الثلاثاء 2025/11/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 14.95 مئويـة
نيوز بار
ملامح الدورة الثامنة لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري
ملامح الدورة الثامنة لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

وائل سعيد

 

 

 

تحت شعار "المسرح للجماهير"، اختُتمت منذ أيام فعاليات النسخة الثامنة من مهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري، الذي امتدّ على مدار أسبوعين منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. هذا الشعار، الذي ظلّ مستمرًا منذ انطلاق الدورة الأولى، شهد هذا العام تفعيلًا مختلفًا عن الدورات السابقة، إذ استحدثت النقابة آلية جديدة أفضت إلى إطلاق جائزة "The Best". تتيح هذه الآلية للجمهور التصويت الفوري على العروض أثناء مشاهدتها من خلال باركود، لاختيار الفائز يوميًا لكل عرض على حدة: أفضل ممثل أو ممثلة، مباشرة عقب انتهاء العرض.وكما جرت العادة، اختارت إدارة المهرجان إقامة حفلي الافتتاح والختام على خشبة أحد فنادق القاهرة بدلًا من المسارح التابعة لوزارة الثقافة، في مفارقة لا تزال تثير علامات الاستفهام. فيما قدّم تامر حسني أغنية الافتتاح بعنوان "كان يا مكان"، التي استعادت عبر تقنية الذكاء الاصطناعي عددًا من رموز الفن الراحلين من مختلف الأجيال، في تجربة أثارت الجدل بعدما أبدت بعض أسر الفنانين استياءها من غياب صور ذويهم عن القائمة.إلى جانب العروض، شمل برنامج المهرجان في دورته الجديدة مجموعة متنوعة من الفعاليات، يأتي في مقدّمتها عدد كبير من الورش الفنية المتخصصة، يُعدّ الأكبر في تاريخ المهرجان. تضمّنت هذه الورش مجالات متنوعة، سواء في المسرح أو في فنون الصورة الأخرى، من بينها التأليف، الأزياء والمناظر المسرحية، الرقص المعاصر، التمثيل للتلفزيون والسينما، الدوبلاج، وفن تصميم الدعاية للدراما المسرحية. وعلى الرغم من أن هذه الورش تستهدف شباب الفنانين، فإنها اقتصرت على أعضاء النقابة وطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية ومعاهد أكاديمية الفنون، إلى جانب دارسي أقسام المسرح في الكليات المختلفة.تقدّم للدورة الثامنة أكثر من سبعين عرضًا مسرحيًا، وقع الاختيار على 32 منها للتنافس على جوائز المهرجان، إلى جانب مسرحيتي "لو عرف الشباب" و"عليكم واحد" اللتين عُرضتا خارج إطار المنافسة. شارك في هذه العروض ما يزيد على ألف مسرحي من مختلف الأقسام، معظمهم من شباب المسرحيين. فيما أكّد النقيب د. أشرف زكي، رئيس المهرجان، أن جميع الفائزين سيحظون بكافة أوجه الدعم والرعاية تحت مظلة النقابة، التي حرصت هذا العام على تكريم ثلاثة أسماء من نجومٍ لمعوا بعيدًا عن أضواء الصفوف الأولى.

 

جواز مرور

 

