| النـص :
يأتي مشروع الدكتور فلاح حسن الخطّاط في كتابه الجديد شكلا ومضمونا «البعد الرابع في الفن الكرافيكي» بوصفه محاولة واعية لكسر الجمود البصري الذي ساد التصميم العربي لعقود. فالرجل لا يكتب عن الشكل بمعناه الهندسي، بل عن الوعي الذي يتحرك خلفه، عن الزمن الذي يسكن في داخل الصورة، وعن الطاقة الفكرية التي تجعل التصميم تجربةً حيّة تتجاوز حدود الورق إلى فضاء الإدراك.يرى الخطّاط أن الصورة لا تُقرأ لحظة رؤيتها فحسب، بل تُدرك على مراحل، في مسار زمني يشارك فيه المتلقي بخياله ووعيه ومخزونه الجمالي. هنا يتجسد «البعد الرابع» كفعل إدراك، لا كمعادلة رياضية. فالتصميم الناجح هو الذي يوقظ الفكر والحس معاً، ليجعل العين تتحرك داخل الصورة كما تتحرك الروح في الزمن.بهذا المعنى، يتحوّل المصمم من منفّذ للأشكال إلى مفكرٍ بصري، يتعامل مع الخطّ واللون والكتلة باعتبارها إشارات زمنية موجهة للوعي. كل اختيار بصريّ يصبح قراراً فلسفياً، وكل توازنٍ شكليّ يتحوّل إلى جسرٍ بين الفكرة والإحساس. ومن خلال هذا الوعي الجديد، يصبح التصميم أقرب إلى الشعر والموسيقى، لأنهما جميعاً فنون تُبنى على الإيقاع والحركة.يحذّر الخطّاط من أن بقاء التصميم العربي في دائرة التقليد والزخرفة هو ما يُبقيه خارج الزمن. يدعو إلى وعيٍ تصميميٍّ جديد يقوم على الفكر قبل الزينة، وعلى المفهوم قبل الشكل، وعلى الزمن بوصفه بعداً جمالياً خفياً. فالفن الكرافيكي الحقيقي لا يُجمّد اللحظة، بل يُعيد إحياءها.في فلسفة الخطّاط، يصبح الجمال فعلاً معرفياً، والتصميم لغة تفكّر بقدر ما تُدهش. فـ«البعد الرابع» ليس مجرد اتجاه بصريّ، بل هو انتقال من سكون الشكل إلى حركة الوعي، ومن الحرفة إلى الفكر، ومن العين إلى العقل. وهكذا يولد الفن الكرافيكي من جديد، محمولاً على جناحي الزمن والإبداع.
|