الأحد 2025/12/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
نيوز بار
أبيض أسود الإرهاب والمقاومة.. مقاربة عراقية
أبيض أسود الإرهاب والمقاومة.. مقاربة عراقية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب مازن صاحب
النـص :

 

 

ما بين الفقه القانوني ومصفوفة إدارة السلطة تقبع روافع القرار السيادي. أن تكون مقاوماً للاحتلال الأمريكي تلك فرضية قانونية معروفة. أن تكون ضمن مفاسد المحاصصة التي جاء بها الاحتلال الأمريكي في مجلس الحكم الذي ضم الآباء المؤسسين للعملية السياسية حتى اليوم، بعنوان مقاومة هذا المحتل، تقع في مطب تعريف المحتل للمقاومة بتوصيف الإرهاب.

لست بصدد سرد أمثلة تاريخية تبدأ من أولئك الخوارج الذين قاتلوا أبا تراب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، أو التطبيقات الأحدث في نموذجي تعريف وجهي "عملة السلطة" ما بين الإرهاب والمقاومة. يكفي مشاهد الحادي عشر من أيلول، رغم ما فيها من إشكاليات، فمن فعلها بعنوان الجهاد والمقاومة، إنما هو أصلاً معرَّف في الحرب الأفغانية ضد السوفييت كإرهابي يعمل مع الأمريكيين.

السؤال الأكثر وقاحة، من دون إجابات واضحة عراقياً: من اجتمع في مؤتمرات المعارضة للترحيب بقانون "تحرير العراق" بعنوان المقاومة المقدسة ضد الدكتاتورية الغاشمة، كيف يمكن أن يتحول أمريكياً إلى توصيف الإرهاب؟

من عقد صفقة "تحرير العراق" مع اليمين الأمريكي الأكثر صهيونية، هل طرح على نفسه سؤال كيف سيكون التطبيع مع إسرائيل؟

ومن جلس في مجلس الحكم تحت قيادة بول بريمر، هل ناقش ذلك الفارق بين منظور المقاومة الإسلامية بعنوان فيلق القدس لتحرير فلسطين، مقابل الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني؟

السؤال الأكثر قباحة: هل من وضع عمامة المقاومة أكل الأعشاب مثل ثوار فيتنام، أم انغمس في ملذات الحياة، مواكب بأحدث أنواع السيارات الأمريكية، وحماية مسلحة ببنادق أمريكية، يستخدم أحدث أنواع الهواتف الذكية الأمريكية، ويتعامل مع شبكة الإنترنت الأمريكية، ثم ينشر تغريداته ضد الإرهاب الأمريكي، بعنوان المقاومة الإسلامية على منصة "إكس" الأمريكية؟

ربما بات العراق بحاجة إلى أكثر من نموذج الدكتور علي الوردي لتحليل هذه الازدواجية متعددة الأطراف، متضاربة المصالح، قافزة على الأزمان. قبل الانتخابات تختلف التعريفات في الخطاب الحزبي عما بعدها، فمن يوصف إرهابياً هنا ممكن أن يكون من صفوف المقاومة هناك والعكس صحيح كلياً.

ويبدو أن "سقطة" ما نشرته الوقائع العراقية حول توصيف حزب الله اللبناني والحوثيين بوصف الإرهابيين، ثم التراجع السريع عنه، مثال صاخب لعِلل تلك الازدواجية في أوضح نموذج لها. فالقرار الدولي الذي تساهم فيه الدولة العراقية يتفق مع هكذا توصيف نتيجة مواقف أمريكية أوروبية، مع أن القانون الدولي منح الدول سيادة الامتناع عن قبول التصويت رفضاً أو على الأقل امتناعاً. السؤال: كيف يتعامل العراق الذي كل موارده المالية من ريع النفط تحت سلطة الفيدرالي الأمريكي مع قراراته في توصيف حزب الله اللبناني أو الحوثيين بوصف الإرهابيين؟

فقط لأنه يتعامل مع سيادة الدولة الأمريكية على تداول عملتها - الدولار - في عدم حصول من يقعون تحت هذا التوصيف عليه، ناهيك عن إيران المعاقبة أمريكياً منذ عقود مضت.

