الثلاثاء 2025/10/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
نيوز بار
فلسفة الحكم والمنصب بين التاريخ الإسلامي والواقع المعاصر
فلسفة الحكم والمنصب بين التاريخ الإسلامي والواقع المعاصر
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د.صدام العبيدي
النـص :

 

 

 

فلسفة الحكم والمنصب في تاريخنا الإسلامي خصوصاً في زمن الرسول عليه السلام وخلفائه الراشدون عندما كانت خلافة على منهاج النبوة كما قال عليه الصلاة والسلام: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك". في هذا الحقبة من التاريخ كان الحاكم هو خادم لأمته وليس العكس، كان من حق الأمة أن تعزل الحاكم متى ظهر لها أنه حاد عن الطريق المستقيم، وفي الخطبة الأولى للخليفة أبي بكر الصديق ما يوضح هذه الحقيقية حيث قال فيها: "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني...أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". وكان هذا المنهج هو المعمول به في تعيين الولاة والأمراء وعزلهم ففي تاريخنا الإسلامي هناك أمثلة على عزل الكثير من الولاة لمجرد طلب أهل الولاية ذلك، فقد عُزل عن ولاية الكوفة سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، وقد قال الخليفة عمر بن الخطاب: "هان شيْ أُصلح به قوماً: أن أُبدلهم أميراً مكان أمير". كما عُرف الخليفة علي بن أبي طالب أيضاً بالصرامة في محاسبة عماله على كل إساءة تبد منهم تجاه الرعية اثناء استخدام سلطاتهم على اعتبار أن الوالي أو الأمير هو خادم لأهل ولايته، وقد تجلت الغاية من تصرفات الإدارة هذه فيما ارساه الخليفة علي بن أبي طالب من مبادئ في كتابه للأشتر النخعي يوم ولاه مصر والذي ورد فيه على الخصوص "...... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومَنْ لك فيه هوىً من رعيتك، فإنّك إلا تفعل تَظْلِم، ومَنْ ظَلَم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع أو يتوب، وليس شيءٌ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامةٍ على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد". فالحاكم والمسؤول في الفلسفة الإسلامية هو خادم لشعبه وهو مكلف بالعمل والحكم على ضوء القانون الإسلامي (الشريعة الإسلامية) ومتى حاد عن ذلك وظلم يحق للأمة عزله، فالمنصب هو تكليف في الإسلام وليس تشريف، وهذه الفلسفة أخذت بها الثقافة الغربية في الوقت الحاضر، فالمسؤول عندهم في كثير من الأحيان لا يتميز كثيراً عن الناس فهو قد يتبضع بنفسه حاله حال بقية أفراد الشعب، ويقف في الطابور، ويذهب إلى العمل بموكب صغير، ومنهم من غادر منصبه على عجلة كما فعلها رئيس وزراء هولندا السابق مارك روته دون مواكب وحمايات وأرتال وقطع للطرق!! ومتى ما قصر المسؤول في عمله أو أخفق فيه عُزل أو قدم هو استقالته استجابةً لنداء ضميره وحسه الوطني! إلا أن ثقافتنا العربية تأبى ذلك فلا زال المسؤول يرى نفسه فوق القانون، وأن وجوده في المنصب والمسؤولية تشريف لشخصه وليس تكليف له، فهو يفعل ما بدا له أثناء توليه المسؤولية والمنصب فلا رقابة عليه ولا معقب لحكمه، فهو يتمتع بحصانة عن المساءلة والمتابعة. والامتيازات التي يحصل عليها المسؤول في بلداننا العربية وخصوصاً في العراق لا نظير لها، فالأموال الطائلة التي تصرف على المسؤول من رواتب ومخصصات ونثريات وامتيازات ونفقات سفر فاقت الكثير من دول العالم الغنية، ناهيك عن الطرق غير المشروعة في الحصول على الأموال من عقود ومقاولات وعمولات، لهذا صار الوصول إلى المنصب حلم الجميع، فالكل تتقاتل لتظفر بالحصول على مقعد في مجلس النواب وما يتبع ذلك من حصانة وامتيازات وتقاسم للمناصب التنفيذية وتوزيعها بين الفائزين على أساس المحاصصة الطائفية أو القومية أو الحزبية لا على أساس الكفاءة والأمانة والنزاهة، وحادثة تقسيم وتوزيع السفراء على أساس المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية بين الكتل والأحزاب ليس ببعيد! وللخروج من هذه الحالة والتخلص من هذا الواقع لا بد من إعادة النظر في هذا الأمر، فالمسؤول مهما علا شأنه وارتفع منصبه هو أولاً وأخراً موظف وجد في المسؤولية ليقدم خدمة لمجتمعه ووطنه، فهو مكلف بخدمة عامة، فلا تعظيم ولا تقديس لشخصه، فلا معنى لمظاهر العظمة التي يُحاط بها المسؤولون في العراق من امتيازات قد لا يوجد لها مثيل كما قلنا في أغنى دول العالم، ومن المفارقات أن الكثير من هؤلاء المسؤولين لا يزالون يتمتعون بتلك الامتيازات حتى بعد خروجهم من مناصبهم!! لذا لا بد من تقليص الامتيازات للنواب والمسؤولين، وهذا الاجراء يضمن لنا أن من يصل إلى البرلمان أو إلى أحد المناصب التنفيذية هو من لديه الرغبة الحقيقية للعمل لخدمة أهله ومجتمع ووطنه لا لأجل الامتيازات الممنوحة للنائب أو للمسؤول، فتقليل الراتب والمخصصات وعدد الحمايات الخطوة الأولى في إصلاح منظومة الحكم والإدارة في العراق، كما لا بد من تفعيل شعار من أين لك هذا؟ فالمراقبة والمتابعة للحكام والمسؤولين وأصحاب المناصب والشفافية في ذلك هي السمة التي تميز بها الحكم الإسلامي في عصره الذهبي حيث كانت تحصى أموال الولاة والعمال عند تعيينهم وعند عزلهم أو استقالتهم، فوضع هذا الشعار والعمل بموجبه كفيل بأن يضمن المحافظة على المال العام، وعدم الاعتداء أو التجاوز عليه، أو استغلاله لمصلحة خاصة. وهذا الشعار يجب أن يطبق على جميع المسؤولين إذما أردنا الاصلاح، لا أن يطبق على صغارهم ويترك كبارهم ممن يملكون القوة والنفوذ والجاه. إن هذه الخطوات والإجراءات إن طبقت كفيلة بوضع أمر الحكم والمنصب في مكانه الصحيح، ووضعه الطبيعي الذي وجد الحكم والمنصب لأجله.

المشـاهدات 170   تاريخ الإضافـة 06/10/2025   رقم المحتوى 67094
أضف تقييـم