
![]() |
يمامة سلام عبود حيزاً لضوضاء الكواكب |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
اسماعيل ابراهيم عبد الجزء الأول هي رواية الإحساس المفرط بالأشياء , حدسا لا لمساً ... قرطبة مدينة مستعادة .. مدينة فاصلة بين مرحلتين , مرحلة الرخاء والجمال والرفاهية والحرية والعشق والعلم , لم يمر بها كاتب تأريخها الوجدي , سلام عبود ...مدينة لمرحلة جديدة , منتهكة متراجعة في كل شيء , ترمز لكل خراب في الارض والنِعَم الربانية ...مرحلة الخراب هي تلك التي إستعادها الروائي سلام عبود في " يمامة , في الألفة والألاف والندامة " ـ دارالحصاد , سوريا ,2001" (1). انها رواية تأخذ اوصالها المبتورة والملمومة من أوصال الجسد البشري الذي قدَّ من طينها وصخرها وعشبها ومائها وعيون نسائها !. هي رواية الحيز الموصوف , والمميز , والمرتب , بحسب بيئة تقارب بين الوجد والفكر والوهم والتعيين .ترى أية مواضعات للفهم منغرسة في موصوفات " يمامة , قرطبة "؟ .. لنرَ... أولا : االتركيب الوجدي شبه الحر للوصف ما يميز الرواية من هذا الجانب هو / 1ـ الرواية تختص بالوصف المركب متعدد الوحوه , أول هذه الوجوه هو المكان , ثم الزمان , ثم التأريخ الاجتماعي والسياسي , ثم الفكري لمتواصلات فلسفية , معتزلية وجودية مادية سفسطية: [سماء قرطبة العالية دائما , تبدو دانية , دانية لكأنها تكاد تلامس هامة جبل العروس , أو كأنما لو أنها تهم بأن تسحقه بكتل غيومها السود المتدافعة . ألقى عبد الله بن يعيش نظرة حزينة , حاول فيها أن يختزل المشهد الماثل خلفه , حيث ولد وتربى وترعرع , ويقارنه بالمشهد القابع في روحه , الذي ولّده الفراق في نفسه . أراد أن يوحِّد الزهراء التي في قلبه مع الزهراء الهامدة خلفة , وان ينسج منهما لوحة من كلمات ] ـ الرواية ، ص9 المشد الصوغي المتقدم يُشْهِر لنا عدة أطباق من المحتويات ، منها : ـ الوصف الذي يهتم بالمكان المجرد من آليات الفعل الروائي , مستعيناً بالمسميات الجغرافية فقط , وهي ثلاثة , ( قرطبة وجبل العروس والزهراء ) . ـ الوصف للمكان المجرد كونه تعبير عن عناصر بيئية , إذ هو سماء , وغيوم وبشر وتضاريس أرض قرطبة , مودوعون عند لحظة زمنية حرجة , لحظة إفتراق بين تهجير قسري وعودة في زمن فوضى وضياع . ـ الزمن ذاته هو تأريخ سياسي وإجتماعي لهذه المدينة التي قلبها الزهراء , وظهيرها جبل العروس , ونديمها عبد الله بن يعيش . ـ الفلسفة كإسلوب غائي لإحياء الجمال متوفرة في المشهد كثيمة للتوحيد الوجداني الذي لا يقيمه سوى الفلاسفة , سوى المعتزلة , سوى أهل السفسطة للعصورالوسطى الإسلامية . ـ الوجودية الحديثة في المشهد , " أن ينسج لوحة من كلمات " جعلت الخلجات النفسية لإبن يعيش سلطة قيمة للطهر والتنزه عن كل حاجة مادية تتبعاً للمتجهات الوجودية الخليطة بالأفاهيم الجدية للموضوعية الفنية . 2ـ تحتوي المنظومة السردية على ماديات مصاغة لأجل إحتواء المنظور النفسي الإجتماعي للعلائق الأرومية بين الفرد والأصل والوجع الإنساني الأعم: [السحب الممطرة ظلت ترافقه منذ الصباح .