الأحد 2025/11/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 10.95 مئويـة
نيوز بار
المنصب مغرم لا مغنم
المنصب مغرم لا مغنم
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د.صدام العبيدي
النـص :

 

 

المنصب مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة لا يعرف قدره وعظم خطره إلا من نور الله بصيرته وعرَّفه بحقيقته. جاء أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله ألا تستعملني؟ أي ألا تجعلني عاملاً وأميراً على بعض الولايات؟ أو تولني منصباً من مناصب الدولة؟ فقال له الصادق المصدوق والناصح الأمين بعد أن ضربه بيده على منكبه: "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها". مع أن أبا ذر كان من أشجع الناس وأجراهم في قول الحق والعمل به، وقصة إسلامه تبين ذلك فهو عندما سمع بأمر النبي عليه الصلاة والسلام انطلق إلى مكة فلقي سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فأخبره بأمره فدخل به سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على النبي عليه الصلاة والسلام وطلب منه أبو ذر أن يعرض عليه الإسلام ليدخل الإيمان لقلبه وعقله، فأسلم وطلب منه النبي عليه الصلاة والسلام أن يكتم إيمانه حتى يسمع بظهور الإسلام وقوة شوكته إلا أن أبا ذر رفض ذلك وقال: والله لأصرُخنَّ بيها بين أظهرهم، فخرج إلى البيت وصرخ بشهادة التوحيد بين الناس، فقام المشركون بضربه حتى كادوا أن يقتلوه لولا أن أنقذه العباس (رضي الله عنه) منهم بعد أن هددهم بقبيلته غفار قائلاً: "ويلكم تقتلون رجلاً من غفار ومتجركم وممركم غفار". فتركوه فعاد إلى قبيلته. أسوق هذا الكلام للدلالة على شجاعة أبي ذر الغفاري وجراءته في قول الحق ومع ذلك نصحه النبي عليه الصلاة والسلام بعدم تولي المنصب، فإذا كان أبو ذر ضعيفاً فكيف بغيره؟! فالمنصب تكليف خطير وأمانة عظيمة لا يعي خطره وهوله الساعون إليه واللاهثون وراءه. لذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الحرص على المناصب والسعي لها فقال: "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة". وهذا ما يحصل اليوم فالكثير من الناس تلهث وراء المناصب وتركض خلف المسؤوليات لا لتأدية متطلباتها والقيام بأعبائها خدمةً للناس وتوفير متطلبات حياة كريمة لهم؛ وإنما لأن المناصب صارت مغانم تدر الأموال والامتيازات لأصحابها بطرق مشروعة وغير مشروعة، فالأموال الطائلة التي تصرف على أصحاب المناصب -وخصوصاً المناصب الرفيعة- من رواتب ومخصصات ونثريات وامتيازات ونفقات سفر عندنا في العراق فاقت الكثير من دول العالم الغنية، ناهيك عن الطرق غير المشروعة في الحصول على الأموال من عقود ومقاولات وعمولات، لهذا صار الوصول إلى المنصب حلم الجميع، وهذا يفسر لنا العدد الهائل من المرشحين لعضوية مجلس النواب، فالكثير منهم يسعى للظفر بمقعد فيه وما يتبع ذلك من امتيازات ومخصصات وتقاسم للمناصب التنفيذية وتوزيعها بين الفائزين وأحزابهم، ولولا هذه الامتيازات وتلك المخصصات المُبالغ فيها لمن يتولى تلك المناصب، ولولا ذلك الطمع غير المشروع في الحصول على العقود والمقاولات، وقبض العمولات لما تقدم أحد للمنصب ولما رغب أحد في الترشح له، فالمناصب صارت مغنماً ومكسباً وطريقاً لصنع الثروات والامبراطوريات المالية وليس وسيلة لخدمة الناس والمجتمع والبلد، فهذا وزير وذاك نائب أو مسؤول بعد أن كان لا يملك سيارة بسيطة صار في سنوات قليلة في المنصب يملك أسطولاً من السيارات الفارهة، وآخر صار من أصحاب الأملاك والعقارات والشقق والفلل والأموال داخل العراق وخارجه بعد أن كان لا يملك شيئاً، وآخر يبني قصراً يُضرب به المثل لفخامته وروعة تصميمه وبناءه!! فهل جاءت هذه الأموال والعقارات والأملاك من الرواتب؟!! لكل هذا صار المنصب وللأسف الشديد في نظر الكثير مغنماً في حين أنه ليس كذلك لو كان الهدف منه خدمة الناس، فالمنصب في حقيقته مغرماً وليس مغنماً وقلما تجد من يدرك ويعي هذه الحقيقية!!

المشـاهدات 56   تاريخ الإضافـة 01/11/2025   رقم المحتوى 67865
أضف تقييـم