اطفالنا والدرس الاول
رياض الاطفال ودورها في بناء الشخصية العراقية الحديثة![]() |
| اطفالنا والدرس الاول رياض الاطفال ودورها في بناء الشخصية العراقية الحديثة |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب أ. د حسين الانصاري |
| النـص :
تعد مرحلة الطفولة المبكرة الاساس الذي تُبنى عليه شخصية الفرد وقدراته اللاحقة في التعلم والتواصل والادراك. فهي المرحلة التي تتكون فيها ملامح الشخصية الاولى، ويتشكل خلالها وعي الطفل بالعالم من حوله، من خلال الاسرة اولا، ثم من خلال انتقاله الى اول بيئة تربوية منظمة خارج البيت: رياض الاطفال. وتكتسب هذه المرحلة اهميتها لانها تمثل الدرس الاول في الحياة، بما تحمله من خبرات اولية تسهم في تأسيس نمط التفكير والسلوك وتوجيه طاقة الطفل نحو التعلم والاكتشاف.
لقد اكد عالم التربية الامريكي جون ديوي ان التعلم الحقيقي يتحقق عبر الخبرة المباشرة والتفاعل مع البيئة، وليس عبر التلقين. وتنطلق فلسفته من ان الطفل يتعلم من خلال العمل والمحاولة واللعب الهادف، وهي مبادئ اساسية تعتمدها التربية الحديثة في رياض الاطفال. ولذلك يفترض ان تكون الروضة بيئة تربوية نشطة يختبر فيها الطفل افكاره، ويتفاعل مع الاخرين، ويكتسب مهارات جديدة تعزز وعيه وقدرته على التفكير المستقل.
كما تشير نظريات بياجيه في النمو العقلي الى ان الطفل في سنواته المبكرة ينتقل بين مراحل معرفية تتطلب طرقا محددة في عرض المعلومة، تعتمد على المحسوس والتجريب واللعب الرمزي. اما فيغوتسكي فقد شدد على اهمية البيئة الاجتماعية ودور التفاعل بين الاطفال في تنمية اللغة والخيال وبناء القدرات العليا للتفكير. وهذا يؤكد ان وجود الطفل في بيئة جماعية منظمة مثل رياض الاطفال لا يمثل ترفا تربويا، بل ضرورة لبناء شخصيته الاجتماعية وتوسيع مداركه اللغوية والحسية.
ومع التوسع الملحوظ في عدد الروضات الحكومية والاهلية في العراق خلال السنوات الاخيرة، برزت الحاجة الى تقييم جدي لطبيعة البرامج التعليمية المعتمدة، ومدى انسجامها مع المبادئ التربوية الحديثة. فالسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تشكل رياض الاطفال لدينا فضاءا تعليميا وتربويا يعمل وفق خطط علمية، ام انها في كثير من الحالات تتحول الى مجرد مراكز لحضانة الاطفال وتقديم الطعام ووقتا للنوم وبعض الانشطة التقليدية المكررة التي تفتقر الى التشويق وتغيب عنها الوظيفة التربوية الحقيقية؟
تشير ملاحظات ميدانية وتقارير تربوية الى ان عددا غير قليل من رياض الاطفال يعتمد اساليب تقليدية قائمة على التلقين والعرض السطحي للفعاليات، دون مراعاة احتياجات الطفل الفكرية والحركية والانفعالية. وغالبا ما تغيب الادوات التعليمية الحديثة، ويضعف الاشراف التربوي، وتتراجع اهمية تقييم اداء الملاكات العاملة، الامر الذي يحول بعض الروضات الى اماكن انتظار لمرحلة المدرسة، بدلا من ان تكون مرحلة تأسيس وبناء.
ان تنشئة الطفل العراقي القادر على التعلم وحمل المسؤولية يبدأ من رياض الاطفال، لان هذه المرحلة تهيئه لاكتساب المهارات الاساسية التي يحتاجها في المدرسة لاحقا: التركيز، تنظيم الوقت، بناء المفردات اللغوية، الثقة بالنفس، والقدرة على التفاعل الاجتماعي. وقد اثبتت دراسات تربوية متعددة ان الطفل الذي يمر بمرحلة روضة غنية ومحفزة يكون اكثر قدرة على التفوق الدراسي، واوسع استعدادا لتقبل المعرفة الجديدة والتفوق
ولذلك يصبح من الضروري ان تخضع رياض الاطفال في العراق لبرامج تقييم ومتابعة دورية، وان يتم تدريب الملاكات التربوية وفق احدث المناهج المعتمدة عالميا، بما ينسجم مع افكار العالم الألماني فريدريش فروبل وجان ديوي وبياجيه وفيغوتسكي ، جان جاك روسو والمربي السويسري يوهان هاينريش بيستالوزي. وغيرهم من رواد التربية الحديثة. فالتعليم في هذه المرحلة ليس خدمة جانبية، وانما هو استثمار حقيقي في المستقبل، لان الطفل الذي نخفق في تأسيسه سنواجهه لاحقا في مراحل الدراسة الاخرى بقدرات ناقصة وصعوبات تعليمية يمكن تفاديها من البداية.
في المحصلة، تمثل رياض الاطفال حجر الاساس في بناء الشخصية العراقية المعاصرة. واذا اردنا ان نبني جيلا قادرا على التفكير والابداع وتحمل المسؤولية، فعلينا ان ننظر بجدية الى هذه المرحلة، وان نعمل على تطويرها وضمان جودة برامجها، لتكون فعلا الدرس الاول الذي يستحقه اطفالنا. |
| المشـاهدات 52 تاريخ الإضافـة 13/12/2025 رقم المحتوى 68837 |
أخبار مشـابهة![]() |
الفريق الفوتوغرافي يفتتح معرضه "وثائق بصرية" في كلية القانون – جامعة كربلاء |
![]() |
معرض من النصوص
تأملات تشكيلية في (لوحاتٌ ليست للبيع) للشاعرة ريما حمزة |
![]() |
دائرة الحكام تواصل تطوير الملاكات التحكيمية عبر ورشة خاصة بحالات الفيديو |
![]() |
تألق طائرة سنحاريب في بطولة غرب اسيا |
![]() |
العراق يواجه قطر في نصف نهائي كأس الخليج تحت 23 عاما
|
توقيـت بغداد









