النـص :
العراق مجتمع عشائري تحتل العشيرة أو القبيلة مكانة كبيرة فيها، ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبته العشائر في العراق خصوصاً في بعض المراحل والظروف والأزمات التي مرت به، فقد ساهمت وحلت الكثير من المشاكل بين الأفراد في حالة ضعف الدولة خصوصاً في الفترة التي تلت 2003 إلا أن هذا لا يعني أن تحل سنن العشيرة أو القبيلة محل القانون ويكون لها السلطة والسطوة على المجتمع وإلا فما الحاجة من القوانين وتشريعها إذا كان الاحتكام إلى العشيرة هو الأصل والأساس في كل المشاكل والمنازعات التي تنشأ بين الأفراد. إن من الحالات السلبية في نطاق المجتمع العشائري في العراق هما: السلاح المنفلت والدكة العشائرية، فالسلاح الذي يتسلح به أفراد العشائر في العراق والذي يستخدم في كثير من الأحيان لحسم الخلافات والمنازعات دون أدنى اعتبار للقانون الذي لا يجرم اللجوء إلى استخدام السلاح في حل المشاكل والنزاعات فقط بل يجرم حتى حمله دون رخصة، فالمشرع عندما وضع القانون أراد أن يحتكم إليه الناس لا أن يجعلوه على جنب ويحلوا مشاكلهم بأيديهم، فالسلاح المنفلت إذن والدكة العشائرية هما خطر يهدد السلم المجتمعي ويلغي دور الدولة وسلطة القانون لتحل مكانها سلطة العشيرة أو القبيلة، ومما يزيد الطين بلة، ويوسع الخرق على الراقع إن صح التعبير أن يلجأ المسؤول -الذي من المفترض أن يكون قدوة لغيره في احترام القانون والعمل بأحكامه واللجوء إليه- إلى التهديد بعشيرته عندما يتعرض للانتقاد من الغير سواء من خلال وسائل الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. فلجوء المسؤول في العراق إلى عشيرته عند تعرضه للانتقاد طامة كبرى ومصيبة عظيمة تعكس حجم الفوضى الذي نعيش فيه، فالذي يضع نفسه في المسؤولية ويرضى بها عليه إما أن يتحمل الانتقادات التي تصدر من الغير في حالة تقصيره أو إخفاقه في العمل، أو يلجأ إلى القانون إذا كانت هذه الانتقادات جاءت لأسباب شخصية أو عدائية، أو مبنية على اتهامات غير صحيحة. إن الاحتكام إلى العشيرة أو القبيلة دون اللجوء إلى القانون يظهر أننا لا زلنا نعيش في شريعة الغاب حيث صارت السلطة بيد من له السطوة ومن يملك السلاح، لذا تحولت العشيرة والتي الأصل فيها أنها قرابة وصلة رحم بين أفرادها وتواصل وتعاون مع العشائر الأخرى إلى عصابة مسلحة تستعمل القوة في الدفاع عن حقوق أفرادها المشروعة وغير المشروعة عن طريق السلاح وكأننا نعيش في العصور الجاهلية لا اننا نعيش في القرن الواحد والعشرين والذي يفترض أنه تحل جميع النزعات والخلافات من خلال القانون الذي ينبغي أن يكون هو الفيصل في ذلك. فنحن أمام اختبار صعب إما أن نُحكّم العشيرة في نزاعاتنا وخلافاتنا فيكون لسننها السلطان علينا، وفي ذلك رجوع إلى العصر الجاهلي حيث كان التمييز فيه بين الأشخاص على أساس قوة العشائر وكثرة أعداد أفرادها، وإما أن نُحكّم القانون وما جاء به من أحكام في حل مشاكلنا ونزاعاتنا وفي هذه الحالة سيكون الجميع سواسية أمامه لا فرق بين حاكم ومحكوم، وبين مواطن ومسؤول؛ لأن أحكام القانون لا تمييز فيها بين شخص وآخر، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن نعيش في دولة يحكمها القانون ويخضع الجميع لسلطانه، أم في دولة تحكمها السنن والأعراف العشائرية فتكون السلطة لهذه السنن والأعراف لا للدستور والقانون؟!!
|