النـص :

سلام حربه
لم تمر المجتمعات الدولية وخاصة الاسلامية منها بمرحلة سوداء مظلمة كما حصل ويحصل في زمننا الحديث هذا، حيث انقلبت القيم والأعراف والتقاليد والعلاقات والأخلاق رأسا على عقب وأستبدلت بقيم وعادات وأعراف وسلوكيات شائنة لم تخطر على بال هذه المجتمعات يوما ما. الروح قُتلتْ وحكمت الانسان الغرائز المادية والحيوانية، الأفكار الانسانية تراجعت وانطمرت وحلّ محلها الرغبات الحسية واشباع متطلبات الجسد من أكل وجنس ومن المتع الوقتية الزائلة والمتابعات المحمومة لمباريات كرة القدم والحلبات الدامية وما تبثه الشبكة الالكترونية العنكبوتية من ألعاب تنمي مشاعر الكراهية والعدوانية والقتل الافتراضي المجاني وتدفع بالمواطن الى التوحد والانكفاء على ذاته. أفكار المجتمعات وليدة واقعها الاجتماعي. من أراد أن يعرف طبيعة الأفكار والقيم السائدة لا عليه سوى الالتفات الى طبيعة النظام السياسي وعلائقه الاقتصادية ومؤسساته القانونية والثقافية. النظام السياسي العادل يكون خاليا من الاستغلال، مؤسساته ديمقراطية والحرية هواء يتنفسه الجميع، نظام يلبي طموحات الفرد كي يتسلح بالقيم والمفاهيم النبيلة وتنمو لديه مشاعر الحب وتزدهر العلائق الاجتماعية وحتى أفكار الناس تتقارب موضوعيا وتعمل على قمع كل هاجس عدواني وتمسح مفردة الكراهية من سجل الحياة. على العكس منه النظام القائم على الاستغلال والطائفية والعنصرية وقمع الأفراد ومصادرة الحريات، نظام يكرس مبدأ السيد والعبد في العلائق الاجتماعية ويعمل على وأد الروح واذابة الأفكار والأحلام في العدم. مثل هذا النظام صحت البشرية على زرعه الاخضر مطلع القرن الواحد والعشرين وكان يعمل طيلة قرون على القاء بذوره في الحرث الذي يتركه في صراعه مع كل ما هو انساني وتأريخي سواء في الطبيعة أو في المجتمع. لقد شبت شجرة الرأسمالية، في الزمن الحديث، مزهرة يانعة وحيدة فرضت على الجميع أن يستظل بأفيائها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية نهاية القرن العشرين. النظام الرأسمالي لم يكن وليد الصدفة بل تشكلت علائقه الاقتصادية والاجتماعية منذ فجر الثورة الصناعية مطلع القرن الرابع عشر الميلادي وكان ناتجا طبيعيا من زوال النظام الاقطاعي. النظام الرأسمالي له فلاسفته ومفكروه وطيلة قرون عمل مطوروه على تنمية قواه الاقتصادية وقوانينه بما يتلاءم مع تطور الآلة وتغير واقع المجتمعات واستطاع أن يوفر الرفاهية والأمن ويبني حضارة في العالم الغربي ما زالت شاهدة على بعض الجوانب الايجابية لهذا النظام الذي بدأ يزاحم النظام الاشتراكي واستطاع في النهاية من القضاء عليه وأعلن قادة البلدان وحكمائها من رفع يد انتصاره كنظام وحيد يجب أن تسير عليه البشرية واعتبر منظروه أن هذا النظام هو نهاية التاريخ ولا يمكن أن يستبدل بنظام اقتصادي آخر. النظام الرأسمالي مرحلة من مراحل التأريخ نتج عن صراع محتدم بين قوى الانتاج القديمة والجديدة ومن قانون نفي النفي الذي أزاح الاقطاعية وهيمنة مجموعة من الافراد على الأرض واستعبادهم للفلاحين والعبيد وحين امتلك الانسان قوى الانتاج الحديثة من مكائن حديثة وتقنيات علمية تطورت الصناعة وانتقل الاستغلال الى ملاكي هذه المصانع لطبقة العمال وولد صراعا طبقيا ما زال قائما حتى يومنا هذا. لقد دعمت الديانتين اليهودية والمسيحية هذا النظام الذي كان معظم مفكريه وفلاسفته متسلحين بالفلسفة المثالية والنصوص الدينية المقدسة. لقد قامت علائقه الاقتصادية على قانون فائض القيمة الذي قام بتسليع كل شيء في الحياة، الانسان، العلم ،الثقافة، العلاقات الاجتماعية،الأخلاق، القيم وحتى الدين. فائض القيمة الرأسمالي تم نسخه من قانون الربا في الديانة اليهودية أما مرتكزه الثاني العولمة الاقتصادية التي تم نسخها من الديانة المسيحية/ الوجه الآخر لليهودية، وبوسائلها التبشيرية يجب أن تسود العالم باعتبارها هي من أخرجت اليهودية من طابعها القومي كديانة لشعب اسرائيل ونشرها عالميا كي تكون