فمنذ أن غادر قرطبة باكراً بعد صلاة الفجر والسماء تنث رذاذاً خفيفاً , من حين الى آخر , كما لو أنها لا تريد أن تضحي بدموعها دفعة واحدة . مما ضاعف في نفسه مشاعر الحزن وصعّب عليه مهمته الشاقة , التي تعهد القيام بها , وهي تَفَقُد بساتينهم في ربض قرطبة الشمالي الغربي ] ـ الرواية ، ص20 . هنا يسحبنا الروائي من هنا (المشد) الى (هناك) العلائق المُرَحَّلة من مادياتها (مدينة ومطر وتبكير) الى مأثوراتها التي هي: ـ الترافق , وسكب الدموع , كونها آلية نفسية . ـ الحزن الفردي والتصعيب للمهمة , كمآثير لإشارات إجتماعية , بمظهر فردي عن منابات جمعية . ـ يحتل الموقع الخاص بالأصل والمولد وأرومية الحنين إليهما , مكانة أساسية في التحفيز على الحدث في المقطع , محددا بذات الموضع الذي يخص ابن يعيش " البستان , في , المربض الشمالي لقرطبة . 3ـ تختزل الرواية هموم الأفراد بتسبيب الوعي وتجهيل الإرادة , بالأسماء والعلامات , للعلماء والتقاة والعشاق: [توقف إبن يعيش قرب سوق الوراقين , وهو يزمع أن يقوم بزيارة قصيرة الى صديقه إبن حيان , وليشم رائحة الورق والحبر , ويسمع رنة الكلمات الكبيرة , وأسماء العلماء والأدباء تتوارد على الألسن . وربما هو مدفوع بدافع آخر , فهو يود أن يثبت لإبن حيان وأبي محمد أنه كعهدهما به , قوي , صابر , لا تمسه عوارض الأشياء ] ـ الرواية ، ص14 تتمثل هموم الأفراد ـ حصراً ـ بالوعي الثقافي , أو الأدبي رمزاً لجميع المعارف , وهي هنا تنقسم على شكل موجودات مرائية , والمشد هنا إستباق لما سيحدث من التجهيل العمد وإضاعة فرص الصفاء الإجتماعي , كما أنه تلويح لما سيكون عليه بعض العلماء والفقهاء في زمن الفوضي والإرتياب من كل شخص , حتى العالِم منهم "هو محط شبهة. لعل أدوات التعبير عن ذلك أخذت بعلائق مظهرية مثل / ـ دور سوق الوراقين الثقافي الذي يشابه أسواق بيع وتجارة الكتب حديثاً . ـ التقابل والتبادل الجدالي , وما فيه وعليه من مخاصمات وهفوات وتفسيرات غرضية , كما سيحدث بين أصدقاء ابن يعيش واعدائهم . ـ إثبات قيمة الاستقلال بالرأي والإتجاه الفكري , بدلالة رغبات ابن يعيش التي تؤكد ذلك . ـ التصاعد بالوعي من " التوقف بسوق الوراقين " الى " الزيارة لإبن حيان " الى " الشم لرائحة الورق والحبر" , الى " سماع رنة الكلمات " الى " التعرف على أخبار العلماء " , ثم أخيراً الاستقلال بالرأي . ـ مثلما يُرى أن الموجودات التي ذكرت هي موجودات في ذهن إبن يعيش , لم تحقق وظيفتها المعلنة تدوينياً , ولن يقصد بوجودها ان تتحقق , إنما هي وسيطة للتضليل والتمويه لأجل أن تكون الوقائع القادمة غير محزورة من قبل القاريء فتزيده اصراراً على المتابعة .. لذا سميتها موجودات مرائية ! 4ـ تمكن الفهم من التوصل الى القناعة بالمنطق " الحس المفرط بالأشياء بالحدس لا باللمس " . [زوجة ابن يعيش خولة أم يحيى , إستقبلته بقلق ... تملك قلقاً جماعياً ... وهي بسبب ما عانته في صباها , تحس إحساسا مفرطاً بالأشياء المفجعة ... تحاول معرفة حاله ووقع خروجه الى قرطبة على نفسه . وكعادتها لم تبادر الى السؤال كما توقع . ستساعده أولاً على إبدال ملابسه التي لم تجف تماما بعد , وستسعى الى تدفئة جسده وروحه قبل ان تسأله ] ـ الرواية ، ص20 هذا المشهد يحدث عند وصول ابن يعيش الى بيته قبل أن يتكلم أي من أفراد البيت , إنه توقعات ليس إلّا , فموجوداته كلها حدسية , كلها متخيلة .. وكونها كذلك فمن المتوقع أنها ستحوز على / ـ تعبر عن أفكار لا أحداث . ـ ليس للهيئات أهمية سلوكية إلّا بقدر إستجابتها للمتخيل السلوكي . ـ الإحساس بالتوجع المتوقع , وليس الإحساس الحقيقي للمعني الموجه إليه القول , وهو صورة للمدفون من حاجة القائل على لسان ابن يعيش لا للمتوهم من الحاجة المطلوبة من الآخر " أُم يحيى". ـ الإفراط في التوقع المبهج هو معكوس للفرض الذي يتوقعه القائل , كون أُم يحيى تحس إحساسا مفرطاً بالفجائع , لا بالمبهجات . ـ المهم أن فلسفة الإحساس المفرط " هنا " في هذا المشهد تحديداً , الاحساس بالحدسي لابالملموس , هو إجتراح للروائي سلام عبود , وهو من موضوعاته المخترعة فنياً وفلسفياً . 