الأربعاء 2025/10/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
نيوز بار
قصة قصيرة القصيدة الأخيرة
قصة قصيرة القصيدة الأخيرة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

د. عبد الحسين علوان الدرويش

 

مهداة الى الأستاذ الباحث التراثي السيد عادل العرداوي  

 

حدث ذلك في إحدى  أمسيات شهر محرم الحرام ، حيث كنت حاضراً في أحد المجالس الأدبية في منطقة الكراده في بغداد وكان المحاضر له باع طويل في التراث و الفلكلور والشعر الشعبي ، وعلى مستوى من النبل وحسن الخلق ،واديب وشاعر وصحفي ، أنه السيد عادل العرداوي ، تربطني بالزميل العرداوي ، أننا عملنا سوية في الصحافة في زمن الخبز المر الذي ذقناه معا في ذلك الزمن الغابر ...وما زالت مرارته عالقة على الرغم من مرور حقبة حبلى بالمفاجأة و الانقلابات والتحولات.

وبعد انتهاء المحاضرة ، جلست معه لتبادل أطراف الحديث ، وفي جعبتي عدة اسئلة عن الشاعر السيد عبد الحسين الشرع !!!!! ، فأخبرني أنه يعرفه حق المعرفة...واسترسل بالحديث عنه : بعد أن درس المقدمات واجتاز المرحلة بامتياز ،في الحوزة العلمية في النجف الاشرف ، وخالط الكثير من الشعراء ، ونظم الشعر على طريقة الحسكة ، وكانت له خبرة واسعة باللهجة العامية ، وله ميل فطري في نظم الشعر الشعبي ، فنظم وأكثر ،حيث رزق الموهبة والرقة ، والذوق السليم والوصف بلغة شفافة مفعمة بالحزن العاشورائي  الابدي ، مشكلة على وفق مشاهدات ومعايشات الواقع  إلى نقل الوقائع ، كأنها حدثت توا ، وله نفس شعري طويل ، قلما يوجد مثله ،ولغته سلسة ذات منحى بلاغي ، والصورة الشعرية عند السيد عبارة عن ماء يرش على عشب اللغة ليبقى مخضرا ، فأرتقى الاعواد ، وقد ولع بالخطابة ، واشتهر بالشعر الحسيني من لون النعي ، ونظم الامثال التي تضرب ولاتقاس شعرا .

واستمر العرداوي بالحديث :  يحضرني بهذه المناسبة ، عندما نقل لي شاهد عيان على ما وقع للشاعر الشرع ، حين جاءه أحد الرواديد ، ورمى عليه قصيدته الجديدة ، التي كتبت بقلم الحبر الباركر ، على الورق الاسمر ، معترضا عليها قائلاً بصوت جهوري : خذ قصيدتك !!!! .... وهل تسميها قصيدة !!!!

وبعد هذا الموقف الحرج ، دخل السيد بيته ، وهو حزين وحيران يتساءل  مع نفسه ، لماذا فعل فلان ذلك معي ؟؟ واستطرد السيد بالقول : حتى لو كانت قصيدتي ضعيفة برأيه فلا يليق أن يردها علي بهذا الأسلوب!!! ، وبقي على هذا الحال ، مضطربا قلقا ، تتناهبه الأفكار ، حتى  اخلد إلى النوم ، وهو يتقلب في فراشه ، ذات اليمين  وذات الشمال ، من شدة تأثره بذلك الموقف .

وفي عالم الرؤيا رأى سيدة ذات هيبة وجلال ، أحاطت بها هالة  نورانية  ، وإذا بها تقول له : ولدي العزيز لما انت نائم ؟؟ ، ثم قالت له : هاك خذ مستهل قصيدتك الجديدة ...( زينب لفت يم حسين.... لاكن كابعة بالهم ) 

وعندما  تيقظ السيد من نومه ، أدرك أن هذه السيدة ، هي سيدة نساء العالمين  !!!! ، فذهب مسرعا ليكتب المستهل للقصيدة ، قبل أن ينسى ، وشرع بكتابة قصيدة عصماء من عيون القصائد الحسينية ، بحيث لم يبق رادود ولا خطيب إلا قرأها على المنابر ، لأنها حملت توقيع الزهراء !!!!!.

وبعد صمت وجيز ، استمر العرداوي بالحديث عن الشاعر الشرع قائلاً: أنه علم بوقت وفاته قبل ثلاثة أيام من تاريخ الوفاة ، وأصبح يودع الأهل والاحباب والجيران والأصدقاء المقربين ، ويجهز نفسه لتلك الرحلة الأبدية !!! ، وعندما سئل عن تلك الحالة أجاب بتصميم وحزم قائلاً: رأيت طيفا كأنني في الآخرة ، وفي الآخرة كل له شأن يغنيه ، أنها رهبة القيامة واهوالها ، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى ..وما هم بسكارى ، حيث تأتيهم الساعة بغتة وهم في غفلة معرضون ، يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر  ، وينفخ في الصور ،  وهم من كل حدب ينسلون ، كأنهم يرونها لم يلبثوا  إلا عشية أو ضحها، وعندها السماء ستفنى وتطوى كما تطوى الصحف التي نشرت بعدما كانت مطوية ومخفية ، لتعرض عليهم ليقرأ كل انسان ما قدمت يداه !!!! .

واستمر الشرع بالحديث قائلا: بينا أنا كذلك ، لمحت سرادقا كبيراً من بعيد ، فقصدته ، فرأيت أحد المراجع العلماء ، الذي كانت له زعامة الحوزة العلمية في ذلك الوقت ، وهنا سألته:  لما لا تدخل في ذلك السرداق ؟؟؟؛ وهنا قال له المرجع : أردت ذلك ... وحاولت الدخول فمنعوني!!!! ، وقالوا لي بصوت واحد: أن هذا المكان خاص ومحجوز فقط لشعراء الحسين!!!!! .

 وبعد ذلك التفت المرجع الى السيد الشاعر ، وهو متيقن وثابت الرأي قائلاً له : يا سيد الشرع ...اذهب وانتم اكيد ستدخلون ، ذلك السرداق ، لأنك من شعراء الحسين !!!٠

وبعد ذلك تحرك الشاعر إلى ذلك السرداق... لكنهم منعوه من الدخول ...!! ، فقال لهم الشاعر : لماذا تمنعوني وأنا من شعراء الحسين !!! ، فقالوا له : بلى ... نعرفك حق المعرفة ، فأنت الشاعر السيد عبد الحسين الشرع ، وانتم من خدمة الحسين!!! ، ثم أردف بالقول له : انظر الى مكانك الجاهز والفارغ ، ينتظرك بفارغ الصبر!!! ،لكنك لا تأتيه الا بعد ثلاثة أيـــــــــــــــا م  !!!!   .

وعند ذلك نهض وانتبه السيد من نومه ، وأخبره أهله وذويه.... بأنه سيموت بعد ثلاثة أيام!!!!!!

وحينها شرع بكتابة قصيدة الوداع ، حيث كان مستهل القصيدة (  شلون بيه وثكل وزن حسابي ............ وانترس من المعاصي كتابي )   ، وكانت هذه هي القصيدة الأخيرة.

المشـاهدات 9   تاريخ الإضافـة 22/10/2025   رقم المحتوى 67558
أضف تقييـم