
![]() |
رحيل سليمة خضير: صوت المسرح العراقي |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
علي لفتة سعيد
كانت واحدةً من أبرز الممثلات العراقيات في تاريخ الفن العراقي. فهي الممثلة التي تؤدّي الأدوار في المسرح والتلفزيون والسينما على قلّة الأفلام المنتجة، حتى أنّها لقّبت بـ "فنانة الشعب". لم تكن سليمة خضير اسمًا هامشيًّا، فقد كانت قبل اعتزالها قطبَ الرحى في أغلب الأعمال، حتى لا يكاد عملٌ فنيٌّ يخلو من وجودها. ولا أحد ينسى دورها في أطول مسرحية عراقية شهدها تاريخ المسرح العراقي وهي مسرحية "بيت وخمس بيبان"، لكنها رحلت بهدوء بعد أن التزمت الصمت خلال السنوات الماضية بسبب مرضها ووفاة ابنها، والإهمال الذي تعرّض له الفنانون والمثقفون في هذا الزمن.
البدايات والتكوين الفني
وُلدت الراحلة في الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1946 في مدينة البصرة، أقصى الجنوب العراقي، ورحلت عن عمر ناهز التاسعة والسبعين. وقد تأثرت، كما تقول، من خلال القراءات ومشاهدة الأفلام ووجود فسحة من الحرية في تلك السنوات لدخول المرأة عالم التمثيل. ولأنها كانت مولعة بكتابة القصة، فقد اختارت قسم اللغة العربية للدراسة في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية لتقوّم لغتها وموهبتها، ولكن التمثيل كان شغفها الأكبر.
المسيرة المهنية والإسهامات
تعدّ سليمة خضير واحدةً من الفنانات الرواد، وهي من مؤسسي الفرقة القومية للتمثيل عام 1969، وزوجة حارس مرمى نادي الميناء والمنتخب العراقي، وشقيقة المطربة أمل خضير. وهي ممثلة مؤلّفة وكاتبة روائية وقصصية. وقد بدأت مشوارها الفني مع فرقة هواة الفن في نهاية الخمسينيات في البصرة، ونشأ عشقها للتمثيل مع ترددها الدائم على دور السينما في مدينتها. أثرت الحياة الفنية بالعديد من الأعمال المتنوعة بين السينما والمسرح والتلفزيون، ومن أبرزها، "التجربة"، "الحارس"، "حمى الأبطال"، "برج العقرب"، "هذا هو الحب"، "البيت الكبير"، "البيك والسائق"، "النخلة والجيران"، "كفاح في الجزائر"، "أنتغونا"، "الأشجار تموت واقفة"، "كلهم أولادي". اعتزلت الفن بسبب تقدّمها في العمر ووفاة ابنها وسام في حادث سير. ولا يمكن حصر أعمالها في جدول، ولا مساحة تكفي، فهي تعدّ بالعشرات، ولها أيضًا إسهامات في الكتابة التلفزيونية والإذاعية، حيث رفدت المكتبة البصرية والسمعية بالعشرات من المسلسلات والتمثيليات.
النعي وردود الفعل
نعت الأوساط الثقافية والسياسية في العراق رحيل الفنانة سليمة خضير. وقال مستشار رئيس الوزراء، الشاعر الدكتور عارف الساعدي، إن الفنانة الكبيرة سليمة خضير تشكل مساحةً واسعةً في الذاكرة العراقية ولكل العوائل العراقية التي يرونها جزءًا منهم ومن تفاصيلهم فهي الأم الحنون والصوت المرتعش الذي يدخل القلب ولا يغادره. ولفت إلى أنه "برحيلها فقدت الساحة الإبداعية نجمة حقيقية من نجوم الدراما والمسرح والثقافة".كما نعتها وزارة الثقافة والسياحة والآثار ممثلة بالوزير الدكتور أحمد فكاك البدراني، وعدّت رحيلها خسارةً لإحدى أبرز نجمات الفن العراقي خلال العقود الماضية، وأضاف بيان النعي "أنّه برحيل سليمة خضير تفقد الساحة الفنية واحدة من أبرز وجوهها التي تركت بصمةً واضحة في مسيرة الدراما العراقية".فيما نعتها كذلك نقابة الفنانين ممثلةً بنقيبها الدكتور جبار جودي، معتبرةً رحيلها خسارةً للفن العراقي الأصيل وأن الراحلة أسست مع الفنانين الرواد مدرسةً عراقية في التمثيل.ونعى تجمع "فنانو العراق" الفنانة في بيان، وقال إنّها "رحلت بعد مسيرة فنية حافلة بالعطاء والإبداع، كانت خلالها واحدةً من أعمدة الفن العراقي الأصيل". وإنّ الراحلة "مثّلت نموذجًا للفنانة الملتزمة والموهوبة، وأسهمت بشكل بارز في إثراء الدراما والمسرح والإذاعة في العراق، حيث كانت صوتًا وشخصيةً لا تُنسى، وأيقونةً في ذاكرة الفن العراقي والعربي".