5ـ التحسس المبهر باللاملموس بعد التلامس . * لنتجه الى بُعْدٍ مكمل في :[ ـ هنا منفاي يا خولة . هذا منفاي الذي إخترته بنفسي لنفسي , حتى أعود الى قرطبة أو أُدفن هنا . هنا سأكون مبعداً ومنفياً لكنني لن أكون غريباً . من هنا أرى سماء قرطبة , ألمس حفيف ريحها , وأشم ضوع خضرتها , وأرى أنوارها مرتسمة في الأفق البعيد. أتعرفين : أن الأحجار تكون أكثر ثقلاً قبل إقتلاعها من الأرض!] ـ الرواية ، ص59 المنفى ليس مكاناً فقط فهو عزلة , وهو بُعد عن الأحبة , وهو البحث في الباطن المخفي عن مضمرات ... هو تفريق بين الذات الحرة والذات المستفزة المستلبة ..أي المنافي إذاً هي الأقل وطأة على الفرد المفرط العاطفة ؟..لأننا لا نبغي تسويغ فكرة النفي الإيجابي فسنتقيد بما يريده الراوي .. ترى ـ فعلاً ـ ماذا يريد ؟ نراه يلوّح للترويج لعدة أفاهيم منها / ـ ان منفاه إختياراً بين منافي كلها مؤذية , وموضعه ذاك أقلها بعداً وضرراً , فهو خيار المضطر لا " الحر " ! . ـ انه المنفى المؤقت الذي ستتبعه عودة نهائية . ـ المنفى جعله يتعمق بعشق قرطبة ويكتشف فيها غنائم من مُصيغات جمال العشق , كالسماء والرياح والخضرة والأنوار والأُفق البعيد . ـ هي قرطبة التي وضعته في منفى اختياري اضطراري وعظَّمت حجمه حتى صار ابهى من أعدائه , أعداء قرطبة , فهو ليس غريباً كونه أثقل حجارة فيها غير قابلة للإقتلاع . ـ إذاً تحسسه لما هو فيه وعليه جاء بعد ملامسته المنفى وتعرفه على قدراته في الصبر والعلم والعشق . ثانيا : التلامس البصري للمجسودات لعل هذا التلامس كياني متكاثر الوجود لمخصوصات من مثل / * حجر الجامع : [ صوت شجي لبث يصل الى مسامع إبن يعيش . صوت لاهو رجالي ولاهو نسائي , لاهو غناء ولابكاء , لاهو حديث ولاهو إنشاء , لاهو بشري ولاهو سماي . صوت يعرفه ويجهله . شيء أملس مثل حجر المسجد الجامع . مثل ليل تطرزه النجوم , وتبحر فيه أقمار من فضة . غبش منير ] ـ الرواية ، ص87 الصوت مكون مركّز الوجود في اهتزازات متوالية , له كيان , له إتجاه , له اطار .. تُرى كيف؟ . الصوت هنا متسع من التغيرات فهو مرة يصل الى المسامع , ومرة يجمع مستحيلات المعرفة , ومرة هو حجر .. في مثل هذا الصوت نرى : ـ أنه ليس صوتا دونما رسالة , دونما قناة , دونما سر , دونما بلاغ .. ـ القاريء سيفهم جيدا أن مثل هذا الصوت واحد من ثلاثة , إما غناء وإما كلام وإما موسيقى .. ـ وإذ يعتقد السامع ـ متلقي الرسالة ـ أنه هكذا سيضيع منه المعنى لأنه صوت مركز للأشياء المادية والهلامية .. ـ السامع قد يتوصل الى أنه تلاوة لآيات من الذكر الحكيم .. ولكن حتى لو توصل الى هذه النتيجة سيظل " السر " شبه مغلق عليه .. قد ابالغ إن رأيتُ فيه جسداً متمماً لتلامس " بصري سماعي " .. فالحس السمعي وعاه فضاء , والحس البصري تهيأت له قناة , والتجسيد باللمس أعطاه حدوداً , وبذات الحال أطلقه الى اللاحدود. لأقرر ثانية مواصفات روائية للعلاقة بين الصوت وحجر الجامع بالشكل الآتي / 1ـ حجر الجامع مكون روائي لأهم الذوات التي يعيشها ابن يعيش كونه فقيه مسلم . 2ـ السطح الأملس لحجر الجامع طبيعة مصنوعة لها أهمية في تسكين ألم المنتخين بالإرادة الربانية , سواء عند الصلاة أو في الإتكاء والجلوس في بيوت الله في أوقات أُخر . 