الديانة الوحيدة التي يجب أن تعتنقها البشرية حسب وصايا الاله يهوه في التوراة اليهودية. لقد نمت الرأسمالية وانتجت الثورة العلمية التكنولوجية التي تتمتع الشعوب بثمار معارفها، هي الآن في طورها الاستغلالي الامبريالي ودخلت الشركات الكبرى في سباق محموم من أجل الهيمنة على الأسواق العالمية وعلى سياسات البلدان التي تحتلها وتحكمها. لقد أوصل الرأسمال العالمي عملاءه الى حكم معظم بلدان العالم الثالث قبل ما يقرب من القرنين للسيطرة على أسواقها الاقتصادية وعمل على تأسيس التجمعات والأحزاب الدينية من أجل تحقيق سياسته التوسعية وفرض أفكاره الاقتصادية على تلك الانظمة، ولو بالقوة، من أجل ادامة مصالح الرأسمال وتوسيع رقعة وهيمنة الشركات الاحتكارية. لم يجد الرأسمال العالمي صعوبة في تحقيق هذا الأمر فالأحزاب الدينية اليهودية والمسيحية والاسلامية مثالية العقيدة والمنهج وخرجت من عقل النظام الرأسمالي وتقف دائما ضد أي فكر يعارض هذا النظام وخاصة الفكر الاشتراكي الشيوعي الذي تختلف بناه الايديولوجية معهم سواء في نظرته الاقتصادية أو في منهجه الحياتي وفلسفته المادية وهو يرى في الواقع الاجتماعي ونظامه السياسي المنتج لكل القيم والافكار. لقد ساهم الاستعمار الغربي في احتلاله للبلدان العربية والاسلامية على تأسيس العديد من الأحزاب الاسلامية وفرض الأصولية الدينية وتجريد المجتمع من كل القيم المدنية والحضارية والتطلع الى المستقبل. بقيت هذه المجتمعات تدور في فلك الماضي وبدل أن يسود المنطق العلمي العقلي في المجتمع سادت الاسطورة والخرافة والأوهام كحقائق أزلية لا بديل لها لأن العقل عند الانسان معطل ولا مكان وجودي له. لقد تراجع الوعي الاجتماعي عند الأفراد وسادت الفوضى بغياب الأفكار العلمية الجدلية التي تجتمع عندها العقول وتضبط ايقاع خطواتها. لقد أصبحت البلدان العربية الاسلامية ساحة لتصفية الصراعات بين البلدان الاستعمارية وشركاتها الاحتكارية وهذا ما يلاحظ بوضوح في العراق وليبيا وتونس والسودان وغيرها وما حصل في سوريا أخيرا خير مثال على توحش الرأسمال العالمي وولده الكيان الصهيوني. في العراق من تسيّد المشهد بعد عام 2003 هي الأحزاب الاسلامية التي جاءت مع دبابة المحتل الامريكي وأشاعت في هذا البلد الدمار والخراب والسرقات المخزية وحاولت، وما تزال، أن ترجع البلد الى العصور الوسطى وحقب الجاهلية وكل جرائمها كانت بمباركة المحتل الامريكي التي يستخدمها يدا ضاربة ضد كل من يقف ضده من قوى مدنية وطنية ديمقراطية وقد دفع الشعب العراقي الآفا من الشهداء والجرحى في تظاهرته منذ سنين عديدة وفي انتفاضة تشرين العظيمة عام 2019. ما حصل في سوريا من تغيير للنظام يدعو الى الدهشة والعجب فقد حركت قوى الاستعمار الغربية والكيان الصهيوني تنظيمات داعش والقاعدة الارهابية التي خلقتها وتأتمر بأمرها وجهزتها بالاسلحة والمعدات الحربية وبدعم من تركيا وبعض الدول العربية وعملت على اسقاط نظام بشار الاسد وشجعت الكيان العنصري الاسرائيلي على تدمير كل بنى البلد العسكرية والمدنية بدعم هذه التنظيمات الارهابية وبمباركتها وفوضت اسرائيل بالانتقام من هذا البلد العربي الاسلامي. إنها مؤامرة دولية اشتركت بها معظم الأحزاب الاسلامية في كل الوطن العربي لتدمير هذه البلدان وتقسيمها واخراجها من عناوين الدول الموحدة وتحويلها الى كيانات طائفية وعرقية هشة، لقم سائغة في فم هذا المحتل لتسهيل بلعها وهضمها والقضاء عليها الى الابد. يبقى الحلف الاستعماري الامبريالي مع الأحزاب الاسلامية الطائفية في البلدان العربية ومع الأحزاب الدينية في العالم أبديا لأنهم متوحدون عقائديا وعدوهم واحد هو الانسان وقيمه وأفكاره المادية النبيلة. المؤامرة مستمرة وستدفع الشعوب ثمن هذا التحالف من حياتها ووجودها ويجبرها بدل العيش في المستقبل الحضاري الرجوع الى الماضي وفي مستنقعاته العفنة. تحالف لا عقل له سوى الجشع وسرقة خيرات الشعوب وقتل كل ما هو عقلي وعلمي في هذه المجتمعات..
|