| النـص :
لم يمرّ استهداف حقل كورمور الغازي في السليمانية مرورًا عابرًا، ولم يُقرأ بوصفه حادثًا عاديًا يمكن تجاوزه سريعًا. فالضربة التي طالت واحدًا من أهم مصادر الغاز في العراق جاءت في توقيت بالغ الحساسية، وأضافت طبقة جديدة من التعقيد إلى ملف الطاقة الذي يعاني أصلًا من هشاشة البنية التحتية وتعدد الأطراف الفاعلة فيه.الأنباء الأولية أكدت تعطلًا مؤقتًا في عمليات الإنتاج وتضرر بعض المنشآت، فيما تباينت الروايات حول طبيعة السلاح المستخدم بين من تحدث عن طائرة مسيّرة، ومن أشار إلى صواريخ غراد. ورغم أهمية هذا التفصيل تقنيًا، فإنّ تحديد نوع السلاح لا يعني بالضرورة معرفة الجهة المنفذة، لأن الحسم يحتاج إلى تحقيق رسمي متكامل يحدد مسار الضربة، ونقطة الانطلاق، وطبيعة المنظومة المستخدمة.في خضم هذه القراءة التقنية، برز البعد الدولي للحدث من خلال تصريح مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق، الذي أدان الهجوم ووصف المنفذين بأنهم “جماعات تعمل خارج القانون ومدفوعة بأجندات خارجية”. التصريح أضاف وزنًا سياسيًا إلى النقاش، لكنه لم يقدّم هوية واضحة للجهة المستهدِفة، ما أبقى الباب مفتوحًا أمام احتمالات متعددة.وتزامن ذلك مع تداول وجهات نظر إعلامية إقليمية تتحدث عن احتمال وجود دور تركي في العملية، استنادًا إلى تقارير غير رسمية وروايات صحفية أجنبية. في المقابل، ظهرت آراء داخل العراق تربط الحادث ببعض الفصائل المسلحة بناءً على نمط العمليات السابقة أو نوع الذخيرة المستخدمة. غير أن جميع هذه الآراء تبقى في إطار التحليل وليس في دائرة الحقائق، لأنها لا تستند إلى نتائج معلنة من الجهات المختصة.ورغم الاعتراضات المتكررة على قدرة الأطراف العراقية والدولية في مراقبة الأجواء، فإن البيئة الجغرافية المحيطة بكورمور، ولا سيما طبيعتها الجبلية، تسمح بتنفيذ عمليات إطلاق سواء عبر مسيّرات منخفضة التحليق أو عبر صواريخ غير قابلة للاعتراض مثل غراد. وهذا يعكس وجود ثغرات أمنية أكثر مما يعكس اختراقًا مباشرًا للسيطرة الجوية.يبقى السؤال المركزي: من المستفيد من ضرب منشأة حيوية تزود العراق بواحد من أهم مصادر الطاقة؟ هل هو طرف يسعى لاستخدام الطاقة كورقة ضغط سياسي؟ أم جهة تهدف إلى تعطيل الاستثمار الأجنبي في قطاع الغاز؟ أم جزء من صراع إقليمي يجد في العراق ساحةً مفتوحة لتبادل الرسائل؟ الإجابة النهائية لا تزال مرهونة بكشف الجهة القائمة على التحقيق.غير أن المؤكد أن المتضرر الأول والأخير هو المواطن، الذي تتأثر حياته مباشرةً بأي اضطراب في قطاع الكهرباء والغاز، وأن حماية منشآت الطاقة ينبغي أن تكون أولوية وطنية مشتركة بين بغداد وأربيل، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.إن استهداف كورمور ليس مجرد حادث أمني، بل إشارة إلى ضرورة مراجعة منظومة حماية الطاقة في العراق، والتعامل مع هذا الملف بوصفه أصلًا استراتيجيًا لا يحتمل التعطيل أو التهاون. وفي ظل صمت الحقائق وتعدد التأويلات، يبقى انتظار نتائج تحقيق مهني وشفاف هو الطريق الوحيد لإغلاق باب الشك وفتح باب المعالجة الحقيقية.
|