النـص : كنت أسير في طريق المشاية من النجف إلى كربلاء في أربعينية الإمام الحسين عليه السلام حتى بلغت العمود رقم (817) وهناك لفت انتباهي رجل أجنبي من اسبانيا يحمل كاميرته ويوثق بعدسته هذا المشهد العظيم اقتربت منه وسألته هل تستطيع عرض هذه الأفلام في بلدك ؟ فأجابني قائلاً : لا بالتأكيد لن يسمحوا بعرضها هناك. استغربت من جوابه وسألته : ولماذا؟ أليست لديكم في أوروبا مهرجانات متعددة تُعرض فيها طقوس غريبة كمهرجان الطماطم ومصارعة الحيوانات وحتى الاحتفاء بالمتحولين جنسياً؟ كل ذلك يُنشر ويُعرض بشكل طبيعي، فلماذا لا يُسمح بعرض هذه الحركة الاجتماعية العظيمة ؟ صمت المخرج لبرهة ثم قال : إن الحكومة تمنع ذلك عندها علّقت قائلاً هل لديكم مشكلة مع الإسلام؟ ففكّر قليلاً ثم أجابني: لا ليست المسألة كذلك. لكن لو عرضت مشاية الأربعين في بلداننا فإنها ستقلب جميع المعادلات الثقافية هناك رأساً على عقب وستغير مفاهيم الحياة لدى الناس. سألته بدهشة : وكيف ذلك؟ قال : لقد اعتاد الغرب منذ سنوات طويلة أن يربّي الناس على الأنانية وأن يقنعهم بأن السعادة الحقيقية تكمن في أن يقدّم لك الآخرون شيئاً أو أن يخدمك أحدهم. أما أنتم ففي زيارة الأربعين أثبتم أن السعادة تكمن في خدمة الآخري. فهنا يتعب الناس في الحرّ والبرد ويضحّون براحتهم من أجل خدمة الزائرين إنكم تجدون لذّتكم وسعادتكم في خدمة غيركم وهذا ما يجعل المعادلة مختلفة تماماً لو عرف الناس عندنا هذا المفهوم لكان تغييراً هائلاً في نظرتهم إلى معنى السعادة والإنسانية ولا شكّ أن الجميع سيأتون حينها ليروا ما هو هذا الدين الذي يرى سعادته في خدمة الآخرين. إن هذه الكلمات الصادقة تكشف لنا بوضوح أن خدمة الآخرين ليست مجرد فعل عابر أو عادة اجتماعية، بل هي فلسفة حياة ومنهج إنساني عميق فالسعادة الحقيقية لا تُقاس بما نأخذه لأنفسنا، بل بما نقدّمه لغيرنا من عون وخدمة وفي مدرسة الإمام الحسين عليه السلام تعلّم الملايين أن يذوبوا في حب الآخر وأن يجعلوا من العطاء طريقاً للسعادة ومن الإيثار وسيلة للسموّ الروحي والأخلاقي.. وهكذا فإن زيارة الأربعين ليست حدثاً دينياً فحسب بل هي مدرسة إنسانية عالمية تؤكد أن أعظم سعادة يمكن للإنسان أن ينالها هي أن يهب نفسه لخدمة الآخرين .
|