الثلاثاء 2025/8/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.95 مئويـة
نيوز بار
لماذا تفشل المدنية والعلمانية في منافسة الإسلاميين؟
لماذا تفشل المدنية والعلمانية في منافسة الإسلاميين؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب زكي الساعدي
النـص :

 

 

 

يختلط على كثيرين في العالم العربي، والعراقي خصوصًا، مفهوم الدولة المدنية مع الدولة العلمانية، رغم أن الفارق بينهما جوهري. فالدولة المدنية لا تعادي الدين، بل تفصله عن السياسة وتضعه في مكانه الطبيعي داخل المجتمع، مع ضمان حرية الأفراد في المعتقد والممارسة. أما الدولة العلمانية فتتخذ موقفًا أكثر صرامة، وتسعى إلى فصل تام بين الدين والدولة، وقد تصل في بعض نماذجها إلى تقييد الرموز الدينية في الفضاء العام. وبذلك يمكن القول إن كل دولة علمانية هي مدنية، لكن ليس بالضرورة أن تكون كل دولة مدنية علمانية.هذا الخلط المفاهيمي يوازيه خلط آخر على الأرض، يتجلى في المفارقة الانتخابية. فبينما يمتدح المواطنون النماذج المدنية والعلمانية ويحلمون بالهجرة إلى دول تتبناها، نجدهم عند صناديق الاقتراع يصوتون مرارًا للأحزاب الإسلامية. هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، لكنها ازدادت وضوحًا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي كشفت بجلاء توجهات الشباب وطريقة تفكيرهم، بل وأظهرت أن جزءًا كبيرًا منهم يرفع شعارات مدنية أو ليبرالية أو حتى شيوعية دون أن يدرك تمامًا مضامينها ومتطلباتها.التيارات الإسلامية استطاعت، منذ عام 2003، أن تحافظ على صدارتها في المشهد السياسي، لأنها ببساطة لم تولد من فراغ. فقد نشأت خارج البلاد في زمن القمع، وامتلكت منذ ذلك الحين تنظيمات متماسكة وخبرة طويلة في الاستقطاب، مدعومة بخطاب تعبوي يجيد العزف على وتر الدين والانتماء المذهبي. وحين أتيحت لها الفرصة بعد التغيير، تمددت بسرعة داخل مؤسسات الدولة، حتى باتت تتحكم بمفاصلها من الصف الأول وحتى الصف الثالث. ولم يكن هذا ممكنًا لولا إدراك تلك الأحزاب أن استثارة العواطف الدينية والمذهبية والعرقية يمكن أن تحقق نتائج مضمونة في صناديق الاقتراع.في المقابل، تعاني التيارات المدنية والعلمانية والليبرالية من مأزق حقيقي. فهي بلا رموز سياسية جامعة، وبلا وحدة صف، وأغلب نشاطها محصور في الأوساط النخبوية داخل المدن الكبرى. كما أن هجرة الكفاءات السياسية والفكرية إلى الخارج أضعفت من قدرتها على التواجد في الميدان. بل إن بعض مناصري الأحزاب الإسلامية اليوم هم في الأصل علمانيون أو مدنيون يئسوا من ضعف تنظيمهم وفشلهم في التوحد، فاختاروا الانضمام إلى الأحزاب الإسلامية الكبيرة بحثًا عن قوة وهيكل تنظيمي راسخ.الحل لا يكمن في انتظار “المعجزة السياسية”، بل في العمل الجاد على بناء وعي مجتمعي حقيقي يبدأ من المدارس والجامعات، مرورًا بصناعة رموز سياسية تحظى بالثقة وتستطيع التواصل مع مختلف شرائح المجتمع، وصولًا إلى التواجد الميداني الفعّال في الأحياء الشعبية والقرى، حيث تدور المعركة الانتخابية الحقيقية. كما أن على هذه التيارات أن تتبنى خطابًا إيجابيًا يربط المدنية بالعدالة والتنمية والشفافية، بدل أن تدخل في صدام مع الدين أو المعتقدات الراسخة.بدون هذه الخطوات، وبدون عمل منظم وواقعي، ستظل الهيمنة السياسية للتيارات الإسلامية أمرًا مفروغًا منه، وسينتظر دعاة التغيير ساعةً قد لا تأتي قريبًا، وربما تأجلت من 2024 إلى 3024.

المشـاهدات 19   تاريخ الإضافـة 12/08/2025   رقم المحتوى 65612
أضف تقييـم