قصة قصيرة
الخاتم![]() |
| قصة قصيرة الخاتم |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
د. عبد الحسين علوان الدرويش
(هناك أسطورة تقول: أن بئر بورطة الذي لايزال موجوداً في القيروان ـ تونس ،متصل إلى بئر زمزم في مكة المكرمة) لم يكن يعلم سليمان القيرواني إنه قد أدرج اسمه ضمن لائحة الذين يذهبون لحج بيت الله الحرام. حدث ذلك في القرن الثامن عشر بأمر باي تونس الخامس ،بعد أن قدم سليمان أكثر من طلب بالموافقة للقبول على أن يكون ضمن قافلة الحج التونسية ( المحمل ) ،مصحوبة بالحماية العسكرية والانفاق من بيت المال ، وكانت تنطلق من تونس إلى قابس الغرب ، مروراً بطرابلس الغرب ،حيث تواصل الطريق عبر الصحراء الليبية وصوﻻ إلى الإسكندرية ،ثم تنظم إلى المحمل المصري الكبير المتجه إلى الحجاز عبر شبه جزيرة سيناء. في ذلك العصر ،كان الحج يمثل رمزاً سياسيا ودينيا ، إذ أن ارسال قافلة رسمية يعد تأكيداً على الارتباط بالمقدسات الإسلامية. حيث كان الباي يسعى إلى ذلك لتثبيت شرعيته في الداخل ،عبر إظهار التزامه بالدين والشرع ،والى تقوية مكانته لدى السلطنة العثمانية. وكان يعمل على ذلك لاختيار من عامة الناس ، والبقية من القادة والقضاة ، وهكذا تم اختيار سليمان من عامة الناس ،بعد عدة سنوات من الانتظار ، وقبل انطلاق القافلة ، يقام احتفال رسمي في تونس العاصمة ،حيث يودع الباي الحجيج ويعطيهم الراية كرمز لحمايتهم ، وتقرا الأدعية المأثورة والابتهاﻻت ،ويقام موكب رسمي توزع فيه الصدقات ٠ وكانت الوسيلة الأساسية لنقل الحجاج والمؤن هي الجمال ، لأنها تتحمل العطش ، وتسير لمسافات طويلة في الصحراء ،لذلك أطلقوا عليها اسم سفينة الصحراء ، وكذلك الخيول والبغال لنقل الشخصيات المهمة العلماء والوجهاء والحراسة العسكرية. وكانت رحلة الحج بالنسبة لسليمان هي رحلة العمر ، وغالباً لا يقوم بها أي شخص إلا مرة واحدة ، وكانت الرحلة شاقة وخطيرة تستغرق أشهراً ذهاباً وإياباً. كان سليمان يعمل بالفلاحة مهنة توارثها عن أجداده ،حيث كانت أسرته كبيرة تكثر فيها الأيدي العاملة ،وكل أفراد عائلته يساهمون في العمل الزراعي ،وكان يملك قطعة أرض يزرع فيها القمح والشهير ،اضافة إلى تربية المواشي والدواجن في أطراف القيروان. التي تعتبر أول عاصمة إسلامية بالمغرب العربي ، مدينة مغمورة بالقباب البيضاء ، ويوجد فيها المسجد الكبير ، وضريح الصحبي المزركش بالخزف الازرق والأبيض ،والاقنية الكبيرة المغلفة بخزف ملون . وتكثر هناك ورش النسيج اليدوي ،حيث تصمم الزريبة القيروانية الشهيرة ، حيث كانت ابنة الوالي العثماني ،هي اول من نسجت السجادة الصوفية ، وقدمتها هدية لأحد مساجد المدينة ،وكانت المدينة تنتج أنواع عديدة من السجاد منها الكليم والمرقوم وهما نوعان من السجاد يزين بزخارف بربرية ، ونوع آخر القطيف ..... سجاد سميك بالوان زاهية ، تتوسطه أشكال الزهور ومحاطة بنطاقات موازية يغلب عليها اللون الاحمر القرمزي. كان الفلاح سليمان مثقلا بالضرائب ، التي أثقلت كاهله ، وهم يعيشون في بيوت طينية بسيطة ،تتناسل هذه