الصدمة الناعمة في قصائد الشاعر عباس اليوسفي
(خارج التغطية أنموذجاً)![]() |
| الصدمة الناعمة في قصائد الشاعر عباس اليوسفي (خارج التغطية أنموذجاً) |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص : عبدالحسين بريسم تُمطر ذواتُنا أحياناً، ولا تُبلّل أحداً. بهذه الجملة الكثيفة يفتح الشاعر عباس اليوسفي باب رؤيته، حيث لا تمطر السماء ماءً، بل تمطر الذات ذاتَها، فيفيض الداخليّ على العالم من دون أن يلتفت إليه أحد. إنها الصدمة الناعمة، تلك التي تبدو هادئة في ظاهرها، لكنها تشتغل عميقاً في ما تحت الجلد، وتترك أثرها اللغوي والنفسي من دون ضجيج. اليوسفي… شاعر لا يسعى إلى الضوء، بل يأتيه الضوء من تلقاء نفسه، لأنه يكتب نصاً مشعّاً، يختزل اللغة ويكثّف الرؤيا ويصنع عالَماً خاصاً لا يشبه سواه. وفي هذه المساحة الجمالية نحاول أن نلامس شيئاً من تجربته، عبر نماذج من ديوان «خارج التغطية»، حيث الشعر يتخذ شكل رحلة ممتدة، مغايرة، متوترة، ومفعمة بالدهشة. --- 1. قصيدة يحكى: صدمة الحضور والغياب في هذا النص تتجاور المفردة البسيطة مع الصورة العالية: > دعْه يتعجب ولا تمكث طويلاً بين أحضانه دعه يمر... الزنابق الشاردات شاردات في ظله ساحرٌ حتى في التراب الذي رقص وبكى على ربيعه الممدّد على أيامه التي تسلّقها الموت. النبرة هنا نبرة وداع لا يريد أن يصرّح باسمه. صورة "التراب الذي رقص وبكى" تكثّف فلسفة اليوسفي: الحياة تمزج الرقص بالبكاء، والفقد بالاحتفاء، والموت يتسلّق الأيام كما يتسلّق الضوء جدران الصباح. إنها صدمة ناعمة… مؤلمة من دون ضجيج. --- 2. قصيدة المحيرة: طفولة تتذكّر نفسها المحيرة – وهي قرية الشاعر – تتحول إلى كائن أنثوي حيّ، يحتضن الذاكرة ويطاردها: > سأعود إليك محملاً بالرزايا والرعود أبحث عن ذلك الصغير عن زورقٍ لا يغرق عن حلمٍ لا أعود منه باكياً... المحيرة هنا ليست مكاناً فحسب، بل طفولة ضائعة يبحث عنها الشاعر كمن يفتش عن سفينة نجاة. "زورق لا يغرق" ليست عبارة عابرة، بل استعارة لحلمٍ لم يُكمل نموّه. --- 3. قصيدة دائماً: مطاردة الضوء > إليك… دائماً تسرقني الحروف أطيل في الكتابة بعيداً أرسمك في وجهي هاربةً إليك كل المعاني الخفية... لغة هذه القصيدة تنتمي إلى منطقة العشق الروحي، حيث يتماهى الشاعر مع المخاطَب، ويتحوّل النص إلى مطاردة بين حضورٍ خفي وغيمٍ يجري إليه. اليوسفي هنا يُنصت إلى ذاته وهو يخاطب ذاتاً أخرى، فيتداخل العاشق والمعشوق في نقطة واحدة. --- 4. قصيدة فرصة: سؤال الوجود > أتذكّر… تلك أيام مضت أحقاً مضت؟ أكلها النسيان دفعة واحدة؟ هذه القصيدة تلعب على حافة الحياة والموت. الصوت فيها متعب… يواجه الزمن وجهاً لوجه: > وحدك تقرض جسدك الشهي تقرضك المنايا كفرصة أخيرة. هنا تبلغ الصدمة الناعمة ذروتها: الموت يُعرَّف بأنه "مقرض" للجسد، كأنه حيوان صغير يحتاج أن يبقي لنفسه رضفة أخيرة. صورة جديدة، مفزعة… ولكنها خفيفة في لغتها. --- خاتمة: اليوسفي… شاعر يكتب من خارج التغطية تجربة عباس اليوسفي تقوم على لغة مشبعة بالهدوء والتوهج في آن واحد. إنه شاعر لا يرفع صوته، بل يرفع نصّه. يكتب من خارج التغطية، لكن صوته يصل أبعد مما يتوقع، لأن قصيدته محمّلة بذلك النوع من الصدمة الناعمة التي تضيء الوجدان من الداخل. |
| المشـاهدات 32 تاريخ الإضافـة 17/12/2025 رقم المحتوى 69008 |
توقيـت بغداد