الكاتب والسيناريست شوقي كريم حسن قال إنّ الراحلة هي "صوت الشعب، روح المسرح، وعطر الذكرى الذي لا يموت"، وأضاف أنّها "تركت لنا ضحكاتها ودموعها وأدوارها التي عشناها، وعشنا معها كل نبضةٍ فنية صادقة، كل مشهدٍ كان قلبك فيه ينبض بالصدق". وأشار إلى أنّ أعمالها المسرحية كثيرة، وكانت جميعها مخلدةً فنيًّا لأنها تعرف كيف تختار الأدوار، ولفت إلى أنّها "لم تدرس الفن، لكنها منذ وجودها الأول في البصرة وجدت نفسها تفكر بأن تكون ممثلة شبيهة بممثلات السينما العالمية، وهذا ما كان".وبحسب قوله، فإنّها "جاءت إلى بغداد وأصبحت القاسم المشترك في جميع الأعمال الفنية، طائر سلام تتنقل من أمام الكاميرا إلى مواجهة الجمهور". وذكر كريم أنّها "قدمت الشخصية البغدادية بتلقائية لمن يعرف أعماقها، فهي تغوص في عمق الأداء الذي تتناغم به مع كل دور لتبقى في الذاكرة الفنية ويصعب نسيانها، وهي متابعة للأحداث بصمت اختياري، تمسك خيوط اللعبة بإتقان يجعلها تتفوق على نفسها".ولفت إلى أنّها "في زمن قياسي استطاعت أن تكون نجمةً سينمائية، تقاسمت مع النجوم ثلثي ما أُنتج في السينما العراقية، وهي أمّ حنونة، وزوجة قوية، ومحبة مستذكرة". وتابع كريم: "ليست فقط الأعمال في السينما والتلفزيون، بل عبرت الأثير بصوتها في العديد من المسلسلات الإذاعية، لتصل رسالتها إلى كل بيت عراقي، ولتبقى حاضرةً في الذاكرة، في القلب، في الضحكة والدمعة، في كل بيت أحبّها وعشق فنّها". وبحسرة قال: "اليوم يغلق المسرح أبوابه، لكنها باقية في كل جدار، في كل كلمة، في كل صوت، باقيةً في الفن الذي أحبّتْه، وفي الشعب الذي أحبّها"، مختتمًا قوله: "إنها نجمة العراق التي لن تغيب".أما الصحافي والناقد الفني عبد الجبار العتابي، فقال إنّ الرحيل جاء "بعد أن أنهكها الحزن منذ فقدان ابنها". وأضاف أنّه في عام 2014 أُجري حوار صحافي معها أكدت فيه اعتزالها التمثيل بسبب تراجع حالتها الصحية ووفاة ولدها (وسام)، حيث شعرت بأنّها غير قادرة على الاستمرار بالعمل. ولفت إلى "عشقها الكبير للمسرح الذي تمنّت أن تراه عائدًا لمكانته السابقة حين قدّمت الكثير من الأعمال الخالدة"، وبيّن أنّها ذكرت في الحوار أنّه "لولا حبّها للتمثيل لأصبحت نجمةً في عالم الأدب أو صحافيةً كبيرة، وعبّرت عن اعتزازها بكل ما قدّمته في سنوات عمرها الفني الذي بدأ من البصرة".وكشف العتابي أنّ الراحلة "عملت في الصحافة في شبابها، وهي أيضًا كاتبة رواية وقصة، حيث أصدرت مجموعتين قصصيتين ورواية بعنوان 'النخيل والقيثارة'، وهو ما جعلها تختار قسم اللغة العربية للدراسة في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية لتقويم لغتها وموهبتها، ولكن التمثيل أخذ كل وقتها". وذكر أنّها قالت إنّ "الكتابة الأدبية تحتاج إلى تفرّغ"، كما أنّها كتبت مذكراتها التي نشر جزءًا منها الصحافي الغائب وسام فاروق في جريدة "الموعد"، ولفت إلى أنّها كانت "من مؤسسي الفرقة القومية للتمثيل عام 1969، وهذا وحده يعطيها حق الريادة في الفن العراقي الأصيل". يستذكر الفنان والمخرج المسرحي عباس شهاب كيف كان يتابعها بدهشة وهو طفل وشاب صغير "حتى كبرت وكبرت محبتي لها عندما بدأت أشارك وأدخل مجال الفن الذي أحبه". وأضاف أنها "ممثلة من الطراز الأول وفنانة من الطراز الإبداعي وقد تركت في نفوس المشاهدين الكثير من الحب، لأنها لا تمثل بتقمص خارجي، بل بواقعيتها في الأداء وكانت بأدوارها قريبة للبيت العراقي". وعبّر شهاب عن حزنه لابتعادها عن الوسط "بسبب مرضها الذي فاجأ الجميع"، مضيفًا "ليس غريبًا هذا الإهمال الكبير الذي يتعرّض له الفنان بصورة عامة" مستدركًا أن "لنقابة الفنانين دورًا كبيرًا وجهودًا كبيرة وهي تقدم كل ما لديها من دعم للفنان إنما وفق الإمكانيات المتاحة والتي تعتبر متواضعة". |
المشـاهدات 11 تاريخ الإضافـة 02/09/2025 رقم المحتوى 66249 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |