الأحد 2025/10/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
نيوز بار
ريما حمزة شرفةَ تطلُّ من خاصرةِ الأملِ
ريما حمزة شرفةَ تطلُّ من خاصرةِ الأملِ
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

ناصر أبو عون

من الحماقة أنتَ تسأل (ديكتاتور) عن معنى الوطن؛ لأنه ببساطة لا يحلم، لا يغمض جفونه، حتى كفّ يده اليمنى يخاصمها دفء الرغبة في العِناق، وتكلَّست سبابته على الزِّناد، وحَذَفَ مفردة الحب ومترادفاتها من سياقات النصوص، وجدائلها المفتولة في شرايين القلب؛ بل قشَّر الخوف من الأقاصي البعيدة في كُتب التاريخ، وأعاد اختراعه داخل الأبجدية مُجرَّدًا من الفعل الثلاثي (أَ مِ نَ).. وفي هذا النصَّ (نحن الذين أحببنا في الوقت الضيّق) تعيد الشاعرة السورية ريما حمزة تعريف مصطلح (الوطن) ومعادلها الموضوعي (الأمن).. في هذا النصّ سقطت كل الأسئلة سابقة التجهيز، والمؤطّرة، وتعرّت كل الإجابات، ونزحت كل التبريرات إلى حدود اليقين لتبحث عن مأوى، وتخلع أردية التمذهب، وتنزع أقنعة الطوأفة، وتمحو كل خطوط التماس المناطقية من خارطة الذاكرة المرسومة بالدم، وتجيب على سؤال: لماذا نحب؟ [نحنُ نحبُّ/ كما لو أنَّ الحبَّ وطنٌ/ وكما لو أنَّ اليدَ حين تلمسُ يداً/ تُعيدُ ترتيبَ الدمِ في الشرايينِ/ نُحبُّ… لا لننسى، نُحبُّ/ لننجو من لعنةِ التذكُّر].

في هذا النصّ تمزج ريما حمزة بين بناء القصيدة وبناء الحلم، وبناء الوطن، في نفسٍ شعريٍّ واحد، وتعبرُ المسافة بين الشعر والسرد في بحرٍ لُجيٍّ من الكلمات المتلاطمة؟ وتقف بنا على عتبات (حمص) لتقدّ الضحكة من قميصها الفضفاض الملطّخ بالدم، وتنسرب في أزقة (اللاذقية) لتعيد للحكايا طفولتها، وترش رذاذ اللغة على (القدود الحلبية) التي تمطر شهدا في فم الربيع المستلقي فوق مروج (إدلب)، وتعزف على نبض ترنيمة نورسة تنقر الماء على شواطيء (طرطوس)، وتفك شفيرة زقزقة (عصفور الشمس) على منارات (بانياس) وتكتب نوتة لسيمفونية الشام الذي يقاوم بالحب ويقرأ همس الموج، وتحت تأثير (مخدِّر المحبة)، وتنام على شدوِ نايٍ حزينٍ مكسورٍ قلبه، وتهتف:[يا سوريا/ نحنُ الذينَ نحبُّكِ لأنَّكِ وجعٌ يسيلُ فينا/ وشجرةٌ/ تُعانقُ ظلَّها في الضوءِ/ نحبُّكِ لأنَّكِ أنثى القصيدةِ/ ونبوءةُ الجداتِ في المواويلِ حينَ يختلطُ الدعاءُ بالدمعِ].

في هذا النصّ أعادت ريما حمزة هندسة وترتيب المشاعر والرؤى المتناقضة، في ذاكرة عشّاق الشام، وكتبت معلّقة نثرية على صدر طبوغرافيا القصيدة، وموسقت الحزن، وخلَّقت جملًا لحنيةً من إهاب المفردات المعتادة، ولكن برؤية عازف كمان متصالح مع العالم؛ وصنعت دعائم وأسيجة حول الأحلام الوطنية الآيلة للسقوط، وأعادت تجميع شظايا مرايا الوطن الذبيح وعشَّقَت الشروخ بين مكونات الخارطة السوريّة التنوّعة الأعراق والثقافات برباط (المحبة والوطنية)...[نحنُ الذين نُحبُّ، لا نطلبُ الحبَّ تزجيةً للعمرِ/ بل نجعلهُ طريقةً لنعرفَ كيف نُعيدُ تركيبَ الغدِ/ كيف نلمُّ دمشقَ حين/ تنفرطُ من صدرِها/ وتصيرُ شالاً على كتفِ العاصفةِ/ نحنُ الذين نُحبُّ/ كي نحمي المعنى من السقوطِ/نُحبُّ/ كما لو أنَّ اللاذقيةَ ليست بندقيةً/ بل يدٌ مبلّلةٌ بالملحِ والعنبرِ/ نُحبُّ/ كما لو أنَّ درعا ليست ممراً للجثثِ،/ بل حنجرةٌ تُدرّبُ الفجرَ على النشيدِ].

إن تفاعل القاريء/ الناقد/ المتلقي مع نصّ ريما حمزة (نحن الذين أحببنا في الوقت الضيّق) يستدعي هنا (رؤية نقدية تفكيكية) حيث نشاهد المعنى بوصفه حضورًا أو فعلًا وبوصفه تدوينًا بنيويًّا والكشف عن مفارقات المعنى والدلالات من خلال وضعه في عملية إدراكية، حيث النص لم يعد موضوعًا في ذاته بل إنه (حدث) أو شيء يحدث في عقلية القاريء والمبدع على السواء, ومن ثّمَّ ستعدد المعاني داخل النصّ بوصفه وسيلة لتجاوز المبادئ العامة التي تمتص المعنى وتفرغه من محتواه حيث إن كل طبقة جديدة من المعنى تشير إلى استغلال ومحو المعنى السابق طبقاً للقصد الحاضر.. على نحو ما نقرأ في هذا المقطع [نحنُ الذين نحبُّ/ نُمرّرُ يدَنا على جديلةِ حلبَ/ نسقي ظلالَها بماءِ النشيدِ/ ونحملُ فجرَ حمصَ على أكتافِ الكلامِ/ نقولُ للغصنِ: لا تنكسرْ…/ فثمةَ ضحكةٌ تنتظركَ/ في آخرِ هذا الليلِ الطويلِ/فيا أيتها السويداءُ/ يا ضفةَ الروحِ حين يجفُّ النشيدُ/ يا شرفةَ النارِ تطلُّ من خاصرةِ الأملِ/ يا جديلةً من زعترٍ تتدلى على كتفِ البرقِ/ من أنت؟ أأنتِ مدينةٌ/ أم حنجرةٌ لأغنيةٍ لا تموتُ/ أم رغيفٌ تعلَّم أن يُطعم الفقراءَ من كرامتِه؟]

المشـاهدات 20   تاريخ الإضافـة 18/10/2025   رقم المحتوى 67469
أضف تقييـم