السبت 2025/12/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 5.95 مئويـة
نيوز بار
الإرث العربي ـ الإسلامي في إسبانيا من نظرة الإقصاء والتدمير إلى رؤية الوعي الحضاري
الإرث العربي ـ الإسلامي في إسبانيا من نظرة الإقصاء والتدمير إلى رؤية الوعي الحضاري
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الانصاري - إسبانيا
النـص :

 

 

 

 

بات الوجود العربي–الإسلامي في إسبانيا  يشكل واقعا حضاريا وتاريخيًا عميقا أثرى المعمار، والفكر، والعلوم، والفنون على مدى قرون طويلة. غير أن بعض القراءات التاريخية الإسبانية اتجهت في الماضي إلى تفسير هذا الوجود في سياق كولونيالي استعماري، مبررة ردود الفعل القاسية التي صاحبت نهاية الحكم الإسلامي؛ من تدمير المعالم العمرانية، وحرق الكتب والمخطوطات، ومحو كل ما يمت  بصلة إلى الثقافة الإسلامية، إلى حد مراقبة وملاحقة المتمسكين بتطبيق الشعائر الدينية، بعد سقوط غرناطة عام 1492م و سقوط دولة بني الأحمر وتسليم مفاتيحها للملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا.

غير أن الزمن والرؤى المتفتحة أظهرت حقيقة الحضارة التي تركها المسلمون في الأندلس، فتغيرت النظرة إلى التاريخ، وتبلورت مراجعات نقدية عصرية دفعت إلى إعادة الاعتبار للإرث الإسلامي باعتباره جزءا لا يتجزأ من الهوية الإسبانية الحديثة، وأنه ليس مجرد بقايا ماض غابر، بل قوة فكرية ثقافية وسياحية واقتصادية فاعلة. ومن خلال  حواراتي مع اصدقاء إسبان  بينوا لي بأن الحضارة الإسلامية في الأندلس كانت مصدر إشعاع للعلم والفكر، وأنها أثرت في لغتهم، وعلمهم، وفلسفتهم مثل الجبر، الكيمياء، الأرقام العربية ، وهم نادمين على ما تم إحراقه من آلاف الكتب التي خطتها اقلام العلماء العرب، أما اليوم  فقد تغيرت النظرة السابقة  للتاريخ  فلم تعد

المعالم والمتاحف  الإسلامية في إسبانيا مجرد آثار تاريخية جامدة، بل أصبحت مقوما حضاريا واقتصاديا يدر ثروات هائلة على الاقتصاد الإسباني ويجذب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم. وترتبط بذلك نهضة سياحية لا يمكن فصلها عن الاعتراف بأهمية الأصالة التاريخية والثقافية لهذه المواقع التأريخيةكقصر الحمراء في غرناطة الذي يعد من أروع الأمثلة على الفن الإسلامي الأندلسي، بزخارفه المعقدة وهندسته، وقد ظل مصدر إلهام للفنون المعمارية في أوروبا والعالم وكذلك جامع–كاتدرائية قرطبة الذي يجمع بين العمارة الإسلامية والمسيحية، ويعتبر أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، وصار يجذب ملايين السواح كل عام، ما يدل على الطلب العالمي القوي على هذا النوع من التراث وهناك قصر (الجعفرية) في سرقسطة الذي مازال شاهد على عمارة الطوائف الإسلامية في الأندلس، وما يزال مقصدًا ثقافيا مهمّا.  ولا ننسى برج الخيرالدا وقصر المورق في إشبيلية فهما من الشواهد على تأثير العمارة الإسلامية في أواخر الحكم الأندلسي وتمثل اليوم مواقع جذب ثقافي وسياحي عالمي إلى جانب حمامات العرب في رندة، وقنطرة قرطبة وغيرها من المواقع التي تحمل علامات فن العمارة الهندسية الإسلامية في قلب إسبانيا. 

لقد تحولت هذه المعالم ضمن منظومة السياحة الثقافية انطلاقا من رؤية ثاقبة بأن الاعتراف بالماضي لم يعد موضع نقاش، بل أضحى قيمة مضافة في الاقتصاد الإسباني، يساهم في تعزيز مكانته كإحدى أبرز الوجهات السياحية في العالم، مستفيدا من الإرث التاريخي المتنوع الذي يربط بين حضارات متعددة إن ما حدث في إسبانيا بعد قرون من محاولة المحو الحضاري، يعكس تحولا في الوعي التاريخي من الرفض إلى التقدير، ومن الإقصاء إلى الاستثمار. وهذا التحول يمثل نموذجا قويا للقوة الناعمة في فترة ما بعد الكولونيالية، حيث تصبح الذاكرة التاريخية عامل جذب ثقافي واقتصادي، وليس مصدرًا للخلاف أو النزاع. والعراق بما يملكه من ارث تاريخي وحضاري  في بابل والحضر والوركاء وغيرها يعد الأقدم في الحضارات العالمية ولكن ما زالت هذه المواقع في كثير من الأحيان تفتقر إلى استثمار إستراتيجي حقيقي ، ويتطلب ذلك تخطيطا طويل المدى، يعالج الجذور ولا يكتفي بالاحتفاء الظاهر والنشاطات العابرةوالفعاليات السطحية، بل نحتاج إلى رؤية ومعالجة جدربة تجعل هذه المواقع في سياقها الحضاري العالمي، فتحولها من مجرد أثر إلى قوة  جذب ناعمة حضارية واقتصادية تُسهم في البناء المعرفي والرفاه الاجتماعي.

المشـاهدات 35   تاريخ الإضافـة 20/12/2025   رقم المحتوى 69094
أضف تقييـم