ثلاثية المحظور..
الدين والجنس والذات في مواجهة الكاتب![]() |
| ثلاثية المحظور.. الدين والجنس والذات في مواجهة الكاتب |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص : بقلم: د. جميلة الوطني مملكة البحرين
إن كابوس الرقابة الذاتية ليس مجرد خوف فردي من العقاب الخارجي.. بل هو فعل استبطان لسلطة الأيقونة نفسها.. إنه إدراك الكاتب والكاتبة بأن قلمهما لا يواجه فردًا أو مؤسسة بل يواجه الركائز التي يقوم عليها توازن العالم. *** في متاهات الروح ودروب الوعي، تتربع ثلاث محاور عظمى تشكل معجون الخلق والفكرة. الإلهي (كظل للسماء)، والغرائزي (كصهيل للجسد)، والسلطوي (كقبضة للحكم).. ومتى همست ريشة الكاتب بالصدق الجارح، وقررت الاقتراب من هذه المحاور التي أُقيمت أسوارها تحت اسم المحرمات، انبعث كابوس الرقابة الذاتية سيفًا مسلولًا يُشهر في وجه أي محاولة للبوح. وفي عمق هذه المعركة، يصدح الناقد والروائي العالمي ماريو فارغاس يوسا بكلماته كالنار، في خطابه الشهير الأدب نار والذي ألقاه بمناسبة فوزه بجائزة رومولو غاييغوس الدولية لروايته عام 1967، ليؤكد أن الأدب بطبيعته تمرد دائم ونبض لا يمكن أن يهادن سلطة قاسية أو عقيدة جامدة بالقول: "أن الأدب بطبيعته هو شكل من أشكال التمرد الدائم وأنه لا يمكن أن يهادن السلطة أو العقائد الجامدة واصفًا إياه بأنه نقيض للخضوع وتعرية للواقع المستتر". لا تكمن القسوة الحقيقية في صوت المنكِر الآتي من الخارج بل في الرقيب الذاتي الذي يرتعش داخل ضمائرنا.. تلك هي الرقابة الذاتية هي في تقديري أخطر أنواع الرقابة وأكثرها فتكًا بالروح الأدبية.. إنها ليست مجرد خوف من نص قانوني عابر بل هي ارتجافة أمام الحكم الجماهيري أو الارتداد الأخلاقي المتوقع. هذا الصوت الداخلي السري هو الذي يهمس لكل كاتب وكاتبة في لحظة الوصف الجريء أو السؤال الفلسفي الملِح.. ماذا سيقول عني القارئ؟ وكيف سينظر المجتمع إلى هذا الفن المعري؟ وهل ستحاسبني المؤسسة على تجرؤي؟. إنها عملية استباق للخوف تقضي على الفكرة قبل أن تتشكل. في مواجهة هذه المحظورات الوجودية الثلاثة تتحول الرقابة الذاتية إلى قوة كابحة عمياء تفتك بالإبداع فحين يقترب القلم من الدين يتراجع عن الخوض في المسائل الفلسفية العميقة أو نقد التفسيرات السائدة ليس قناعة بل خشية الاتهام بالتكفير أو الوقوع في سوء الفهم المتعمد وحين يتفحص الجنس يتحول الوصف الصادق للحظة الإنسانية إلى تلميح باهت أو يختفي تمامًا فيفقد الأدب بذلك عمقًا نفسيًا أساسيًا يرتبط بأصدق الهواجس البشرية. أما حين يلامس السياسة فيعالج النقد بتحوير شديد أو ترميز عقيم مما يفقد العمل الأدبي حدّته وقوته المباشرة ويستبدل صرخة الشاهد بوشوشة الهارب. هنا يتبدّل حال قلم الكاتب والكاتبة فبدلًا من أن يكون غواصًا يجوب أعماق المحيطات المحرّمة، يتحول الكاتب والكاتبة إلى صانع للدمى على شاطئ الأمان، يزن همسه في ميزان النجاة الشخصية. إنها ليست مجرد تراجع عن جمالية الكشف، بل هي انكسار في شريان الإرادة. وعلى ضفة مغايرة، يتربع نموذج الكاتبة أجاثا كريستي - سيدة "الجريمة النظيفة" - كاتبة اختارت قاعة العقل المختبرية ملاذًا، بعيدًا عن لجة الجنس ومناطق التابو، لتبقى مصنفة ضمن الأنقى والأكثر حذرًا.. لكن الفن، حين يستجدي كشف الوجود، لا يرى في ميزان النجاة بديلًا عن سؤال الصدق؛ فمن يقدّم أمان القول على شجاعة المواجهة، يضحي بالقوة الاستفزازية للأدب والفن، ويحوّل الجمال من انفجار حقيقة مزلزلة إلى زخرفة باردة مريحة وهذا هو أقصى درجات التراجع عن الروح النقدية للإبداع. خليجيًا، في فضاء الأدب المرتعش، يعد الروائي السعودي عبد الرحمن منيف - برؤيته الثاقبة - سيفًا لا يُغمد، مجسدًا آليات كسر الرقابة الذاتية على وجه الخصوص.. فهو يُعد رائدًا حرث في أرض المحرم السياسي، وكشف عظام السلطة العارية.. ففي أعماله وعلى رأسها خماسيته مدن الملح لم تكن ريشته تحمل هدنة، بل كانت مشرطًا يغوص في عمق الجرح، ليُشرّح جسد الواقع المثقل بالفساد والتحولات الاجتماعية القاسية.. تجاوز منيف حائط الخوف بجرأة كلفته ثمنًا باهظًا من عُمر ووطن، لكنها خلّدت اسمه كغواص للمحظورات، محوّلًا المنع في بعض الأقطار إلى موجة من القراءة السرّية، ليؤكد أن الأدب يجب أن يكون مرآةً كاملةً للروح والمدينة لا قناعًا مُصطنعًا يُخفي وهنها. أما عربيًا فقد جسدت الكاتبة غادة السمّان آليات كسر الرقابة الذاتية على وجه الخصوص في أعمالها التي تناولت الجنس والتحرر الاجتماعي للمرأة تجسيدًا بارزًا فهي لم تلجأ إلى الترميز الغامض بل اعتمدت آلية التدفق الداخلي والبوح الصريح... تجاوزت السمّان الرقابة الذاتية بالتعبير عن الذات المضطربة والمتمردة بنزعة شعرية عالية وإحساس بالتمرد الفلسفي. هذا الصدق هو الذي جعل أعمالها رغم المنع في بعض الأقطار تخلق موجة من القراءة السرية وتؤكد أن الأدب يجب أن يعكس الواقع الكامل للنفس لا الوجه المصطنع منها. اننا وفي مواجهة هذا الموضوع السرمدي الذي يتناسل في كل زاوية من زوايا الوعي تتأكد حقيقة واحدة، الرقيب الذاتي الذي ينهض كسيف باطني ليس إلا مقبرة الأسئلة الكبرى. نجاحه في إسكات القلم هو بالفعل نجاح في تدمير ما هو أعمق من مجرد النص أو القدرة الأدبية؛ إنه تدمير للإرادة الحرة التي تشكّل جوهر الوجود المفكِّر. وعليه اختتم بالقول.. لا يمكن أن يكون الابداع مرآة صادقة للوجود الإنساني ما لم تعلنا انتما ككاتب وكاتبة ثورتكما الداخلية ضد الرقيب الذاتي. |
| المشـاهدات 42 تاريخ الإضافـة 10/12/2025 رقم المحتوى 68762 |
أخبار مشـابهة![]() |
البلدان تنهض بعلمائها ومثقفيها |
![]() |
مستقبل العلوم البينية.. آفاق جديدة للتقدم والابتكار في العراق
|
![]() |
معاقبة إداري في نادي غاز الشمال ومدرب الحراس |
![]() |
قوباد طالباني: تقدم في حوار الحزبين وتمهيد لتشكيل الحكومة الاتحادية
ألا طالباني: حسم رئاسة الجمهورية مرتبط بتوزيع مناصب الإقليم والكرد قد يتخلون عن الخارجية |
![]() |
وزير الثقافة: العمل الدؤوب للحكومة أعاد لبغداد زهوها
المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للسياحة يمنح السوداني وسام السياحة العربية |
توقيـت بغداد