3ـ التمويه للقيم جميعاً يبدأ عندما يأخذ الرفاه شكل موجودات ملساء , حتى الجامع فحجره أملس لإرتباطه بالمكون العمراني للرفاه الإقتصادي . 4ـ الحجر الأملس يرخِّم صوت التلاوة في الجامع , والصوت يرخِّم قيمة الانتماء ويوسعها في صدور عشّاق المدينة , أي مدينة جميلة كقرطبة . 5ـ هو رمز يحمله بطل الرواية في كيانه ووجدانه أينما حل أو رحل ... حجر فيه بَرَكَةُ جمال الصخر والبشر , الطين والماء , الروح والجسد . 6ـ الإبصار في هذه المجسودة النصية هو في المزج بين خلجات النفس وإيهام العقل والنظر , ولكن بوساطة قدسية الصوت الذي يرتل الآيات الكريمة . 7ـ المُشِعُ الروائي له مسربان , الوصف المركب متعدد الأغراض , والثاني وصف المشاعر الحسية ببصيرة الهائم نحو وجه الله , بصوت الله , بمحسوسات سر الجمال الرباني ! 8 ـ الحديث والإنشاء إشارتان الى أن المنصص السابق للمقطع هو الذي يغني القراءة بالمعرفة التي تخص القول الموصوف , أي أن " إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون" هو الحدث والحركة , وهو السرد الأول الذي فاض بالسرود المتتالية لما بعده . * أجزاء الجسد البشري يرى محمد بوعزة " إتخذت السرديات منهجاً إستنباطياً , يقوم على صياغة نموذج إفتراضي للوصف ... ستخط السرديات مسارها المنهجي في إتجاه مخالف للنماذج التفسيرية , يعيد الإعتبار لبنية السرد بوصفها محدداً لأدبية الخطاب السردي "(2) تلك مباديء تخص الوصف كونه / ـ جزء من منهج استنباطي أي محدد بنموذج مفترض . ـ الوصف هو القدرة السردية الفاعلة لنقل النموذج الى الشكل السردي الحيوي . ـ المنهج هذا يخالف عملية التفسير المبسطة القريبة للمتون الملغزة في الادب . ـ بنية السرد هي المتسيدة لما هو فني وفكري . ـ الأدبية " جماليات لغة الأدب " ترتقي بالبنية الى مستوى الخطاب ذي الرسالة التبليغية والتأويلية في آن واحد . * نحن هنا نقر بوجود تلك السمات جميعاً في المشهد أعلاه , ولكن الرواية في وصفها للجسد تأخذ بالتقسيط والتجزئة لأجل غايات عديدة . لنتابع / [ في الصمت والظلمة يصغي إبن يعيش الى عصف الالم المشتعل في بدنه : ألم المعدة الثقيل الذي يشبه تلالاً ... ساحقة كل ما يعترضها ... أما ألم الجوانب والأكتاف فهو يشبه ضربات حارقة من البرق ... ألم اللسان والشفاه أبغضها , أبشعها , وأكثرها إثارة للإشمئزاز , فهو يشبه فعلاً مخجلاً ... على مرأى من الناس ... عشب متعفن ينمو في مستنقع ... ألم الخصيتين هو طرقات متلاحقة من مكبس حديدي ... أما آلام العينين فهي بهار حار ذر في المحجرين . حريق وإشتعال وأزيز ودخان ضبابي , لَبَنِيّ القوام , يسيل من دون انقطاع على لوحة الرؤية ] ـ الرواية ، ص97 المشد المشهدي يتحمل الكثير من فرائض محمد بوعزة السيميائية كرؤية ثقافية , والكثير مما لم تمر به هذه الفرائض . ـ لقد تحدد المقطع في كونه نموذجاً نصياً يوجّه الدرس النقدي نحو فرائض موضوعية وأُخرى ذاتية مستنبطة من قوام المضمون الكتابي . الفرائض الموضوعية تتعلق بنتائج سرد الحوادث السابقة الذي أدى الى وجود هذا القدر من سادية التعذيب , ولربما تأخذ موضوعة السرد عمومها من الوصف الإعتباري الذي يتعلق بالشخصية الإعتبارية , ومما تتفنن به قوى الظلم في كل زمن . أما الفرائض الرؤيوية السيميائية الذاتية فهي ـ برأينا ـ تتعلق بالتمتع بتعذيب النفس جزءاً جزءاً , ـ طبيعة المعذِب الفردي تتقن صنعة الموت على شكل جرعات , كل واحدة تعادل الموت مرات ومرات . |
المشـاهدات 142 تاريخ الإضافـة 16/08/2025 رقم المحتوى 65719 |