارة، اما الاستمداد الروحي من الزيارة فهو قد يضعف بسبب التفاعلات والضغوطات الحياتية، ولهذا يرتكب الشخص الزائر بعض الأخطاء التي يمكن معالجتها لاحقان ولكن لا يؤثر ذلك عليه في العودة الى زيارة الأربعين فان الجانب العاطفي يكون دائما هو الاقوى وهو الذي يدفع الشخص الى العودة للزيارة كي يعود الى الأجواء الخاصة التي تخلصه من تبعات الاخطاء.ان زيارة الأربعين الحسينية هي اكثر عمقاً حتى من رحلة الحج لمن جرّب الحج والزيارة الاربعينية. فعلى الرغم من ان كلاهما هجرة الى الله تعالى، وفيهما تحمل المشاق الا أن الدفق المعنوي والروحي الذي يحصل عليهما الانسان من كل منهما مختلف. ففي الحج يقف الناس عند عرفة ويباتون في مزدلفة ويرمون الجمرات في منى من دون استحضار اية معان روحية الا شيئا منها عند الطواف بل اكثر الناس يؤدون الحج ولا ينالون منه سوى التعب، بل ان الحاج يشعر وهو يؤدي شعائر الحج وكأنه في معسكر تدريب يتهيأ فيه لمعركة حيث يتخلى فيه الحاج عن الأطعمة ذات الروائح الزكية ولا يتجنب تلك ذات الروائح الكريهة، وهي أمور مهمة وتربوية لكنها ليست بقوة اثار الزيارة الاربعينية ولا امتداداتها الروحية.فالمعاني الروحية والسلوكية انما يستحضرها الانسان في زيارة الأربعين؛ لأن الكعبة وبقية المواضع في الحج انما هي احجار امر الله تعالى بزيارتها والقصد اليها اما زيارة الحسين عليه السلام وقصده في الاربعينية خاصة ففيها استحضار لكل الجوانب الإنسانية والروحية، لأن الحسين عليه السلام جسدها في يوم عاشوراء، فيتذكر الزائر في خطواته كل مشاهد الكرم والبذل والتضحية والوفاء والشهامة والمروءة والغيرة والرحمة والبكاء والعواطف، وينعكس كل لك على تصرفاته اثناء الزيارة وفي أيام الزيارة.. وهذه الفروق بين الحج وزيارة الأربعين الحُسينية يدركها كل شخص سواء كان مع او ضد هذه الزيارة. فتكون الزيارة الاربعينية رحلة لتربية النفس يقترب فيها الزائر من الله تعالى، لهذا تكون لزيارة الاربعينية هجرة الى الله اعمق من الهجرة الى الله تعالى في الحج.

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 09/08/2025   رقم المحتوى 65565
أضف تقييـم