الأربعاء 2025/12/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 7.95 مئويـة
نيوز بار
تناوب العملية السردية في ... دروب الشاكرية دراسة نقدية
تناوب العملية السردية في ... دروب الشاكرية دراسة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

                              يوسف عبود جويعد

رواية " دروب الشاكرية" للروائي احمد عواد الخزاعي،تنتمي الى الواقعية النقدية بسياقها الفني، لأنها تنقل لنا الحياة الذاتية لبطل الرواية ريسان الذي ترتبط سيرته بحركة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلد، وقد عمل المؤلف في سياق تدوينه للحركة السردية لأحداث الرواية، بجعلهما تناوبية في فصولها المرقمة، بين الماضي والحاضر، وبلغة سردية جاءت منسجمة مع الاحداث، وطيعة ومرنة تنساب بشكل متدفق دون زوائد أو سرد فائض يصيب القارئ بالملل والرتابة، مما خلف ذلك إيقاع متزن رافق سير الاحداث منذ بدايتها وحتى انتهاءها،كوننا سنكون مع ريسان بطل الرواية، وهو يعاني بمرض التهاب المثانة واحتباس الادرار والالم القاسي الذي يرافق هذا المرض، ليعود بنا الى حياته  في الاهوار ، عندما توفي والده أثر شجار عشائري، حيث كان يحمل راية العشيرة، وكذلك وفاة أمه بعده.

وينقل لنا الروائي البيئة الريفية وحياة أهل القرية في أهوار الجنوب، وكذلك هيمنة الشيخ وسلطته على الفلاحين، وجلبهم للعمل معه (صخرة) أي بدون أجر في مواسم الحصاد الذي يسمى الحشر.

كذلك نتابع الصراع النفسي لبطل الرواية وهو يعيش تحت ضغط الشيخ وازلامه لسحبه للعمل عنوة في (الصخرة)، وهنا أود الأشارة الى أن الروائي نقل لنا تفاصيل حياة الفلاحين وصراعهم مع الشيخ في روايته السابقة الموسومة بــ (الحشر)، مما يتبين لنا أن هذه الرواية امتداد لروايته السابقة، او الجزء الثاني لها دون أن يشير الروائي الى ذلك، إذ نجد أن أحداث هذه الرواية تأخذ منحاً آخر، بعد أن يواجه ريسان الشيخ رافضاً الانصياع لاوامره، حيث يعاقب برميه بــ (الطامور) وهي غرفة من الطين مغلقة دون باب أو نوافذ، وهو العقاب لمن يخالف اوامر الشيخ، الامر الذي حدى بريسان الهرب من الاهوار، لتنتقل بنا الاحداث الى بغداد، مدينة الشاكرية، ونتابع تفاصيل دروبها كما تشير بنية العنونة.

وهكذا تنقسم الحركة السردية الى ثلاث محاور، حياة البطل ريسان داخل مدينة الشاكرية، وتفاصيل غائرة في العمق في عملية تبئيرية لحياة ريسان في الاهوار،وصفحة منيرة من حياته النضالية، حيث يقوم مع رفاقه ووفق خطة محكمة باغتيال الحاكم العثماني،بعد أن يتفق مع ابناء القرية بإقامة زفة عرس داخل الهور لنتمكن من الهرب من رجال الحاكم العثماني ومطاردتهم لهم، بالاختفاء مع الزفة ليصعب ملاحقتهم، الا ان رجال السلطة العثمانية يتمكنوا من القبض على اثنان من رفاقه واعدامهما، ويستطيع ريسان النجاة، وكذلك نتابع تفاصيل مرضه وعلاجه في المستشفى وهو المحور الثاني، أما الثالث فهو حياته في مدينة الشاكرية

حيث تتناسل صفحات جديدة من الاحداث في تلك المدينة،وهي بمثابة السيرة الادبية والنضالية والاجتماعية لحياته الجديدة في المدينة، فتظهر علاقته العاطفية مع جانيت التي تسير احداثها مع مسار حركة السرد، والتي تبوء بالفشل، لاسباب سيعرفها القارئ عندما يتابع الاحداث، كذلك سنشهد ظهور حميد الشقاوة الشخصية المركبة الغريبة، فهو شقي ولص محترف، وكذلك يعمل لصالح السلطة في ذلك الوقت.

ونعود الى الماضي في هذا التناوب في الفصول، ليحدثنا بطل الرواية، عن تفاصيل مهمة في حياته وله أثر كبير داخل نفسيته:

" قتل أبي بنزاع عشائري في هور العمارة، كنت حينها في التاسعة من عمري، كان حامل بيرغ العشيرة، التحقت به أمي بعد عام، تشاجرت اختي الكبرى مع زوجها سيد هادي، تدخلت أمي، ضربته واسقطت عمامته، رفع رأسه الى السماء وهو يردد (اريد شارة عمامة رسول الله تبين في الحال) قبل ان يركب مشحوفه، تقيأت امي دماً وماتت، ومنذ ذلك اليوم وهي تأتيني بين فترة واخرى في المنام، اراها والدماء تملئ فمها." (ص 38 )

وهكذا تسير بنا أحداث الرواية، بين مرض ريسان ومعاناته وهو يطل بنا على الماضي، وبين هذا لتبئير في الاحداث في عمق الماضي، وكذلك حياته في مدينة الشاكرية.

لنكون مع ريسان وهو يعمل مع شاؤول اليهودي، والذي تعرض للاذى والتهديد والخوف، لغضب الشعب من اليهود بعد التحاقهم في فلسطين وتوافد اليهود اليهم، ولا يجد بداً هذا اليهودي الا الهرب، ويظل ريسان خال من العمل.

وفي رؤية فنية ممسرحة داخل النص الروائي، يوظف المؤلف مشهد ما حصل له عند مواجهة للشيخ ورفضه العمل معه:

" عصا صغيرة تضرب على كتفه، وهو يقف حافي القدمين في طابور طويل من الفلاحين الفقراء، صدى قادم من بعيد، من ستون عام مضت، تردد على مسامعه ( ريسان ابن حمود شغلتك نقل الطين للسدة) تداخلت الاصوات : صوت السركال ( هذا الذي هرب من الحشر) صوت الشيخ (ابنو طامورة وذبوه بيهة حتى يتعلم شلون يطيع شيوخه  ويصير آدمي . صوت بكاء ، امتزج مع صوت اسراب طيور الهور." (ص 82 )

وهكذا تمضي الاحداث بتناوب متناغم بين فصول الرواية، نحو نهايتها، الحزينة القاسية، إذ تسحبه أمه ليرحل معها بعد ان اختفى الدم من فمها، ويترك جثته مسجاة.

رواية " دروب الشاكرية " للروائي احمد عواد الخزاعي، خطوة موفقة ومتطورة للروائي تؤكد امكانيته على المضي بعالم السرد الروائي بنجاح.

من اصدرات دار ومكتبة كلكامش للطباعة والنشر – بغداد- باب المعظم – شارع المكاتب لعام 2025

المشـاهدات 90   تاريخ الإضافـة 14/12/2025   رقم المحتوى 68891
أضف تقييـم