
![]() |
قصة قصيرة القصيدة الأخيرة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
د. عبد الحسين علوان الدرويش
مهداة الى الأستاذ الباحث التراثي السيد عادل العرداوي
حدث ذلك في إحدى أمسيات شهر محرم الحرام ، حيث كنت حاضراً في أحد المجالس الأدبية في منطقة الكراده في بغداد وكان المحاضر له باع طويل في التراث و الفلكلور والشعر الشعبي ، وعلى مستوى من النبل وحسن الخلق ،واديب وشاعر وصحفي ، أنه السيد عادل العرداوي ، تربطني بالزميل العرداوي ، أننا عملنا سوية في الصحافة في زمن الخبز المر الذي ذقناه معا في ذلك الزمن الغابر ...وما زالت مرارته عالقة على الرغم من مرور حقبة حبلى بالمفاجأة و الانقلابات والتحولات. وبعد انتهاء المحاضرة ، جلست معه لتبادل أطراف الحديث ، وفي جعبتي عدة اسئلة عن الشاعر السيد عبد الحسين الشرع !!!!! ، فأخبرني أنه يعرفه حق المعرفة...واسترسل بالحديث عنه : بعد أن درس المقدمات واجتاز المرحلة بامتياز ،في الحوزة العلمية في النجف الاشرف ، وخالط الكثير من الشعراء ، ونظم الشعر على طريقة الحسكة ، وكانت له خبرة واسعة باللهجة العامية ، وله ميل فطري في نظم الشعر الشعبي ، فنظم وأكثر ،حيث رزق الموهبة والرقة ، والذوق السليم والوصف بلغة شفافة مفعمة بالحزن العاشورائي الابدي ، مشكلة على وفق مشاهدات ومعايشات الواقع إلى نقل الوقائع ، كأنها حدثت توا ، وله نفس شعري طويل ، قلما يوجد مثله ،ولغته سلسة ذات منحى بلاغي ، والصورة الشعرية عند السيد عبارة عن ماء يرش على عشب اللغة ليبقى مخضرا ، فأرتقى الاعواد ، وقد ولع بالخطابة ، واشتهر بالشعر الحسيني من لون النعي ، ونظم الامثال التي تضرب ولاتقاس شعرا . واستمر العرداوي بالحديث : يحضرني بهذه المناسبة ، عندما نقل لي شاهد عيان على ما وقع للشاعر الشرع ، حين جاءه أحد الرواديد ، ورمى عليه قصيدته الجديدة ، التي كتبت بقلم الحبر الباركر ، على الورق الاسمر ، معترضا عليها قائلاً بصوت جهوري : خذ قصيدتك !!!! .... وهل تسميها قصيدة !!!! وبعد هذا الموقف الحرج ، دخل السيد بيته ، وهو حزين وحيران يتساءل مع نفسه ، لماذا فعل فلان ذلك معي ؟؟ واستطرد السيد بالقول : حتى لو كانت قصيدتي ضعيفة برأيه فلا يليق أن يردها علي بهذا الأسلوب!!! ، وبقي على هذا الحال ، مضطربا قلقا ، تتناهبه الأفكار ، حتى اخلد إلى النوم ، وهو يتقلب في فراشه ، ذات اليمين وذات الشمال ، من شدة تأثره بذلك الموقف . وفي عالم الرؤيا رأى سيدة ذات هيبة وجلال ، أحاطت بها هالة نورانية ، وإذا بها تقول له : ولدي العزيز لما انت نائم ؟؟ ، ثم قالت له : هاك خذ مستهل قصيدتك الجديدة ...( زينب لفت يم حسين.... لاكن كابعة بالهم ) وعندما تيقظ السيد من نومه ، أدرك أن هذه السيدة ، هي سيدة نساء العالمين !!!! ، فذهب مسرعا ليكتب المستهل للقصيدة ، قبل أن ينسى ، وشرع بكتابة قصيدة عصماء من عيون القصائد الحسينية ، بحيث لم يبق رادود ولا خطيب إلا قرأها على المنابر ، لأنها حملت توقيع الزهراء !!!!!. وبعد صمت وجيز ، استمر العرداوي بالحديث عن الشاعر الشرع قائلاً: أنه علم بوقت وفاته قبل ثلاثة أيام من تاريخ الوفاة ، وأصبح يودع الأهل والاحباب والجيران والأصدقاء المقربين ، ويجهز نفسه لتلك الرحلة الأبدية !!! ، وعندما سئل عن تلك الحالة أجاب بتصميم وحزم قائلاً: رأيت طيفا كأنني في الآخرة ، وفي الآخرة كل له شأن يغنيه ، أنها رهبة القيامة واهوالها ، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى ..وما هم بسكارى ، حيث تأتيهم الساعة بغتة وهم في غفلة معرضون ، يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر ، وينفخ في الصور ، وهم من كل حدب ينسلون ، كأنهم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحها، وعندها السماء ستفنى وتطوى كما تطوى الصحف التي نشرت بعدما كانت مطوية ومخفية ، لتعرض عليهم ليقرأ كل انسان ما قدمت يداه !!!! . واستمر الشرع بالحديث قائلا: بينا أنا كذلك ، لمحت سرادقا كبيراً من بعيد ، فقصدته ، فرأيت أحد المراجع العلماء ، الذي كانت له زعامة الحوزة العلمية في ذلك الوقت ، وهنا سألته: لما لا تدخل في ذلك السرداق ؟؟؟؛ وهنا قال له المرجع : أردت ذلك ... وحاولت الدخول فمنعوني!!!! ، وقالوا لي بصوت واحد: أن هذا المكان خاص ومحجوز فقط لشعراء الحسين!!!!! . وبعد ذلك التفت المرجع الى السيد الشاعر ، وهو متيقن وثابت الرأي قائلاً له : يا سيد الشرع ...اذهب وانتم اكيد ستدخلون ، ذلك السرداق ، لأنك من شعراء الحسين !!!٠ وبعد ذلك تحرك الشاعر إلى ذلك السرداق... لكنهم منعوه من الدخول ...!! ، فقال لهم الشاعر : لماذا تمنعوني وأنا من شعراء الحسين !!! ، فقالوا له : بلى ... نعرفك حق المعرفة ، فأنت الشاعر السيد عبد الحسين الشرع ، وانتم من خدمة الحسين!!! ، ثم أردف بالقول له : انظر الى مكانك الجاهز والفارغ ، ينتظرك بفارغ الصبر!!! ،لكنك لا تأتيه الا بعد ثلاثة أيـــــــــــــــا م !!!! . وعند ذلك نهض وانتبه السيد من نومه ، وأخبره أهله وذويه.... بأنه سيموت بعد ثلاثة أيام!!!!!! وحينها شرع بكتابة قصيدة الوداع ، حيث كان مستهل القصيدة ( شلون بيه وثكل وزن حسابي ............ وانترس من المعاصي كتابي ) ، وكانت هذه هي القصيدة الأخيرة. |
المشـاهدات 9 تاريخ الإضافـة 22/10/2025 رقم المحتوى 67558 |