بهذه العبارة وصف الفنان صبري عبد المنعم خشبة المسرح التي تشهد ظهوره ربما للمرة الأولى على كرسي متحرّك بسبب حالته الصحية. في كلمته القصيرة أثناء التكريم، بدا عفويًا كعادته حين أشار إلى أن المسرح كان دائمًا جواز العبور إلى عالم الفن، العالم الذي – كما أضاف – يبدأ وينتهي على الخشبة، متوجهًا بالشكر إلى "كل من أضاءوا لنا حياتنا في المتبقي لنا من الحياة". على مدار مشواره، شارك عبد المنعم في أكثر من خمسمائة عمل فني توزعت بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، غير أن اسمه ازداد لمعانًا في الأخيرة عبر عدد كبير من الأعمال، من بينها: "رأفت الهجان. ليالي الحلمية. رحلة أبو العلا البشري"، وغيرها.كما شارك في عدد من الأفلام السينمائية بأدوارٍ تنوّعت في مساحتها وأثرها، نذكر منها: "الحريف، شفيقة ومتولي، البيضة والحجر، والبداية". آخرها كان ظهوره ضيفَ شرفٍ في فيلم "في عز الضهر" للمخرج مرقس عادل، إنتاج هذا العام. وفي لحظة التكريم ذاتها، قالها عبد المنعم بنبرة تجمع المزاح بالشجن؛ فقد بدا ممتنًّا لأن التكريم جاء في الوقت المناسب قبل أن يُسدل الزمن ستاره. المفارقة أن عبارته انسحبت أيضًا على المكرَّميْن الآخريْن في الحفل، عبد الله مشرف وضياء المرغني، اللذين ظهرا متكئَين على عكازين، فالثلاثة قد بلغوا عقدهم الثامن، ومنهم من تجاوزه. على خطى من سبقوهم من ممثلي الطبقات الهامشية، ولا شكّ في أن الثلاثة قد شكّلوا نماذج حقيقية لشرائح لا تظهر كثيرًا في صدارة المشهد.ورغم ارتباط اسم عبد الله مشرف بالأعمال الكوميدية، فإن رصيده لم يخلُ من أدوار درامية متنوعة، منها شخصية "فرج الأكتع" في فيلم "كتيبة الإعدام"، أو دوره الصعيدي في "الهروب". كما اشتهر بتعاون ممتد مع الفنان محمد صبحي في عدد كبير من الأعمال، يأتي في مقدّمتها مسلسل "يوميات ونيس"، هذا بخلاف المسرحيات، نذكر منها: "تخاريف. وجهة نظر. كارمن. لعبة الست".أما ضياء المرغني، فقد اشتهر بتنوّع أدواره بين الكوميديا والدراما وتجسيد شخصيات الشر، مشاركًا في عدد كبير من الأعمال الدرامية، سواء على الشاشة أو المسرح. ولا ننسى مجموعة أفلامه مع الزعيم عادل إمام مثل: "مرجان أحمد مرجان، النوم في العسل، السفارة في العمارة، حسن ومرقص، الواد محروس بتاع الوزير، وبوبوس".

 

لعبة التشخيص والحكي

 

