الإثنين 2025/11/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 14.95 مئويـة
نيوز بار
الطريق إلى 28 مقعداً... ماذا فعلت صادقون ولم يفعله غيرها؟ ‏رحلة صعود من حضور خجول إلى كتلة مؤثرة، ترسم ملامح مزاج شعبي يفضل الثبات والعمل داخل الدولة على الشعارات والانفعال
الطريق إلى 28 مقعداً... ماذا فعلت صادقون ولم يفعله غيرها؟ ‏رحلة صعود من حضور خجول إلى كتلة مؤثرة، ترسم ملامح مزاج شعبي يفضل الثبات والعمل داخل الدولة على الشعارات والانفعال
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. سلام قاسم
النـص :

 

 

 

‏في السياسة، كثير من القصص تبدأ برقم صغير لا يلتفت إليه أحد، هكذا كانت حكاية حركة صادقون في بداياتها؛ حضور خجول، وأصوات محدودة، حتى إن بعض خصومها كانوا يسخرون من وزنها الانتخابي ويعاملونها كضيف عابر على المشهد السياسي.‏لكن ما حدث خلال السنوات الأخيرة حوّل هذه الصورة بالتدريج، ففي انتخابات2015  كاد حضور الحركة أن يكون رمزياً، ثم جاءت انتخابات2018  لتُظهر أن هناك نواة صلبة من المؤيدين بدأت تتكون. ومع انتخابات2021  تحوّل هذا الحضور إلى تمثيل واضح في البرلمان، قبل أن تقفز الحركة في انتخابات 2025  إلى ما يقارب28  مقعداً وأكثر من سبعمئة ألف صوت، لتصبح رقماً صعباً في معادلة الحكم والتمثيل الوطني.‏هذا الصعود المتدرّج يطرح سؤالاً مهماً، ما الذي يجعل حركة سياسية تبدأ من الهامش، ثم تتحوّل إلى لاعب أساسي خلال بضع دورات انتخابية فقط؟‏القراءة الهادئة لواقع الشارع العراقي تقول إن الناس تبحث عن طرف سياسي "يبقى في الميدان" ولا يكتفي برفع الشعارات وقت الراحة والهدوء. المواطن الذي جرّب خيبات كثيرة صار ينظر إلى من ثبت في المواقف العصيبة أكثر مما ينظر إلى جمال الخطاب أو ارتفاع السقف الكلامي.‏في نظر كثير من المراقبين، تقدُّم صادقون في صناديق الاقتراع يرتبط بثلاثة عناصر متداخلة: الأول... حضورها الميداني في ملفات حساسة مثل الأمن والدفاع ومساندة القوى التي قاتلت الإرهاب. الثاني... ثبات نسبي في الخطاب وعدم الدخول في موجة المقاطعة أو الانسحاب المتكرر من العملية السياسية. الثالث... شعور جزء من الشارع بأن هذه الحركة تمثل امتداداً لخط يريد الدولة ويحاول في الوقت نفسه أن يحفظ دور القوى التي قدّمت تضحيات كبيرة خلال الحرب على الإرهاب.‏‏في مقابل ذلك، كانت هناك قوى أخرى راهنت على المقاطعة أو لوّحت بها، أملاً في إرباك العملية السياسية برمتها. هذه القوى اكتشفت لاحقاً أن جزءاً من جمهورها بقي في البيت فعلاً، لكن المقاعد التي تركتها في البرلمان لم تبقَ فارغة، بل ذهبت إلى منافسين عرفوا كيف ينظمون صفوفهم ويتوجهون إلى الناخب بثقة وخطاب واضح. وهنا ظهر الفارق بين من تعامل مع الانتخابات كمعركة أرقام جدية، ومن تعامل معها كوسيلة للاحتجاج فقط.‏الأرقام التي حققتها صادقون في انتخابات2025  لا تعني مجرد زيادة مقاعد، بل تعني أن شريحة غير قليلة من العراقيين اختارت أن تمنحها ثقتها في لحظة كان المزاج العام فيها يميل إلى معاقبة من لم يفهم هموم الشارع أو بقي أسير الخطاب الانفعالي. الناخب العادي لم يعُد يكتفي بالكلام عن الفساد أو عن معاناة الناس، بل يريد أن يرى من يذهب إلى البرلمان ويحاول أن يترجم هذه الشعارات إلى قوانين ومواقف داخل مجلس النواب، لا إلى منشورات عابرة على وسائل التواصل.‏‏من جهة أخرى، هذا الصعود يفرض على الحركة نفسها مسؤولية أكبر. فكلما زاد عدد المقاعد، ارتفع مستوى التوقعات. لم يعد مقبولاً من أي طرف يمتلك هذا الوزن أن يكتفي بدور "المعارض الغاضب" أو "المشارك الخجول"، بل ينتظر منه أن يقدّم برامج واضحة في الاقتصاد، والخدمات، وإدارة الدولة، ومحاربة الفساد، وألا يحصر صورته في جانب واحد مهما كان مهماً. الشارع الذي منح ثقته يمكن أن يسحبها بسهولة إذا شعر أن من اختارهم لم يرتقوا إلى مستوى الوعود.‏‏الكثيرون يتحدثون اليوم عن احتمال أن تلعب صادقون في المستقبل دوراً أكبر في تشكيل الحكومات، وربما تقديم مرشح لرئاسة الوزراء إذا استمر منحنى الصعود بهذا الشكل. في منطق الديمقراطية لا شيء مستحيل؛ من يراكم الحضور الانتخابي، ويثبت في الميدان، ويُحسن بناء التحالفات، يمكن أن يصل إلى مواقع متقدمة في السلطة التنفيذية. لكن الوصول إلى هذا المستوى يحتاج إلى عمل سياسي هادئ، وإدارة ذكية للعلاقة مع بقية القوى، وقدرة على الطمأنة داخل العراق وخارجه.‏‏ما تكشفه تجربة صادقون في السنوات الأخيرة، بعيداً عن التقييمات المؤيدة أو المعارضة، هو رسالة واضحة لكل القوى السياسية، الشارع لا يُدار بالمزاج اللحظي، ولا بتقليب المواقف في كل أزمة، ولا بتهديد الانسحاب في كل منعطف. من يريد أن يحظى بثقة الناس عليه أن يقدِّم نفسه كجزء من الحل، لا كجزء من المشكلة، وأن يثبت أنه قادر على تحمل كلفة البقاء في قلب العملية السياسية، لا على حافة المشهد.‏‏في النهاية، الأرقام الجديدة التي حققتها الحركة ليست نهاية الحكاية، بل بداية مرحلة جديدة من الاختبار. فإما أن يتحوّل هذا التمثيل البرلماني المتصاعد إلى إنجازات ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، وإما أن يتكرر معها ما جرى مع قوى سابقة صعدت بسرعة ثم تراجعت لأنها لم تُحسن إدارة ما تَوفر لها من فرصة. الزمن وحده سيحكم على التجربة، لكن المؤكد أن الشارع العراقي قال كلمته عبر الصندوق، وأرسل إشارات واضحة لكل من يريد أن يفهم، الثبات في الموقف، والاقتراب من هموم الناس، والعمل الجاد داخل المؤسسات، هي لغة المستقبل في السياسة، لا لغة الانفعال العابر.‏

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 16/11/2025   رقم المحتوى 68340
أضف تقييـم