معرض من النصوص
تأملات تشكيلية في (لوحاتٌ ليست للبيع) للشاعرة ريما حمزة![]() |
| معرض من النصوص تأملات تشكيلية في (لوحاتٌ ليست للبيع) للشاعرة ريما حمزة |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
ناظم ناصر القريشي يقدّم نص»لوحاتٌ ليست للبيع «تجربة غير مألوفة في الشعر العربي الحديث، إذ يُبنى أساسًا وفق منطق اللوحة التشكيلية: تكوين، لون، فراغ، وتوتر بصري. لا يتعامل النص مع “المرأة” كموضوع شعري، بل كعنصر بصري يُعاد تشكيله داخل كل لوحة، بحيث يصبح الجسد مركزًا للضوء، والماء، والظل، والمطر، والخيط. إنه نصّ يقوم على رؤية تشكيلية دقيقة تجعل القصيدة قابلة للعرض في قاعة فنية، قبل أن تكون قابلة للقراءة على الورق. فيما يلي قراءة للعمل بوصفه معرضًا بصريًا يتوزع على خمس لوحات مكتملة البناء. اللوحة الأولى: امرأة تمشي على خيط ماء تعتمد هذه اللوحة على خط أُفقي رفيع يمثل “خيط الماء”، يوضع تحته فراغ بصري واسع يهدد بانهيار التوازن. الجسد الأنثوي مرسوم فوق الخط بخفّة مقصودة، ما يمنح المشهد هشاشة واضحة. تأتي الإضاءة من جهة الغروب، ليقع نصف الجسد تحت ضوء دافئ، فيما يظل الجزء الأسفل في برودة لونية تقترب من الأزرق الفاتح. من الناحية التكوينية، تقوم اللوحة على علاقة مشدودة بين الكتلة والخط: كتلة الجسد تحاول الاستقرار فوق خط لا يصلح للحمل، وهو ما يخلق التوتر الأساسي في المشهد. اللوحة الثانية: امرأة تنام في فم الناي هنا يحتل الناي مركز اللوحة كعمود بصري عمودي يقسم المساحة إلى جزأين متناظرين. الجسد الأنثوي يبدو مدمجًا داخل تجويف الآلة، في تدخّل سوريالي واضح. لون اللوحة يميل إلى الذهبي المعتّق، وكأنها تستحضر زمنًا قديمًا أو ذاكرة صوتية راقدة. يظهر تأثير “الحركة الساكنة” بوضوح: اللوحة ثابتة، لكن توزيع الضوء حول الجسد يعطي إحساسًا بالاهتزاز، كأنّ صوتًا خافتًا يسري في الخلفية. اللوحة الثالثة: امرأة تلوّح من شرفة مشقوقة تعتمد اللوحة على عنصر معماري مقسوم: جدار مشقوق يشكّل خطًا عموديًا قاسيًا يحدد المساحة. الجسد شبه غائب — يظهر الذراع فقط، متجهة نحو اليسار، فيما ينزل وشاح ملوّن يقطع تتابع الرماديّات. هذه اللوحة تقوم بصريًا على الفراغ السلبي: المساحة التي يُفترض أن يشغلها الجسد بقيت فارغة عمدًا، ما يجعل الغياب عنصرًا بنائيًا لا موضوعًا. هنا يمارس اللون الرمادي دوره كحامل للّحظة، مع تدخل لوني بسيط (الوشاح) يمنح اللوحة نقطة توتر لامعة. اللوحة الرابعة: امرأة ترتدي المطر اللوحة مبنية عموديًا: خطوط المطر، الجسد، الخلفية كلها تعمل بالاتجاه نفسه. الخلفية فضية–رمادية تتدرج نزولًا، بينما تُرسَم المرأة بحدود مموهة تُظهر تأثير الماء على الخط. الرذاذ لا يعمل هنا كعنصر مناخي، بل كطبقة لونية تُدمج الجسد بالخلفية. الإضاءة خافتة، وتبدو كأنها تنبع من داخل الجسد، لا من مصدر خارجي، مما يمنح اللوحة حسًا تأمليًا. اللوحة الخامسة: امرأة تصلح قلبها بالإبرة والخيط هذه أكثر اللوحات كثافة من حيث العناصر: كرسي خشبي في مركز اللوحة، قلب أحمر قانٍ في حضن المرأة، خيط مشدود، وإبرة تقع بالضبط في منتصف الجرح. تركيبة اللوحة تقوم على ثنائية: • كتلة داكنة )الخلفية والكرسي( • مركّز لوني حار )القلب( الملمس واضح: خشونة الخشب، نعومة الخيط، لزوجة اللون الأحمر. هذه التفاصيل تمنح اللوحة طابعًا واقعيًا رمزيًا، وتحوّل الألم إلى عملية “ترميم بصري” قائمة بذاتها. خاتمة المعرض: تعدّد الجسد وتحوّل الرؤية عند جمع اللوحات الخمس، يظهر بناؤها كوحدة بصرية قائمة على: • تحوّل الجسد من عنصر مائي إلى عنصر صوتي إلى عنصر معماري إلى عنصر مناخي إلى عنصر عضوي. بهذا الانتقال، يصبح الجسد في المعرض وسيطًا تشكيليًا، لا موضوعًا سرديًا. وتتوزع الألوان من الأزرق والرمادي إلى الفضي والأحمر، لتقود المتلقي من الشفافية إلى الكثافة. النص، حين يُقرأ كتشكيل، يكشف عن وعي فني محترف في التعامل مع الضوء، الفراغ، والكتلة، مما يجعل »لوحات ليست للبيع «معرضًا متكاملًا يمكن عرضه فعليًا على الجدار، لا مجرد قصيدة مكتوبة على الورق. البعد السينوغرافي: اللوحة كمساحة عرض حيّة تسمح بنية «لوحاتٌ ليست للبيع» بقراءة سينوغرافية تُعامل كل لوحة بوصفها مساحة عرض حيّة، لا سطحًا بصريًا فقط. فالتوزيع المكاني في النص يعمل كما لو كان تصميمًا مسرحيًا: خيط الماء في اللوحة الأولى يُشبه خطّ حركة، والناي في الثانية عمودًا بنائيًا، والشرفة المشقوقة في الثالثة جدارًا منسحبًا إلى الخلف، والمطر في الرابعة ستارة ضوئية، والكرسي في الخامسة نقطة ارتكاز تُعاد حولها صياغة المشهد. بهذا تتحوّل القصيدة إلى فضاء يمكن «الدخول إليه»، حيث لا تُقرأ اللوحات بالتتابع، بل تُشاهَد كأنها منظومة مسرحية تتبدّل فيها زوايا الإضاءة وحركة العناصر. هذا البعد يفتح النص على قراءة تتجاوز التشكيل إلى الفنون الأدائية، ويمنح القصيدة طبيعة عرضية، كأنها سينوغرافيا مكتوبة بالحبر بدل الخشب والضوء.
البعد الشعري: ما تقوله اللغة خلف ألوانها إذا كانت القراءة التشكيلية ترى في النص لوحاً معلّقًا على جدار، فإن القراءة الشعرية تسمعه أنينًا داخليًّا ينساب من شقوق اللغة. فالمرأة هنا ليست مجرّد عنصر بصري، بل ذاتٌ شاعرة تختبر الهشاشة كحالة وجودية: "امرأةٌ تمشي على خيطِ ماءٍ" ليست فقط توازنًا بصريًّا بين الكتلة والفراغ، بل استعارةً عن محاولة البقاء في عالم لا يُمسك بالقدمين. المطر الذي "ترتديه" ليس ستارةً فضيةً فحسب، بل غطاءً رمزيًّا للاندماج في الألم، وللشفاء عبر الذوبان. والقلب الذي "تصلحه بالإبرة والخيط" لا يُرمّم جسديًّا، بل يُخيَّط من جديد بعد تمزّق الحضور والغياب. في هذا السياق، يصير النص مونولوجًا صامتًا يُفصح عن جرحٍ لا يُظهره الجسد، بل يكتبه بحبرٍ من ضوءٍ وظلّ. إن ريما حمزة لا تصف لوحاً، بل تتنفّس عبره — فكل صورةٍ شعريّة هنا هي نبضٌ مقروء، وكل فراغٍ هو صمتٌ مدوٍّ. خلاصة إن قراءة هذه اللوحات تشكيليًا لا تُعدّ استبدالًا للقراءة الشعرية، بل فتحًا آخر داخل العمل نفسه. فالنص يمتلك قابلية عالية للتحوّل إلى تكوين بصري، وهو ما يسمح له بأن يعيش في فضاءات الفن، لا في حدود اللغة وحدها. هذه القراءة تكشف أن العمل لا “يصف” اللوحة، بل هو — من حيث بنيته — لوحة جاهزة للعرض.
