الأحد 2025/12/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 17.95 مئويـة
نيوز بار
آفين حمو أحبت ظل الوهم
آفين حمو أحبت ظل الوهم
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناصر أبو عون

(ظلٌّ يتيمٌ في حقيبة يدي) من هذه العتبة/ العنوان تُدْخلنا الشاعرة السورية (آفين حمو) إلى عالمها الخاص عبر لغة تتدثر بالانزياحات، وتتوسّل بجملٍ شعرية تُكَسِّر القوالب المتوارثة في قصيدة النثر/ (الأدونيسيّة)، وتحطّم الأنماط المألوفة، لغة لاترتكز على الوصف، وإنّما تُفكك الواقع وتعيد إنتاجه في شكل رموز حِسيّة، وأفكار تثويريّة على السائد والمألوف، وتحاور العالم بذَاتٍ أنثوية مستقلة، وتضفِّر السَّرد بالشعر، لتصنع أسلوبًا خاصًا بها؛ لا يشبه الآخرين [امرأة تتعلم أن تُنبت أشواكها من كل قبلة تطفئها/كي لا تتهـاوى على جسدي بسفنٍ من القُبَل/لن أكون انعكاسك الذي لايؤتمن على خلاف/وللبحر لن أكون غريقك].

وفي هذا الإصدار الشعري الجديد (ظل يتيم في حقيبة يدي) تظهر ثلاث ثيمات أسلوبية تنطلق منها آفين حمو لتؤسس شعريّة خاصة ترتكز على موسيقى هادئة وإيقاع داخليٍّ هامسٍ تُحرّكه كتابةٌ لا شعوريّة توظّف (التوازي التركيبيّ، والتكرار، والجُمَل القصيرة اللاهثة خلف بعضها، والتقطيع والحذف) ومن خلال هذه الثيمة الأولى تتولّد الثيمة الثانية حيث تتعَّمد الشاعرة بوعيٍّ لا شعوريّ إزالة الحدود الفاصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل- ربّما لأنها تعيش اللحظة الآنيّة-؛  فتتداخل الأزمنة ويسيل الزمن؛ فالماضي حاضر في (المنديل)، والمستقبل يولد مع (الفجر)، واللحظة الممتدة باقية في (الريح العمياء). وترتكز الثيمة الثالثة على ابتكار صورة شعرية قائمة على (التضاد) كمحرك دلالي:[الصوت-الصمت/ الحمل- الفقد/ الضوء – الظل/ الماء- الحجر].

فضلًا عن هذا فإن سائر نصوص ديوان آفين حمو تدور في فلك يمزج بين الرمزي والوجداني، عبر صور شعرية مكثفة، وأسلوب يوازن بين القسوة والشفافية، وإيقاع داخلي شديد التوتر، ولغة تتأرجح بين المنكسرة والحادة، بأسلوب (ذات شاعرة) تائهة لا تعرف أين تضع قدمها بل فقدت يقينها في الإنسان والعالم والكائنات، وتفتِّش عن جذورها في عالم آخر تائه أيضا مثلها ويتحوّل، ويغيّر أدواته على مدار الساعة، وتتبدّل مفاهيمه بسرعة غير مُدركة.

ومع ذلك نستطيع القبض على خمس سمات تدور في فلك هذا الديوان هي: (1)الجسد أداة تعبيرية وليس موضوعًا[القلب، الصدر، الظل، النهر] (2) الذات الشاعرة هي المركز، ومن خلالها نتعرّف على ماهية الحياة[الفقد، الزمن، الناس، الأشياء] (3) الصور الشعرية طبقات رسوبية متراكمة داخل جيولوجيا النصّ الذي هو بمثابة مشاهد متتالية. (4) نقض التصورات القَبْليّة، وتحطيم العلاقات والأنماط المألوفة بين الأشياء[الليمون يشبه الوجه/ الزمن طفل/ الحجر يسمع]. (5) الإيقاع ينطلق من (التقطيع/ الموسيقى الحسية التي تصدرها أصوات حروف الجهر والصفير والسكون/ التضاد) مع هيمنة ثيمات (الذاكرة والفقد والهُويّة)من خلال أسلوب يخدم معنى واحدًا، وتُحاول الشاعرة من خلاله الإمساك بما لايُمسك [ظل، نهر، وهم، زمن، صمت].

وأخيرًا أقول لكم: فعلى الرغم من بقاء علاقاتي في حدود النصّ الذي أقرأه صُدفةً لأي شاعر أو شاعرة ولم يحدث أني التقيت أحدًا ممن كتبت عنهم وجهًا لوجه؛ باستثناء من يأتون للزيارة وهم جمعُ قلّة؛ فأنا أعرف آفين حمو من رائحة القصائد التي تزكم الأنوف بالوجع، ومن نبض قلبها الذي يفتح ذراعيه للنصوص الجديدة، ومن عشقها لأدونيس كحاضن للمواهب وليس اقتفاءً لأثره، ومن وقوفها على فاصلة تشهقُ مخافة الوقوع من حافة العنوان وتسقط في لُجّة المعاني وتفقد البوصلة باتجاه شواطيء القصيدة.

المشـاهدات 10   تاريخ الإضافـة 07/12/2025   رقم المحتوى 68676
أضف تقييـم