الثلاثاء 2025/11/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
نيوز بار
فاطمة الهواري... لا تُصالح ..في طلب الحياة
فاطمة الهواري... لا تُصالح ..في طلب الحياة
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

أنور محمد

 

اعتذارٌ أَمْ توبةٌ تلك التي طَلبَها الطيّارُ الإسرائيلي إيبي ناتان (أدّى دوره المُمثِّل الأردني أحمد العمري) من فاطمة الهواري (أدّت دورها المُمثِّلة التونسية أماني بلعج)، عن قَتلِه والدتها ووالدها وباقي أفراد عائلتِها عندما كان عمرها ثماني عشرة سنة عام 1948 حين قصف بلدتها الفلسطينية (ترشيحا) بالقنابل، وكانت تستعد لحفل عرسها، وفوق هذا القتل، تُصابُ فاطمة بعجزٍ دائم - شلل نصفي. وترفض الاعتذار الذي لن يُعيد لها أعضاء أسرتها ولا نصفها الذي شُلّ.فاطمة الهواري، كما وقائع المسرحية عنها؛ باللباس – الثوب الفلسطيني، ونحنُ أمام خشبة تُزيِّنها الكوفية الفلسطينية وهي مُعلَّقة على مشجب، وكرسي متحرِّك، وإضاءة خافتة كأنّها- أو إنّ المؤلِّف والمُخرِج غنّام غنّام الذي أدّى أيضًا دور رمزي "الطيف" عريسها، يُريد أن يقول: مَنْ أَخَذَ بالسيف أُخِذَ بالسيف. أوْ إنّ الموت لا يمنعُ الموت. لكن فاطمة الهواري التي كانت شخصية عادية من سكّان ترشيحا، أو شخصية غير هامّة عندما قصف الطيّار الإسرائيلي بلدتها وأُصيبت بعجزٍ دائم، يُحوِّلُها المؤلِّف غنّام غنّام إلى ذاتٍ هامّةٍ، والألم الجسدي والنفسي الذي تعانيه، بدلًا من أن يفترس روحها، صار دافعًا ومُحرِّضًا لطلب الحياة فلا تشبع منها حتى تنتقم من القاتل الطيّار الإسرائيلي الذي عاقب أهلها بالموت – وإنّهم لم يرتكبوا ذنبًا أو جريمة.فاطمة الهواري أو (لا.. تُصالح) ترفضُ التعاطفَ معها. هي تُريد أن تثأر، وإن بدت؛ أو غَلَب عليها الحزن- هي كانت تقهرُ حزنها وألَمها. فرقٌ كبيرٌ بين المأساة التي تعيشها وهي عاجزة جسديًا، وبين اللحظة التي وجدت فيها الطيّار الإسرائيلي إيبي ناتان (محبوسًا على كرسي متحرِّك كما هي الآن) ذلك في المشهد الأخير وبتدخلٍ من القدر(!!) كما تمنّت وطلبت من الله أن ينتقم لها منه- ها هو في نهايات حياته قد أُصيب بالشلل وصار مُقعَدًا على كرسي.المُخرج غنّام غنّام هنا في تسليمه المصير الذي آل إليه الطيّار الإسرائيلي لـ(القَدَر)، وإنْ كان هذا ما حَدَثَ بالواقع بعد خمسين سنة- لا أعرف إن كان قد ذَهَبَ غنّام إلى هذا الحل، وهو مصير تراجيدي، لكنّه في تأويلٍ آخر يُرجَع إلى مصادفات الصراع- وهو صراعٌ ضعيف بعد قوّة كان أطلقها وسرت خيوطها حين رفضت فاطمة اعتذاره إلّا إذا عاد الموتى إلى الحياة، هذه الرغبة عندها، أو طلبُها المستحيل تنفيذه وتحقيقه، يتقاطع مع طلب "الزير سالم" من جسّاس أن يُعيد كليبًا إلى الحياة؛ فيُصالح- فتجيء هذه في التراجيديا المسرحية كضربة قاضية لتُحقِّق ذروة فكرية؛ قصدًا فلسفيًا. فاطمة الهواري أو غنّام غنّام لم يكُن ليؤنسن الوحش الصهيوني الذي استسهل القتل- قتل الفلسطينيين في عام 1948 وحتى حرب غزّة 2023، وإلى الآن؛ حتى ولا ترويضه ولا تدجينه فيُحوِّله إلى حيوانٍ طائع. أبدًا، فالقاتل المُجرم الذي استدمى، من مصلحته أن نُسمّي أفعاله/ جرائمه على إنّها (قَدَر)، ونتجنّب محاربته أو الثورة عليه. فاطمة الهواري أو (لا.. تُصالح) في سجالاتها مع رمزي، ومواجهتها الطيّار، وكلٌّ منهما على كرسيه المتحرِّك، كانت تكشف حقيقة مأساتها، فتحوِّل (شللها) وليس عجزها الذي سبّبه الطيّار إلى لحظةٍ تاريخية، إلى لحظة قوّة فلا تنهار- تحتفظ بالثأر، وأنّ كرسيَّها الذي صار طائرتها قد حلّ محل الطائرة التي قصفت ترشيحا عام 1948، وقصفت، وتقصف (غزّة) منذ 2023، ومنه؛ وهي تجلس عليه، تقودُ معركتها مع المُحتل الصهيوني. فاطمة لم تستسلم وهي المرأة المُصابة بشللٍ يُقيِّدُ حركتها- حركة جسدها. غنّام غنّام أو فاطمة ينتصران للفكرة- الفكر الذي لا يموت بموت الجسد أو طرفٍ منه. ففاطمة ملتحمة بالفكرة وهي ملتزمة بالدفاع عنها: فلسطين للفلسطينيين. وهي فكرةٌ تسندها وتدعمها بالرأي والموقف والفعل، وهو ما يُمثِّل عندها طاقة وقوّة ثقافية، فلا تقبل بالدمج ولا بالتدجين ولا بالاعتذار ولا بالصفح؛ فكيف بـ(الصلح).المُخرج غنّام غنّام في هذه المسرحية التي تجيء بعد ثلاثيته المونودرامية: عائد إلى حيفا، سأموت في المنفى، بأمِّ عيني 1948، كمن يقول إنّ الفلسطيني هو الوصيُّ على فلسطين إذا تَخلّى عنها مَنْ تخلّى من الأقرباء أخوالًا وأعمامًا- هو ليس قاصرًا أو كسولًا أو جبانًا. قد يُخطئ؛ والإنسان غير معصومٍ عن الخطأ، حتى الطبيعة تُخطئ. وبذا فهو يرفض العطف والشفقة في محنته- ترفضها فاطمة الهواري، ولا تنهار عقليًا، ففلسطين ليست تذكارًا، ولا أثرًا- لا يُمكن تحويلها إلى نصبٍ تذكاري وهي تصرخ: قتلتني مرّتَيْن، مرّةً بجسدي ومرّةً بذاكرتي، ولا صَفحَ بعد الدَّم. فالمباراة/ الصراع قائمٌ ولا يرحم ولا يتوقّف مهما زاد عدد الجولات حتى يتلقّى الطيّار الإسرائيلي الضربة القاضية.

المشـاهدات 29   تاريخ الإضافـة 10/11/2025   رقم المحتوى 68155
أضف تقييـم