النـص :
يلتبس على الكثير من طلبة العلم والمختصين في مختلف مجالات العلوم أن الذكاء والتميز في أي تخصص إنما هو وسيلة وليست غاية بحد ذاته. فذكاؤك وبروزك العلمي لا ينفع إن لم يكن مؤطراً بغاية إنسانية هدفها خدمة المجتمع وإشاعة الفضيلة فيه. فلا قيمة لعلمك إن لم تُحسن توظيفه لبناء شخصية اجتماعية متميزة تسعى للتغيير نحو الأفضل، وهو ما يُعرف بـ الرشد، أي حسن التصرف بالشيء.وقد مدح الله تعالى في كتابه الحكيم "الراشدون" والذين "تحروا رشداً"، أي الذين أحسنوا التصرف بما لديهم من علم، ولم يحبسوه عن الناس لغرض شخصي أو لمكسب نفعي ضيق.لقد مرّت في حياتنا شخصيات علمية كثيرة في مواقع وظيفية أو جامعية، لكننا اكتشفنا بعد سنوات طويلة أنهم لم يكونوا صادقين حتى مع أنفسهم، فقد جمعوا العلم دون أن يجمعوا معه القيم التي توصله إلى خدمة المجتمع ورُقيّه. فمنهم من نال الدكتوراه ليُنادَى بلقب دكتور، ومنهم من اكتنز العلم ليحصل على وظيفة يتعالى بها على أهله وأصدقائه، وآخرون حملوا الشهادات ليعالجوا عقداً نفسية داخلهم.والأدهى أن بعضهم يدرّس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما في سلوكياته يُظهر عنصرية وسادية في نظرته إلى الآخر. وهنا تتجلى المفارقة، اذ ليست العبرة بما يملكه الإنسان من معلومات، بل بما يوظّفه من هذه المعلومات لخدمة قضايا المجتمع.ولهذا مدح الله في كتابه "العلماء" ولم يمدح العلم ذاته، لأن العلم وسيلة، بينما حسن التصرف به غاية لا يُتقنها إلا القليل من المتعلمين. وهنا تكمن إحدى إشكاليات التخلف في مجتمعاتنا؛ حيث يعيش كثير من المتعلمين في أبراج عاجية داخل الجامعة أو الوظيفة أو المنصب، بعيدين عن نبض المجتمع وحاجاته. ومؤكد ان العلم كوسيلة لايزدهر ويثمر، الا اذا انزله صاحبه منازل الراشدين، ومزجه بالقيم وحوله لسلوك وممارسة تخدم الانسان والمجتمع
|