الثلاثاء 2024/5/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 19.95 مئويـة
التراحم والمحبة في الشعر العربي
التراحم والمحبة في الشعر العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

                سامي ندا جاسم الدوري

الود هو الشعور بالانسجام بين شخصين أو أكثر ينبع من الاحتكاك الاجتماعي والعاطفي الدائم، قال الله سبحانه وتعالى، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) . نعم لقد حثّ سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم على التّراحم والرحمة ونشرهما في الأكوان على العامّة والخاصّة، على المحيط كلّه بكافّة ألوانه وأنواعه، مؤكِّدًا على أنّ ذلك هو اتِّباع له، وسير على منهجه، وتخلّق بخلقه ومن هذه التوجيهات والأوامر، قال صلّى الله عليه وسلم (لا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلا مِن شَقيًّ ) . فالحب هو دفء القلوب، والنغمة التي يعزفها المحبّون على أوتار الفرح، وشمعة الوجود، وهو سلاسل وقيود، ومع ذلك يحتاجه الكبير قبل الصغير، فالحب لا يولد بل يخترق العيون كالبرق الخاطف.وأن من نعم الله المودة والمحبة بين الناس . ونرى في هذا الزمان ان الصداقة والأخوة عملة نادرة ، في ظل انتشار الانتهازية والغدر وأصحاب المصالح .قال الإمام علي بن أبي طالب /

تغيرت المودة والإخاء

             وقل وانقطع الرجاء

ورب أخ وفيت له بحق

          ولكن لا يدوم له وفاء

أخلاء إذا استغنيت عنهم

         وأعداء إذا نزل البلاء

يديمون المودة ما رأوني

     ويبقى الود ما بقي اللقاء

وإن غنيت عن أحد قلاني

       وعاقبني بما فيه اكتفاء

سيغنيني الذي أغناه عني

         فلا فقر يدوم ولا ثراء

وكل مودة لله تصفو

 ولا يصفو مع الفسق الإخاء

وقال الشافعي /

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة

       فلا خير في خل يجئ متكلفا

ولا خير في خل يخون خليله

       ويلقاه من بعد المودة بالجفا

وينكر عيشا قد تقادم عهده

        ويظهر سرا بالأمس قد خفا

وإذا نظرنا إلى الأزمنة الماضية فقد كانت روابط الصداقة متينة ، يملؤها الوفاء والإخاء ، لذا نجد الأدباء والشعراء يتغنون بالصديق الوفي والمخلص ، ويرثونه ببالغ الدمع والأسى إذا اختطفته يد المنون . قال جميل بثينة /

فأصبحتُ مما أحدث الدهرُ موجعًا

            وكنتُ لريبِ الدهرِ لا أتخشّعُ

فيا ربِّ حبّبني إليها وأعطني

        المودّةَ منها أنتَ تُعطي وتمنعُ

فهو يرى الحبّ وجعًا دائما، ومطلبا. والحبّ وجعٌ ينقدحُ في القلب ويُرهقه الفقدُ والغياب، والمودّة لقاء دافئ يُطبع في جوارح المحبّين.

ولمّا كانت المودّة منوطة باللقاء، كان لا بدّ من رحمة فأيّ لقاء يكون إذا غابت الرحمة؟ والحبّ اندفاعةٌ للانفراد بالمحبوب.. هوًى محمومٌ لا يهدأ إلا بلقائه،فحيثما كان الحبّ كان لا بدّ من مودّة تَظهر في الجوارح والسلوك، وشعر الأخوانيات هو أحد الأغراض الشعرية الذي احتل مساحات واسعة من دواوين الشعراء فقد كان يصور العلاقات الإجتماعية في مختلف المناسبات، من تهنئة وإعتذار  وعتاب ومساجلة وحنين. وفي ثوب شعري يغلب عليه التأنق والتراحم . والأخوانيات غرض شعري قديم إلا انه قد اتسع وعُرف كغرض مستقل في القرن السابع الهجري فقد عرف بين أدبائه بأنه شعر المودة والصداقة الذي يديم التواصل بين الأصحاب، ويعكس  طبيعة الحياة الإجتماعية لشريحة واسعة من المجتمع .وان الإسلام يلبي الرغبة الطبيعية لدى الإنسان فى التواصل مع الآخرين، ويتجاوب مع هذه الفطرة الإنسانية فالإسلام دين الفطرة وهو يعلى من شأن اجتماع المسلمين ويعمل على توطيد العلاقات الاجتماعية وزيادة التقارب والتعارف فيما بينهم، قال عز وجل ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) .

قال أبو تمام /

ذو الود مني وذو القربى بمنزلة

    وإخوتي أسوة عندي وإخواني

عصابة جاورت ادابهم أدبي

فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني

أرواحنا في مكان واحد وغدت

         أبداننا في شام أو خرسان

ورب نائي المغاني روحه أبدا

 لصيق روحي ودان ليس بالداني

وقد مثّل الشعر العربي في مراحل حياته الممتدة عميقا في الثقافة العربية عبر قرون انه

الفن الأكثر تأثيرا وحضورا في المحتمع العربي، فقد مثل هذا الفن المعبر عن القضايا التي تشغل الإنسان العربي ويعبر عنها تعبيرا فنيا بأنه يملك القدرة على التواصل مع المتلقي والتأثير فيه، أي أنه كان ينبثق في موضوعاته ولغته من الإطار الذي يتخلق فيه ويعبر عنه . قال دعبل الخزاعي /

ولا تعط ودك غير الثقات

            وصفو المودة إلا لبيبا

إذا ما الفتى كان ذا مسكة

           فإن لحاليه منه طبيبا

فبعض المودة عند الإخاء

   وبعض العداوة كي تستنيبا

فإن المحب يكون البغيض

    وإن البغيض يكون الحبيبا

وأرى ان الرابطة الاجتماعية هي العلاقة التي تربط أفراد المجتمع وهي تختلف في طبيعتها من مجتمع لآخر، وكانت محل اختلاف الفلاسفة والمدارس الفكرية المختلفة من حيث تكييفها في الواقع  وبحسب العصر وطبيعة القوم ومحيطهم الحضاري. والتراحم يعني وجود أبعاد غير مادية في العلاقات بين الأفراد، أي أن علاقات البشر ذات طبيعة إنسانية لا تتأسس على المنفعة الشخصية وحدها، ومن ثم فهي ليست علاقات عقلانية مجردة، أو تعاقدية نفعية محضة، بل هي علاقات مركبة، والتراحم مبدأ ينظم مجموعة من المفاهيم الأخلاقية كالترابط والتعاون والإيثار . قال الشاعر  /

يا ساري البرق غاد القصر فاسق به

    من كان صرف الهوى والود يسقينا

وقال شاعر اخر /

لكم من فؤادي خُلِّص الودُ والحبُ

   وفيكم لنفسي لُخّصَ العذل والعتبُ

ترحلت عنكم والخطوب كثيرة

       ولكنّ خطب البين أسهله صعب

أأبكي نواكم أو نوى القلب إنني

  بحكم الهوى لم يبق لي بعدكم قلب

إذا كان للأيام ذنب بعادكم

       كفاني عذراً إنني ليس لي ذنب

لئن بَعُدَت أرجاء أرضي عنكم

فما لي في الدنيا سوى شعبكم شعب

وإن كان في طول البعاد ملالة

    فإني على طول البعاد بكم صب

فحسبي داء أن تشطَّ دياركم

   وحسبي دواء أن يكون لها قرب

المشـاهدات 463   تاريخ الإضافـة 04/04/2023   رقم المحتوى 18229
أضف تقييـم