تضمّنت دورة هذا العام عددًا غير مسبوق من لجان التحكيم، بلغ خمسين عضوًا من مختلف التخصصات الفنية، بداية من التمثيل مثل داليا البحيري، أو الممثل الكويتي عادل اليحيى، مرورًا بالكتابة والتأليف وتصميم الاستعراضات والإنتاج، إلى جانب عدد من المخرجين، من بينهم: محمد النقلي. عمرو عرفة. عادل أديب. أمير رمسيس. وُزّعت هذه اللجان على خمس مجموعات، اختصّت كل لجنة بمشاهدة ستة عروض من البرنامج، الذي تنوّعت موضوعاته ومعالجاته الدرامية بين الاجتماعي والتاريخي والتجريبي أيضًا. وكان لعرض "الجريمة والعقاب" النصيب الأوفر من جوائز الدورة بحصيلة سبع جوائز، من بينها: أفضل عرض مركز أول، أفضل إخراج، موسيقى، وسينوغرافيا، إلى جانب جوائز التمثيل لأفضل ممثل وممثلة دور ثانٍ.كما عكست نتائج الدورة ميلًا واضحًا لدى الجيل الجديد من المسرحيين إلى استلهام النصوص الكلاسيكية وإعادة قراءتها برؤى معاصرة تجمع بين الحرفية الأكاديمية والخيال البصري.وعلى الرغم من أن المهرجان مخصّص في الأساس للمسرح، فإن ما يتيحه للمشاركين يتخطّى حدود الخشبة، سواء لمن فازوا أو لمن لم يحالفهم الحظ؛ إذ يلعب دورًا هامًا في تسهيل طريق الوصول إلى الشاشات، الصغيرة والكبيرة، لعدد كبير من المشاركين، خصوصًا من الممثلين، وكثيرًا ما يكون من بينهم من يشارك لأول مرة في المهرجان، مثل مسرحية "الصراع" للمخرجة الشابة مروج جمال عن نصٍّ للكاتب يورغوس سكورتيس، الذي يُعدّ واحدًا من أهم مؤلفي المسرح اليوناني الحديث. يتناول العرض إشكالية الصراع الأزلي بين الأجيال من خلال أسرة صغيرة مكوّنة من أبٍ وأمٍّ وابن.ونلاحظ أنه مع تفعيل آلية التصويت الجديدة، بدا لافتًا أن معظم العروض المشاركة لم تخرج خالية الوفاض من الجوائز أو إشارات التقدير، في محاولة واضحة لتوسيع قاعدة التكريم وتوزيع الضوء على أكبر عدد من التجارب. تجلّى ذلك في جوائز أفضل عرض مسرحي التي توزّعت على ستة عروض، منها: "عين العقل، يا ناسيني، القاهرة 30، 24 قيراط"، بينما ذهبت جوائز أفضل عرض جماعي إلى: "ميرامار. الحفرة. وقلت لك خلي بالك". كما حصدت مسرحية "أنا أتكلم إذن أنا موجود" جائزة أفضل سينوغرافيا. في حين فاز بجائزة أفضل مؤلف كلٌّ من جابر فراج، مصطفى طلعت، أحمد ثروت سليم، محمود عبد الواحد، وأنس النيلي.وضمن فئة الدراماتورج، تقاسم الجائزة محمد فريد وسعيد سلمان.أما عرض "ع الرايق"، تأليفًا وإخراجًا وأداءً للفنان شريف الدسوقي، فيُعدّ واحدًا من أكثر العروض خصوصية في هذه الدورة، إذ جمع بين المونودراما ومسرح الحكواتي في توليفة مزجت الصدق الشعبي بالعفوية المسرحية. لم يسعَ الدسوقي إلى تَقمّص شخصية درامية، بقدر ما قدّم ذاته راويًا وشاهدًا على زمنه، مستعيدًا ملامح المصري البسيط في مراياه اليومية، ذلك الذي يصفه بأنه "شعب مالوش كتالوج" — كما يحب المصريون أن يقولوا عن أنفسهم — شعب خرج من بيته يومًا ليشهد حظر التجوال كأنه عرض حي، شعب يقيم الموالد والاحتفالات للقديسين وأولياء الله الصالحين ولمريم العذراء جنبًا إلى جنب.وقف الدسوقي على الخشبة متورّطًا ومورّطًا الجمهور معه منذ اللحظة الأولى، حيث بدأ العرض بقَسَمٍ جماعي ردّده الحضور خلفه، إيذانًا بالدخول إلى اللعبة المسرحية. ولهذا كان حريصًا على وصف عرضه بأنه "تشخيص وحكي"، لينال عنه جائزة الإبداع، وهي الجائزة التي ذهبت أيضًا إلى فاطمة الكاشف عن مشاركتها في مسرحية "لا تُطفئ الشمس"، أفضل عرض، إخراج إبراهيم أشرف، وإلى هند عاكف عن دورها في "عجب العُجاب" للمخرج مصطفى عبد السلام، في عودة مؤثرة إلى الخشبة بعد غيابٍ عن التمثيل امتدّ لسنوات.هكذا بدت الدورة الثامنة للمهرجان أقرب إلى مرآة واسعة تعكس ملامح من المسرح المصري المعاصر، حيث تتسع الخشبة للجميع، ويبقى المسرح فضاءً لا ينضب من الحكايات.

المشـاهدات 15   تاريخ الإضافـة 03/11/2025   رقم المحتوى 67945
أضف تقييـم