| النـص :
عساف صالح أغا الدوري
لقد كرّم الله الأنسان وسخر له ما في الارض ليجدَّ ويسعى في استغلالها ومن تكريمه له ان جعله رقيبا على نفسه يحاسبها اذا قصّر ويحمد الله اذا أصاب ولا يخشى إلا الله وهذا التكريم لايتم إلا بالعمل الصالح والعمل لايتم إلا بالعلم والمعرفة لأن قليل العمل يكون نافعا مع العلم وكثير العمل لايقتصر على مرحلة من العمر بل على المسلم أن يتعلم ما يساير ركب حياته. فرسول الله اصطفاه الله وعلمه مما يشاء يقول: اذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علما يقربني الى الله فلا بورك في شمس ذلك اليوم. وكان الرسول اذا أقرَّ امرا او نهى عنه أمر اصحابه ان يبلغوه من لم يحضر فيقول: ألا بلغوا عنّي فرب مبلغ اوعى من سامع. واذا جاءه وفد وعلمهم قال لهم: ارجعوا وعلموا قومكم. وكان يقول: أغدُ عالما او متعلما او مستمعا او محبا للعلم ولا تكن الخامس فتهلك. وهذا عمر بن الخطاب يقول: من علم فليعلّم ومن لم يعلم فليسأل العلماء. فالعلم خزائن مفتاحها السؤال وان اربعة يؤجرون: السائل والمجيب والمستمع والمحب. كما جعل عليه الصلاة والسلام من حق الجار على جاره ان يرشده ويعلمه ما يجهله من امور دينه ودنياه وخطب(ص) ذات يوم وقال: ما بال اقوام لايفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم وما بال اقوام لايتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون. وكما ان طلب العلم فريضة فاداء العلم للناس فريضة لأن اشتغال العالم بالعمل به معروف والعمل بخلافه منكر فالتعليم يكون امرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وهو فرض على هذه الأمة. والتربية الاسلامية لم تكن جامدة تحد من قابليات النشىء او تكبت ميولهم ورغباتهم او تقف امام رغباتهم ونشاطهم فهي تتطور مع الزمن ومتطلباته في حدود الدين والاخلاق والعمل النافع. والتعليم في الاسلام لم يكن مقتصرا على علوم محددة فالعلم في الاسلام كل معرفة يحتاجها الانسان في تقويم دينه ودنياه، فالعبادات والمعاملات التي عليها قوام الحياة واختلاف المعارف اكد الاسلام على تعلمها ونشرها في المجتمع. فالدين الاسلامي دين علم وعمل واصلاح وتحرير وحث على العمل للدنيا والاخرة ولا يتم الدين إلا بالدنيا. ويكفي انه اول آية نزلت على الرسول تحث على القراءة (إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الاكرم، الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم). وان العمل الذي لايستند الى علم لايقدّر له النجاح حيث يقول رسول الله: اعلموا ما شئتم فلن تؤجروا حتى تعملوا وان قليل العلم ينفع مع العمل. وكان (ص) يتعوذ من علم لاينفع. والاسلام اول من جعل التعليم الزاميا ومن حق الولد على والده ان يعلمه القرآن وامور دينه ويعنى بتربيته تربية صالحة فيقول الرسول: علموا اولادكم واهليكم الخير وأدبوهم. والعلم في الاسلام فرض عين وهو ما يجب ان يتعلمه كل مسلم من امور دينه والقرآن الكريم وامور معاشه، وهو فرض كفاية للعلوم التي عليها قوام المجتمع الاسلامي في امور دينه ودنياه فكل علم يحتاجه المجتمع فهو فرض كفاية ويجب ان يكون في الأمة من يحسنها ويعلمها فاذا قام بها البعض سقط عن الآخرين فان لم يكن في البلد من يقوم بها اشتركوا جميعا في الإثم فما يحتاج المجتمع من اعمال وعلوم فكرية لاتتهيأ لكل فرد وعل الأمة أن تعد من ابنائها من له من المواهب ما يمكنه من تنميتها فان كان عاجزا عن النفقة في دراسته فعل المجتمع ان يتعهده ويهيء له اسباب العيش مما يساعده على الاستمرار في تحصيله وان قصّروا في اعداده فالأثم على المجتمع لأن الأمة مطالبة بهذا بموجب قانون التكافل الاجتماعي. اما فضيلة العلم فشواهدها كثيرة في القرآن منها قوله تعالى:(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) وقوله (هل يستوي الذين يعلموت والذين لايعلمون) وقوله (انما يخشى الله من عباده العلماء) وقوله. اما شواهد فضيلة العلم في اقوال الرسول فكثيرة منها قوله(ص): افضل الناس المؤمن العالم الذي اذا احتيج اليه نفع وان استغني عنه غنى نفسه. وقوله: العلماء ورثة الانبياء. وقوله: الايمان عريان لباسه التقوى وزينته الحياة وثمرته العلم. وقوله: العالم امين الله في الارض. وقوله: تشفع يوم القيامة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء وقوله: ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع. فبالعلم يتم الوصول الى الله والى قربه وجواره وهو السعادة واللذة السرمدية التي لاينقضي آخرها. ففي العلم عز الدنيا وسعادة الآخرة فالعالم بعلمه يزرع لنفسه السعادة بتهذيب اخلاقه واخلاق الناس. فالنبي(ص) قد مجّد العلم ومكانته ودعا اليه وحث المسلمين على اكتسابه والعمل على تعلمه واعتبر تركه هلاكا للناس حيث قال: هلاك امتي في شيئين: ترك العلم وجمع المال. وقال: خير الدنيا والاخرة مع العلم وشر الدنيا والاخرة مع الجهل. وقال: يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل احدهما على الآخر. وسئل عن افضل الاعمال فقال: العلم بالله والفقه في دينه. واخيرا فان فان تعلم العلم لله حسنة ودراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه عبادة وتعليمه صدقة وبذله لأهله قربة والمؤنس في الوحشة والجليس في الوحدة والصاحب في القربة والدليل على السراء والمعين على الضراء.
|