حسن غريب أحمد

ناقد باحث روائي شاعر مصري

ما إن يلمع اسم كاتبٍ مصريّ بجائزةٍ أدبية، عربيّة كانت أم دوليّة،

حتى تُفتح له الأبواب التي كانت موصدة،

وتُرفَع صورته فجأةً في الصحف،

ويُعاد اكتشافه بوصفه “رمزًا للثقافة الوطنية” و”واجهة للريادة المصرية”.

لكن قبل هذا اللمعان…

كان هذا الكاتب يكتب في غرفة ضيّقة،

يتقاسم الرغيف مع القلق،

ويؤجّل شراء كتابٍ جديد ليُسدّد إيجار الشهر المتأخر،

ويحسب حساب فاتورة الكهرباء أكثر مما يحسب عدد قرّائه.

أين كنتم حين كان يكتب دون مقابل؟

حين كان يطبع على نفقته الخاصة؟

حين كان يطرق أبواب المؤسسات فيُقابل بالصمت أو الوصاية أو الازدراء؟

الكاتب المصري الفقير لا يولد فقيرًا بالضرورة،

بل يُفقَر تدريجيًا…

حين يُستبعَد من المشهد،

وحين تُحاصَر موهبته بالشللية،

وحين تُختزل الثقافة في الندوات البروتوكولية وصور المسؤولين.

كم أديبٍ مصريّ مات ولم يجد علاجًا لائقًا،

ثم أُقيم له حفل تأبين فاخر؟

كم شاعرٍ رحل مديونًا،

ثم أُطلقت اسمه على مكتبة لا يستطيع أمثاله اليوم دخولها إلا بإذن؟

الكاتب المصري – في أغلب الأحوال – يصنع نفسه بنفسه:

لا برعاية الدولة،

ولا بدعم المؤسسات،

بل بالإصرار، وبصوتٍ داخليٍ عنيد… وبقراءٍ بسطاء يشبهونه.

هو يكتب لأن الكتابة خلاص،

لا لأنها وظيفة.

ويقاوم لأن الصمت خيانة،

لا لأن المقاومة مربحة.

فكفّوا – من فضلكم – عن الركوب على الإبداع بعد حصاده،

ولا تحاولوا تلميع العجز بتسليط الكاميرا على من سحقتموه طويلًا.

الثقافة لا تُصنَع بعد الموت،

ولا تُكرَّم بعد الإفلاس،

ولا تُنقذ بالبيانات…

الثقافة تُنقذ حين يكون الكاتب حيًّا،

قادرًا على الحياة بكرامة،

وقادرًا على أن يكتب

دون أن يخاف من الغد.

هذه ليست شكوى…

هذه شهادة.

وشهادة الكاتب الفقير لا تُمحى،

حتى لو حُفرت يومًا على لافتة شارع.