وفق هذا التعامل الهجين الذي لم يُفصل في حدود سيادية واضحة بين الثابت العراقي بكونه مع المقاومة الإسلامية وقيادة فيلق القدس الإيراني لها، مقابل الوقوف الصريح والمباشر ضد العدوانية الصهيونية الهمجية الإرهابية، تظهر حقيقة أن القوم في السر غير القوم في العلن. ليس من خاسر غير أولئك المطبلين مرة بهذا العنوان أو الآخر في الضد، حتى بات مشهد هذا التغيير لشخوص عُرفت في مواقع التواصل الاجتماعي تتنقل حسب من يدفع أكثر يبدو حالة طبيعية في دراسة السلوك المجتمعي. فالسب والشتم جائز في كلا الحالتين.

في المقابل، المعادلة واضحة الأطراف بين من يحمل سلاح المقاومة ومن يتهم بالإرهاب. لكن تحليل أصحاب المصلحة في السلطة لتفسير الأفعال هم من ينغمسون في أتون الآثام. وليس ثمة حاجة للدفاع عن المقاومة الحقيقية المقدسة مقابل كل أنماط وأساليب التزييف الرخيصة. وتجاوز الخط الفاصل بينهما صريح فاضح لكل متهالك على السلطة بهذا العنوان، حتى وإن عقد الصفقة مع الشيطان الصهيوني الإرهابي وهو يقتل أبناء غزة يومياً، ما دام مشروعه للسلطة يمضي قدماً تحت الحماية المعهودة.

وما يغيب في المقاربة العراقية هو المفهوم الدستوري للدولة وحدود السيادة، بين قوى فصائل حزبية مسلحة هجينة لها أرجل في ركاب المال السياسي بمنظومة مفاسد المحاصصة، وعناوين جهادية للمقاومة المسلحة، تحاول اليوم عقد الصفقة مع الطرف المقابل فقط لديمومة الإمساك بالسلطة ودوام توظيف المال العام لخدمة أجنداتها الحزبية لا غير.

مثل هذا النموذج.. حينما تعقد هذه الصفقة، ربما هي قريبة.. عندها لن يكون الالتزام بما تذهب اليه القرارات الدولية بتوصيف حزب الله اللبناني والحوثيين بوصف الإرهاب غريبا.. بل مجرد إعادة تدوير أسطوانة المقاومة بانغام جديدة.. المعضلة تحتاج أكثر من إرادة سياسية - تحتاج ثورة في العقلية السياسية السائدة منذ 2003، تحتاج الى تجديد جذري في القيم لتعريف عراق واحد وطن الجميع، ولابد من دعم شعبي حقيقي لمسار الإصلاح، قد يكلف تضحيات اقتصادية، لكن من خلال رؤية استراتيجية واضحة، السؤال الأصعب، من يملك الجرأة لبدء هذا المسار، في بيئة سياسية مشبعة بالمحاصصة والتبعية والفساد؟

ربما الحل لا يأتي من "الأعلى"، بل من رفض تطبيقات الازدواجية ما بين وجهي عملة السلطة " المقاومة والإرهاب"، يفرض خيارات واضحة: إما وطنيون حقيقيون، لا مشروعية شعبية للسلطة، وتلك مسؤولية كبرى تحتاج إلى قيادات شجاعة في المجتمع المدني والإعلام، في النهاية، الخروج من المعضلة ممكن نظرياً، لكنه يحتاج معجزة سياسية عملياً. والمقالات مثل الذي قرأناه هي بداية ضرورية لتشخيص الداء، حتى إذا لم تقدم الدواء... ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!!

المشـاهدات 140   تاريخ الإضافـة 07/12/2025   رقم المحتوى 68680
أضف تقييـم