إيداع الوالدين في دور المسنين بين تبريرات الفعل وإثم العقوق
![]() |
| إيداع الوالدين في دور المسنين بين تبريرات الفعل وإثم العقوق |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب بقلم: أ.م.د. صدام العبيدي |
| النـص :
عظّم ديننا الحنيف حق الوالدين حتى قرنه بأعظم الحقوق وهو حق الله تعالى، فلم يرضى لهما دون مقام الإحسان، فقال عزّ من قائل: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً" (النساء: 36). كما أمر بالتواضع لهما والذل بحضرتهما، ونهى عن أدنى درجات الإيذاء لهما وهو قول أف لهما، قال تعالى: "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" (الاسراء: 23- 24). والنصوص في ذلك من القرآن الكريم ومن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام كثيرة. لذلك كان الاهتمام بالوالدين ورعايتهما من أهم الواجبات الدينية والأخلاقية على الأطلاق فبر الوالدين في الإسلام من أعظم الأمور التي ينال بها الثواب والأجر في الدنيا والآخرة ومع هذا نجد أن البعض من الأبناء يقدم على إيداع والديه أو أحدهما في دور المسنين والتي تسمى أحياناً بدور الرعاية الاجتماعية لتخفيف من وطأة اسمها، هذه الدور التي انتشرت في دولنا العربية والإسلامية فصارت تستقبل آباء وأمهات أفنوا حياتهم في سبيل راحة وسعادة أبناءهم ثم يكون الجزاء بإيداعهم في دار المسنين ليمضوا ما تبقى من حياتهم في دار غير تلك التي قضوا فيها معظم أعمارهم. إن إيداع الوالدين أو أحدهما في دور المسنين ينبغي أن لا يكون إلا لظروف وحالات استثنائية جداً كأن يكون الأبن مسافر لأمر مشروع وليس هناك من يهتم بهم وأن يكون ذلك بصورة مؤقتة وليست دائمية، فلا يكون الإيداع في هذه الدور إلا لمن قست ظروفهم ولم يجدوا من يؤيهم أو يهتم بهم، أما أن يقدم الابن على ذلك لأنه مشغول عنهم بعمل أو وظيفة، أو لأن زوجته لم تعد تتحمل وجود والدي زوجها أو أحدهما معها في بيت الزوجية فيقدم الابن على ايداعهما أو احدهما في دار المسنين، فهذا من القطعية والعقوق لهما، وقد جعل الله العقوق للوالدين موجباً لسوء الخاتمة حيث توعد العاق بتعجيل العاقبة له في حياته قبل موته، قال عليه الصلاة والسلام: "كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله تعالى يُعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات". ومع هذا الوعيد لعقوق الوالدين نجد دور المسنين مكتظة بالنزلاء من الآباء والأمهات حتى لا تكاد تجد مكاناً شاغراً وعندما نتساءل عن أسباب وجود هؤلاء في هذه الدور فتجد هذا الأب الذي لا يجد من يخدمه على الرغم من كثرة أولاده فقد آثروا أن يعيشوا بعيداً عن أباءهم وأمهاتهم، وتلك أم توفي زوجها ولم يطيقها أحد من أبنائها الرجال، واستحيت أن تعيش مع زوج ابنتها، ففضلت أن تعيش في دار المسنين، وأم أخرى ضاقت بها زوجة الأبن ذرعاً فأخذت تسمعها الكلمات وتؤنبها على كل تصرف أو فعل أو حركة أو سكنة، فاضطرت أن تقيضي ما تبقى من عمرها في دار المسنين، وإذا سألت الابن لماذا تودع أباك أو أمك أو تتركهما يخرجان من البيت الذي عاشا فيه ردحاً من الزمن إلى دار المسنين تسمع منهم التبريرات الفارغة والحجج الواهية، ألم يسمع هذا الابن عن مصير من يعق والديه بعد كبرهما، ألم يسمع أو يقرأ عن أحوال الصالحين مع آباءهم وأمهاتهم فهذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه وجده وأهل بيته جميعاً أعطى لنا أعظم درس في البر بالوالدين حيث لا يأكل مع أمه، وكان أبر الناس بها، فقيل له في ذلك، فقال: "أخاف أن آكل معها، فتسبق عينها إلى شيء من الطعام وأنا لا أدري، فآكله، فأكون قد عققتها"!!! وفي رواية: "أخاف أن تسبق يدي يدها". ومن أجمل ما سمعت من أحدهم من كلمات عن فن التعامل مع الوالدين الذين تقدم بهم العمر يقول فيها: أن كبار السن يعيشون في مرحلة حرجة من أعمارهم قد يرقدون ولا ينامون، قد يأكلون ولا يهضمون، قد يضحكون ولا يفرحون، يوارون دمعتهم خلف بسمتهم، فقدوا صحتهم ونظارتهم وأباءهم وأمهاتهم وكثيراً من رفاقهم، فنفوسهم جريحة ومطوية على كثير من الأحزان، فالكلمة التي لا تريحهم حال قوتهم الآن تجرحهم، والكلمة التي كانت تجرحهم الآن تذبحهم، غادر بهم القطار محطة اللذة فصاروا في صالة انتظار الرحيل ينتظرون الداعي ليلبوا، هم قريبون من الله ودعاؤهم أقرب إلى القبول فاغتنم قبل نفاذ الرصيد، شابت شعورهم، ويبست مشاعرهم، وخارت قواهم، يحتاجون إلى كلمة طيبة تطرق آذانهم، وإلى بسمة رقيقة تداعب وجوههم، وإلى يد حانية تمتد إلى أفواههم، والى عقول حليمة تستوعب رؤاهم، فكن لهم العوض عما فقدوا، وكن لهم العكازة فيما تبقى، وكن لهم الربيع في خريف أعمارهم، أجعلهم يعيشون أياماً سعيدة وليالي مشرقة، ويختمون كتاب حياتهم بصفحات ماتعة من الاحسان إليهم حتى إذا خلا المكان منهم لا تصبح من النادمين، هم كبار السن الآن وسيرحلون لا محالة، وعما قليلٍ ستصبح انت هذا الكبير المسن المقبل، فانظر ما أنت زارع وما انت صانع وأحذر قبل فوات الآن، وأعلم أنك كما تدين تدان. رحم الله القائل: احفظ أباك لو أبيضت ذوائبه فلن تعوضه يوماً إذا ذهبا ما اشتد عودك إلا بانحناءته فكن له سنداً إن مال وانحدبا لا تشكو من تعب إن رحت تخدمه وهو الذي كم هوى من أجلك التعبا. |
| المشـاهدات 24 تاريخ الإضافـة 30/12/2025 رقم المحتوى 69425 |
توقيـت بغداد