البيوت ،كلما أزداد عدد ساكنيها. كان سليمان يزرع ليأكل ويبيع الفائض منه ،ولباسه تقليدي مصنوع من الصوف ، والشاشية الحمراء لا تفارق رأسه ،و يعتقد أن صناعة الشاشية دخلت إلى تونس بطريق غير مباشر ، عن طريق الموريسكيين ( مسلمو الأندلس) بعد سقوط غرناطة عام ١٤٩٢ ،يبدا عمله مع طلوع الفجر ،وينتهي بغروب الشمس ، وكان يحفظ بعضاً من سور القران الكريم ، ويؤدي الصلاة في أوقاتها ، ولا تفارق يده مسبحته السوداء ذات المائة خرزة وواحدة ، وكان يتختم في كفه اليمنى بخاتم ثمين مرصع بالياقوت الأحمر ،نقش عليه اسم الإله الأعظم ، ورثه عن جده الثامن عشر. بعد أن أدى سليمان القيرواني مراسيم الحج ،وحين ينهي الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة ، فيذهب بعد ذلك إلى بئر زمزم ، الذي له تاريخ قديم يرجع إلى عهد النبي إبراهيم وابنه اسماعيل ، يبلغ عمقها ثلاثين متراً ،تصب فيها عدد من عيون الماء ، من كل فج عميق!!!!! ، وأن أصل عيون الماء هي من بكاء الأرض ، ويكون ماءها مبارك ، نبع من الأرض بعد ما مسها جبريل بجناحيه ، وذلك عندما كانت هاجر اتعبها السعي بين الصفا والمروة ،نظرت في الأفق البعيد علها تجد مغيثا يغيثها ، وفجأة ظهر الماء ،فحاطته ام اسماعيل برمل ترده خشية أن يفوتها ،وتحيط بالرمال وتكومها لتحفظ الماء ،وكانت تقول وهي تحثو الرمال..زم....زم زمزم اي تجمع بالسريانية ، وهكذا كان بئر زمزم. علما أن ماء زمزم لاينتمي إلى السوائل إلا بالاسم ،ماء زمزم يحمل اسم ماء لكنه يختلف جذرياً عن مركبات الماء ،فجميع مياه الدنيا تنتمي إلى المركب الحمضي ،عدا ماء زمزم فهو قلوي.....ولايوجد ماء قلوي غيره على وجه الأرض !!!!!!!! لذا عند شربه بكثرة يكون لدى جسم الإنسان مناعة قوية ضد الفيروسات ، لأن الفيروسات لا تعيش في البيئة القلوية ،ولهذا جعله الله تعالى مكانه في مكة المكرمة ،وذلك لقدوم الحجيج محملين بكل داء و وباء من ديارهم... وعند الشرب منه واملاء البطن وقت الحج ، لا يصيبه اي داء أو وباء محمول من قبل الحجيج !!!!. وعندما شرب منه الحاج سليمان حتى ارتوى ،ثم ملئ الأواني الخزفية التي جلبها لهذا الغرض ، ليعود بها إلى أهله طلبا للتبرك بذلك الماء الطهور. وبعد أن أكمل مراسيم بئر زمزم ، قفل راجعاً إلى القافلة ، حتى يتسنى لهم العودة إلى الوطن ، وأثناء ذلك نظر إلى يده اليمنى لم يجد الخاتم بإصبعه!!!! ، صاح بأعلى صوته.... أين خاتمي ؟؟؟؟ أين خاتمي ؟؟؟؟ ، فقالوا له أصحابه: أرجع مرة ثانية إلى بئر زمزم عسى أن تجد الخاتم!!!!! لكن بعد البحث والتحري لم يجد خاتمه ، وظل خائبا منكسرا... فقالوا له رفاقه: لقد آن الأوان للرحيل والانضمام إلى المحمل التونسي للعودة. وسار مع القافلة حزينا كئيبا ، على الرغم أنه حج الكعبة المشرفة ،وذاك شيئاً عظيما...