الأحد 2025/11/9 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
علي الشويلي دفقة شعرية على سطح لوحة
علي الشويلي دفقة شعرية على سطح لوحة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

ناصر أبوعون

على الشويلي شاعر يرسم القصائد بالكلمات المُذَخّرة بسهامِ الشوق، ويكتب الجمال بالفُرشاة على سطوح بيضاء مطرزة بالحنين؛ فيغار قوس قُزح من نرجسها، ويعيد ترتيب الحكايا في كتاب العراق منذ ربّة الجمال (كوبابا) الأولى، والحمامة (شميراميس) الطموحة؛ ترتيب وِفْقَ أولويات نبض القلوب الشوّافة للمجد، والتوَّاقة للفخار، يغمس من خلالها فرشاته في دم الشهداء الذي مازال حارًّا يسيل على أسِنَّة الحِرَاب التي ذبحت العراق منذ حسين واحدٍ وأربعين وجعًا وثلاثة عشر قرنًا من الخيانة المتجددة.

ويمكن تصنيف كتابات على الشويلي تحت مصطلح (الدفقة الشعرية) أو شعرية اللحظة الآنيّة التي تخرج على حين شهقة مثل الولادة الأولى مطبوعة بلا تكلّفٍ؛ بل هي نفثة مصدورٍ تخرج من مِرجل الصمت الفلسفيّ إلى متن الوجع اليومي، بلا تشذيبٍ مُتعمّد، ولافَلْتَرةٍ كاذبة، يكتبها مشحونة بفيض من طاقة شعورية متفجّرة، ولكنها استطاع كبح جماحها في بيتٍ شعريّ واحد أو سطر شعري يتيم يتشظى في وجه القراء عند محاولاتهم الاقتراب منه بمناظير التأويل.. لذا عزيزي القاريء دعني ألقي أمام عتبة فكرك بعضا من هذه القنابل الموقوتة التي زرعها على الشويلي في زوايا صفحته الزرقاء عند السيد مارك.. هيا اقرأ معي:[أنا فوق رمشكِ شاعرٌ/أنا تحت خصركِ أشعرُ] [عيونكِ والعراق تقاسماني/ سَليني سوف يخبركِ الحطامُ] [عيناكِ أترفُ قبلةٍ/ لمست بنظرتها فمي] [ لستِ كالورد/ أنتِ أكثرُ وردًا/ إن للورد في وجودكِ فرصةْ] [أمشي ببطئٍ خلف مشيكِ/ كلُ شيءٍ في عجالةْ/ وتكبري كغزالةٍ/ فالنار تشعلها غزالةْ] [أحبكِ والوجوه بلا دماءٍ/ وصدري أورقت فيه السهامُ][ زرعتُ قلبي على ساعات رؤيتها/ فأورق الوقتُ أهراماً بأرصفتي]

عندما يستبد الشوق بـ(علي الشويلي) يخلع عن وجهه كل أقنعة الصرامة والجِديّة، ويشمّر عن ساعد فرشاته، ويفتح وِكَاء كِنانة سهامه، ويشدّ وتر قوس القلب ليرمي سوءات هذا العالم في لوحة فنية تشع بالجمال على إثر نظرة من فرشاة مغموسة في بالتة ألوان العالم تناديه، أو دفقة شعرية تفاجئه على حينٍ من الوجد، فتتشظى سِحرا أو تنكأ جُرحًا أو تسقط دمعة تحفر أخاديد من الكآبة على وجه العراق المغدور بسهام (الأعدقاء). ولكن دجلة الأمل وفرات المحبة لايزال يتدفق موجُهما في أوردة علي الشويلي، منذ أغنية تبعثرت آهاتها من فوق (مشحوف عراقيٍّ) يطبع بمجدافه قبلةً على خدّ الليل تناهت إلى أذنه، وربّما هذا هو السر وراء ابتسامة الأمل المرتسمة دائما على وجه الشويلي؛ إنها درعه الواقية يتلقى بها ضربات اليأس، وقوسه التي يسدد بها سهام الانتصار إلى صدر الغدر ليتخلَّق فجر جديد بدأت تباشيره، ولكن الشاعر الذي يسكنه مازال يتمرّد في وجه العاديّ والمألوف، ويصرخ شعرا في متتالية من الدفقات:[تباً لكل إجابةٍ/ تغتالُ عصفورَ السؤالِ] [حولي يسيلُ الشمعُ/ رأسي خيطهُ/ والنارُ من كلي إليّ تجردت] [ سأعبرُ مثل نهرٍ يوسفيٍّ/ تراودني ملايينُ الجرارِ/ وأصبرُ رغم وخز الشوكِ عمراً كما صبر الجنوبُ على الحصارِ].

وفي الأخير نخلص إلى زبدة الكلام بالقول: إنّ الكتابة الشعرية في نصوص على الشويلي مختبَر كيميائي، وتجريب على هامش الروح ومحاولات دؤوبة لاختراع قصيدة خارج السياق العام، لا تشبه السائد والمعتاد في المشهد الإبداعي العراقي؛ إنها خلطة سحرية وتشكيل فني بالصورة الشعرية ورسم بالكلمات، وعصارة شعرية يسكبها الشويلي في كؤوسنا، ويقطّرها دفقة إثر دفقة لتستلذ شفاهنا بشهد القصائد المكثفة.. أخيرًا عزيزي القاريء حاولْ هنا أن تقرأ معي وتتوقف، ثم كرّر المحاولة لتكتشف المُخبأ من مزون الشعر في أُفق علي الشويلي الواسع: [كانت حياتي مثل قفلٍ عابثٍ/ وأنا اخترعتُ خُرافةَ المفتاحِ] [أنا لستُ أستلفُ الكتابةَ/ قهوةُ الكُتّاب لا تُغري شحوبَ العالِمِ/ أنا لستُ أكتبُ عن غمامةِ ساحرٍ/ قد أمطرت خبزاً بجيبٍ صائمِ/ إني أراكِ وأنتِ أدرى إنني أعمى/ وأنظرُ كالبريء الظالمِ] [ما زلتُ وحدي/ خلف كل الباردين/ أعيدُ تربيتي لبنت النارِ] [كآنية الفخار أدورُ ضوءً/ على الدولاب والدنيا ظلامُ] [ خبّأ الوردُ سرّهُ بغمامي/ كُنتُ طفلاً وما كسرتُ كلامي].

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 08/11/2025   رقم المحتوى 68102
أضف تقييـم