لوحاتٌ ليست للبيع ريما حمزة اللوحة الأولى امرأةٌ تمشي على خيطِ ماءٍ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في ركن المعرض امرأةٌ تمشي فوق خيطٍ من الماء تحملُ حفنةً من ضوءٍ تسكبُهُ في وجهِ الغروبِ لا أحدَ يراها ظلُّها بلّلَ الترابَ الرسامُ قال: هذه امرأةٌ لا تصلُ، لكنها لا تتأخر وأنا كنت تلكَ التي تمشي لأعرفَ إن كان الماءُ يحفظُ أقدامي
اللوحة الثانية امرأةٌ تنام في فمِ الناي ــــــــــــــــــــــــــــــــــ تبدو نائمةً النايُ يصدِرُ أنيناً كلما مرَّ عاشق عيناها نصفُ مغلقتين تصغي لصوتٍ من زمنٍ بعيدٍ قيل إنها ماتتْ في حرب وقيل لا كانت تنتظرُ وأنا كنت أُزهِرُ من فمِ الناي كلّما حلمتُ بأنني أنجو من موسيقى الحنين
اللوحة الثالثة امرأةٌ تلوِّحُ من شرفةٍ مشقوقةٍ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ في الطابق الرابع شرفةٌ فيها ظِلٌّ لذراعٍ تلوح لا وجهَ لا جسدَ فقط وشاحٌ ملَوَّنٌ يتدلى من جدارٍ مقسومٍ قالوا : هذه لوحةُ وطَنٍ كنتُ تلكَ الذراعَ ألوِّحُ للعائدين من المنافي ولا أحدَ يعود
اللوحة الرابعة امرأةٌ ترتدي المطرَ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ في منتصف اللوحة امرأةٌ منقَّطَةٌ بالندى تضحكُ كأنَّ الغيمَ سقطَ على كتفيها عن عَمْدٍ عيناها مغمضتانِ والرذاذُ يرسم على خدَّيْها ممرّاً هل كانتْ تمطرُ من داخلها أمْ أنَّ الحبَّ سرب من سحابتِها كنت أنا أرتدي المطرَ كي لا يشكَّ أحدٌ بأنني أبكي
اللوحة الخامسة امرأةٌ تصلِحُ قلبَها بالإبرة والخيط ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ على كرسيٍّ خشبيٍّ امرأةٌ تطرّزُ قلباً خيطاً خيطاً كما ترقعُ الجدّاتُ ستراتِ الجنودِ حولها علبُ صمتٍ وإبرةٌ عالقةٌ في منتصف الوجع قال الرسام: هي لا تبكي .. هي تعيدُ ترتيبَ الخرابِ وأنا كنتُ أخيطُ قلبي حتى ظنَّ الألمُ أنني أحبُّهُ خاتمةُ اللوحاتِ في المعرضِ كلُّ مَنْ مرَّ على اللوحاتِ رأى امرأةً غيرَ التي في الإطار لكنني كنتُ كلَّهُنَّ وظللتُ أبحثُ عن رسامٍ يراني قبل أن يُلوِّنَني... |
| المشـاهدات 30 تاريخ الإضافـة 13/12/2025 رقم المحتوى 68829 |
أخبار مشـابهة![]() |
اطفالنا والدرس الاول
رياض الاطفال ودورها في بناء الشخصية العراقية الحديثة |
![]() |
الفريق الفوتوغرافي يفتتح معرضه "وثائق بصرية" في كلية القانون – جامعة كربلاء |
![]() |
من رماد الضوء يولد الحلم : تجربة الفنان التشكيلي المصري
رفقي الرزاز بين الحنين والتمرد |
![]() |
الكاتب المصري الفقير… من الهامش إلى لافتة الشارع
|
![]() |
دائرة الحكام تواصل تطوير الملاكات التحكيمية عبر ورشة خاصة بحالات الفيديو |
توقيـت بغداد