لكن الفرحة لم تكتمل وذلك بفقدان خاتمه الثمين ، الذي كان يتختم به منذ صغره ،حتى بلغ من الكبر عتيا ، لكن ليس باليد حيلة ، وحبس ألم الفقدان في صدره . وعند وصول قافلة الحج إلى تونس ، قام الباي بعمل يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ،وعندها تدق دفوف الترحيب والتهاني ، وترتفع أعلام المتصوفة واناشيدهم للترحيب بزائري بيت الله العتيق. وبعد ذلك ذهب الحاج سليمان مسرعاً إلى مدينته القيروان ، وهناك نحروا له الذبائح وعملوا وليمة كبيرة ،واحتفلوا جميع الفلاحين بقدومه البهيج ، وفي صحن الدار ،كان هناك ثلة من الأصدقاء والمقربين ، ومن ضمنهم ابن عمه ميمون ، الذي لاحظ من خلال نظراته الثاقبة و حدسه ... أن ابن عمه الحاج ليس على ما يرام !!!! . وهنا نطق الحاج بما يضمرونه له جميعاً قائلاً: أن سبب عدم راحتي وقلقي الشديد ……لقد فقدت خاتمي الثمين!!!! وفي تلك اللحظة الحرجة ، نهضوا جميعاً وبقوا لحظات صامتين يرهبهم الموقف ، ﻻنهم يعلمون لهذا الخاتم منزلة عالية عند الحاج وأهله . وبعد فترة وجيزة انبرى ميمون بخلوة مع الحاج ابن عمه يقول له : الصباح رباح..... أن شاء الله غدا تحل العقد ، وكان داخل نفسه على يقين أن يعثر عليه!!!!!!. وفي الصباح الباكر ،ذهب ميمون إلى بئر بورطة ، الذي يقع في المدينة العتيقة ، ينفتح هذا الصرح على الشارع من خلال محورين يحتويان على حوض للشرب فوقهما تم وضع صنابير رخامية ، وعلى الواجهة لوحة تذكارية من الرخام الأبيض تحمل قصته بخط النسخ والتي تحتفل بتشييده بتاريخ ١٦٩٠ م . ويتكون الجزء الداخلي من غرفة ، يمكن الوصول إليها عن طريق درج ،ذات مخطط شبه مربع ،جدرانها منحوتة بأقواس على شكل حدوة حصان ترتكز على أرصفة ،تعلوه قبة على جذوع النخل ،بزوايا متصلة بنموذج شبيه بقباب القيروان ، وفي الغرفة يوجد ناعور مدفوع بجمل ، وضعت على سنامه اوشحة خضراء براقة ، يقوم الجمل بسحب الماء الزلال من أعماق البئر ،بواسطة الدلاء إلى الحوض الأرضي. وعندما وصل ميمون بئر بورطة ، بدأ بالصعود عن طريق الدرج ، حتى وصل إلى مكان الدلاء ،واخذ يشرب جرعة تلو الأخرى ليروي عطشه الشديد ، وحمد الله تعالى وشكره على نعمته التي لا تعد ولا تحصى ، وبعد ذلك دعا ربه دعاءا خفيا ، وتحركت شفتاه دون أن ينطق ببنت شفة ، وهو يراقب كل حركة من الدلاء ، التي تصعد من البئر.... وبقى ينتظر بفارغ الصبر حتى أذان الظهر ، وبعد هنيهة....نظر ميمون إلى قعر الدلاء...نظرة ثاقبة ،حتى صاح بأعلى صوته...وجدته .... وجدته.... وجدته ، ثم أردف بالقول: الحمد لله رب العالمين ،لقد عثرت على خاتم ابن عمي..... نفس الخاتم الذي فقده عند بئر زمزم. .................................. كتبت في تونس بتاريخ ٢٨ / ٩ / ٢٠٢٥ م |
| المشـاهدات 131 تاريخ الإضافـة 22/11/2025 رقم المحتوى 68472 |
أخبار مشـابهة![]() |
مهرجان كلاويز/28..يزرع المحبة والسلام والامل
الذكاء الاصطناعي كان حاضرا في اروقة المهرجان
الشعر والقصة. كان بلسما وروحا للشعراء وكتاب القصة |
![]() |
العتبة العباسية تعلن اسماء الفائزين بمسابقة القصة القصيرة عن السيدة الزهراء عليها السلام |
![]() |
عشرون عملاً في مسابقة الأفلام الدولية القصيرة
الدوحة السينمائي 2025 |
![]() |
قصة قصيرة
عندما تبوحُ العصافيرُ . |
![]() |
قصة قصيرة
وهم الحرية |
توقيـت بغداد









