ستار جبار ونيسة... طائر الجنوب الذي احترق كي يضيء لنا الحنين![]() |
| ستار جبار ونيسة... طائر الجنوب الذي احترق كي يضيء لنا الحنين |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
حسين داخل الفضلي من رماد الفرات الى نار بغداد ....حكاية مطرب اسمه ستار جبار ونيسة ...صوت الناصرية الذي انشده الوجع واطفاه الحنين ليضيء الوجدان من نسيم الهور والبردي .... من رحم الأوجاع، ومن طين الأهوار المبلّل بالدمع والعشق، وُلد ستار جبار ونيسة؛ جرحٌ عذبٌ خرج من أحزان الفرات، ومن وجع القصب، ومن أنين عكيد البردي، ومن شدو البط وطير البرهان والخضيري واصوات بلابل عكد الهوى [ شارع الحبويي ]. شاع صوته بين قهقهات الصبايا الحالمة في فضاءات شوارع المدينه وكورنيشها العبق بنسماته العليلة ، صوته مائز يشبه أرض الجنوب: فيه من الشذى والعنفوان، ومن الملوحة والعذوبة، ومن اللهفة والسكينة. كان حقاً طائراً سومريًّا جنوبيًّا نهض من رماده كالعنقاء، لكنه ظلّ مشدودًا بخيوط الوله إلى مدينته الأم: الناصرية، تلك المدينة التي لا تُنجب إلا المبدعين، مدينة الحرف الأول، وبلاد سومر التي منها ابتدأت الحكاية. حكاية العنقاء التي تنهض من رمادها دون كلل او ملل لانها صانعة التاريخ والحضارة ... وُلد ستار جبار عام 1946، لأسرةٍ تفوح منها رائحة الفنّ والحنين؛ والده جبار ونيسة صاحب الحنجرة الذهبية ومؤسّس الطور الصبي في الغناء الريفي العراقي، ووالدته من احبائنا ،اخوتنا المندائيين ، والدته التي ورّثته النقاء والصفاء وحنين الماء إلى مجراه.هؤلاء الاحبة عشقوا مدينة الناصرية حد الوله حتى ياتوا ان لاينسخلوا منها ولايفارقوهها .عاش الطفل بين قلبين كبيرين: أمه، وجدته ونيسة، الشاعرة التي كانت تنظم الشعر بعفوية، في الفرح كما في الحزن. ومن تلك الجدة السومرية الباسمة في حضن الألم، نبتت أولى بذور الغناء في قلب ستار الصغير، فتفتّح صوته على إيقاعات الريح والقصب، وغارَت في أعماقه أول نغمة حزينة. تأثّر ستار جبار بوالده أولاً، ثم بكبار الطرب الريفي: داخل حسن، حضيري أبو عزيز، حسن ناصرية، قاسم الأسمر، وكاظم أبو الجكة. ومع الأيام، صار هو واحدًا منهم، صوته يملأ الأثير دفئًا، يفيض حزناً وحنيناً كأمٍّ تنتظر عودة ابنها من الغربة. لقد كان صوته دفء أحلام الناصرية في ليالي الحصار، وكان أنين الجنوب في مواجهة التجاهل والتعب. والاقصاء والتهميش والاهمال من قبل الانظمة الدكتاتورية الرجعية انذاك . عاش ستار جبار مرارة الغربة، لا في المنافي وحدها، بل داخل ذاته التي لم تجد مأوى إلا في الأغنية. خدم في الجيش الإلزامي، واختار بغداد ليقترب من الحلم ومن قلوب الملحنين والشعراء. وهناك، التقى بالملحن محمد جواد أموي الذي سمع صوته، فوهبه أغنية "افز بالليل" من كلمات الشاعر عريان السيد خلف. كانت الأغنية بوابة النور، فقد لامست وجدان الناس، إذ حملت أنين الأهوار، وشكوى الفلاح، وصوت الطين وهو يئنّ تحت خطوات الغياب. ثم غنّى ستار جبار: "ما جنّك هذاك إنت"، "الولد نام"، "ما سامحك"، "جفّ العتاب"... وغيرها كلّها أغانٍ حملت بصمة صوته الذي يجرح كما يُطبطب، ويبكي كما يُغني. كان يغني وكأنه يعتذر للعراق عن وجعه الطويل. قال عنه حضيري أبو عزيز بعد أن سمعه ذات مساء: > "هذا صوت الجنوب... صوت الحرمان، صوت الطين إذا اشتكى، وصوت الماء إذا تحسّر." ثم بكى حضيري، لأن هذا الصوت لم يكن يُشبه إلا وجع العراق نفسه. لك القدر، كعادته مع المبدعين، لم يُمهله الفرح طويلاً. فبعد أن استقر في بغداد في حيّ المكاصيص خلال التسعينيات، ووسط الحصار والجوع والظلام، ظلّ الحلم يضيء قلبه بفانوسٍ صغير. وفي ليلةٍ قاسية من ليالي الشتاء، أشعل فانوسه ليطرد العتمة، ولم ينتبه أن قربه قنينة بنزين... فاشتعلت النار، والتهمت الجسد الذي كان يسكنه الغناء. نُقل إلى المستشفى من قبل جيرانه لاسعافة ، قاوم النار أيّاماً، ثم رحل بصمت، دون تشييعٍ يليق بفنّه، دون ضجيجٍ يليق بوجعه. رحل ستار جبار ونيسة كما عاش: بصمتٍ نبيل، وجرحٍ يغنّي. لم يترك وراءه مالاً ولا شهرةً صاخبة، بل ترك صوتًا من نورٍ وطينٍ ودمعٍ سومريّ وترك مدينه حبلى بالكثير وترك اقلام مدينته ترثيه جيل بعد جيل ، الفنان ستار جبار ما زال يتردّد في ذاكرة من عرفه. وهل حان الوقت لنقابة للفنانين ان تكرمة ؟ إنه أسطورة الطرب العراقي المنسيّ، وواحد من أولئك الذين يُضيئون الدروب وهم يحترقون. ظلّ صوته يسبح في أهوار الجنوب، بين القصب والبط وطير البرهان، واحلام فتيات قريناته ، صوته كأنما الأرض ما زالت تردّد معه: يا ستار، ما جنّك هذاك إنت...؟ وكأن الوجع العراقي كلّه يجيبه: بلى... إنه هو، الطائر الذي غنّى حتى احترق من اجل شجن وعذوبة مشاعر الارض والوطن . |
| المشـاهدات 43 تاريخ الإضافـة 15/11/2025 رقم المحتوى 68267 |
أخبار مشـابهة![]() |
رئيس الوزراء القادم بين الرضى الأمريكي وشروط الاطار |
![]() |
ابو ظبي :لجنة التحكيم بجائزة البردة تنتهي من اختيار الفائزين في نسختها القادمة
|
![]() |
الأشياء التي تقتلها.. دراما تركيةَ لمخرج إيراني لا تصيب الهدف |
![]() |
لا يمكن أن تكون الناصرية إلا متنوعة
|
![]() |
اكد للفياض أهمية المضي بانعقاد الدورة النيابية السادسة وتشكيل الحكومة الجديدة
الفريجي والمندلاوي يؤكدان أهمية استدامة الحوارات بين القوى السياسية |
توقيـت بغداد









