الثلاثاء 2025/11/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 9.95 مئويـة
نيوز بار
ما بعد الانتخابات
ما بعد الانتخابات
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب سالم رحيم عبدالحسن
النـص :

 

 

 

وضعت الانتخابات أوزارها كما تضع الحروب أوزارها، وانقشع غبار التنافس، فانكشفت المواقف على حقيقتها. فالمعركة لم تكن بين أسماء تتصارع على مقعد، بل بين رؤى تتنافس على مستقبل وطن، وبين مشاريع تُراد لها الحياة أو الموت. وهنا يبدأ الامتحان الحقيقي، لأن ما بعد الانتخابات هو زمن الفرز بين من كان يرى في الفوز وسيلة لخدمة الناس، ومن جعله غايةً للمصلحة الشخصية.لقد فاز من فاز، وخسر من خسر، لكن الفوز لا يقاس بعدد المقاعد، بل بصدق النية وثبات الموقف. فكم من فائز خسر نفسه حين باع مبادئه بثمنٍ بخس، وكم من خاسرٍ ظاهريًّا ربح احترام الناس وخلود التاريخ لأنه تمسّك بالمشروع ولم يساوم على الحق.فالمنصب ليس غايةً بحد ذاته، بل تكليفٌ ثقيل، والأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض فـأبين أن يحملنها، قد حملها الإنسان، وكانت دومًا امتحانًا للأخلاق قبل السياسة. ومن يظن أن الكرسي هو نهاية الطريق، سرعان ما تدوسه عجلة التاريخ، أما من يجعله وسيلة لخدمة الناس فذلك الذي يُكتب اسمه في ضمير الأمة.المسؤولية لا تُختصر في التمثيل البرلماني، بل تتجسد في صدق الالتزام بالمشروع الوطني الذي حملته أصوات الناخبين، فالفائز الحقيقي هو من يظل وفيًا للناس الذين آمنوا به، لا من يتنكر لهم بعد الوصول. والوعي الشعبي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يراقب ويحاسب، لأن التداول السلمي للسلطة لا يكتمل إلا بوعي الشعب واستقامته، مثلما لا تكتمل الديمقراطية إلا حين نؤمن أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن المعارضة ليست خيانة، بل تصحيح للمسار.ما بعد الانتخابات ليس استراحة محارب، بل بداية جهادٍ من نوع آخر، جهاد في بناء الدولة وصون العهد، جهاد ضد الفساد والأنانية وضد غواية السلطة التي كثيرًا ما تُسقط أصحابها في فخ الغرور. وهنا تتجلى قيمة الموقف، لأنه وحده الذي يخلّد صاحبه، أما المصالح فهي كزبد البحر، تزول وتبقى المواقف.سادتي النواب الجدد، قبلكم كُثر نالوا هذا الشرف، فمضى بعضهم في مهب لعنة التاريخ لأنهم جعلوا مناصبهم سلالم لمصالحهم، وخلّد آخرون لأنهم جعلوا من كراسيهم منابر للمبدأ. فليكن همّكم أن تكونوا في صفّ من يذكَر بخير، لأن التاريخ لا يرحم المتقلبين، والأمة لا تحفظ إلا أسماء من صدقوا معها.

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 18/11/2025   رقم المحتوى 68369
أضف تقييـم