الإثنين 2024/5/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
ضجيج الوجدان
ضجيج الوجدان
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د.ماري جرجس
النـص :

تلك الوتيرة المتصاعدة من التذمر.. وهذي الصرخات المدوية الغير منقطعة من الشكوى....ذلك الضجيج المزعج الذي لا ينفك يهدأ....ضجيج فريد من نوعه لم نعهده من قبل....ما اكتفي أن يقتصر علي الطرقات والمجالس أو ينبثق في وجوهنا من التلفاز أو المذياع...أو يقتحم خصوصيتنا في مخادعنا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة والمشلولة......هذا كان الضجيج التقليدي...ضجيج برئ حميد من زمن الضجيج الجميل....أما ما أصبح متفشيا الآن هو الصورة الخبيثة لذلك الضجيج....كالورم الخبيث الذي يستشري بلا ضابط ولا رابط...ألا وهو" ضجيج الوجدان"....وكلمة "ضجيج الوجدان"...تشمل ضجيج العقل وضجيج النفس وضجيج الروح...هذا النوع الخبيث من الضجيج ...أشبه ما يكون بموجات التسونامي التي بدورها تبدأ بسبب هزة في قاع المحيط...تؤدى لتحريك كمية مياه هائلة من مياه المحيط بشكل عمودي فيحدث أمواجاً دائرية متلاحقة منطلقة من مركز الزلزال وتصل سرعتها ل800كم/الساعة وارتفاعها اكثر من 15 مترا تتقدم تلك الموجات المدمرة وكلما تقدمت كبرت و تضخمت وعلت أكثر فأكثر لتصل إلي ذروتها في اللحظة التي تعصف فيها بكل ما يقابلها وتقضي علي الأخضر واليابس.....إن كان "ضجيج الوجدان" هو تسونامي البشر....فما هي تلك الهزة التي تنشئ بذرته في وجداننا فتخلف لنا تلك الموجات الخبيثة من الاضطراب  التي تعصف بسلامنا وسكينتنا وتسلب منا هدوءنا وراحة بالنا وتعكر صفو حياتنا ومصالحتنا مع الله والناس وبالتالي مع أنفسنا؟؟الخوف.........نعم إنه الخوف..ذلك الشيطان الأعظم...نتبرأ منه جميعنا بأصوات حنجورية حين نقول "نحن لا نخشي شيئا"...أو "نحن لا نخشي إلا الله".....لكننا _وللأسف_ غارقون لآذاننا في مستنقعه...مستنقع الخوف بكل مافيه من ظلام وظلومة وأمراض وقيود....مكبلين العقل والإرادة والمشاعر والقرارات بهذا الشيطان _مالك وملك هذا المستنقع البغيض_شيطان الخوف والذي سلمناه مقاليد ومفاتيح وزمام أمورنا في غفلة منا...فألقى بوجداننا تلك الهزة...إذن  .....فبداية الهزة التي تصدر موجات تسونامي الضجيج الوجداني بداخلنا....هو الخوف...الخوف....أبو الكراهية...والحقد...والشك....والغضب ....والبخل    و.... و.... و.....وصولا إلي الإلحاد....ولكن....ماعلاقة الخوف بكل ما سبق...وكيف له أن يملك ويتملك تلك المملكة المظلمة الظالمة.....الضالة المضللة..... الهالكة المهلكة.....ومن أذن له بملكها ومتي؟؟؟!!!....فلنبدأ _بهدوء وذكاء...بعلم وموضوعية...بحيادية تامة_نتتبع أثر ذلك الشيطان الخبيث"الخوف"...ولنقتفي أثره من الخلف رجوعا للأمام....أى من آخر مرحلة عائدين إلي الوراء...خطوة بخطوة....مثل الأفلام العربية القديمة حين كانت تدور دائرة سوداء فنعرف أن البطل بصدد سرد قصته من البداية.....لكني هنا لن أبدأ بالبداية بل سأبدأ من النهاية ....أو علي الأقل من آخر مشهد متوافر  فى القصة....لأنه طالما لازال في العمر بقية فالقصة لم تنتهي بعد....وعلينا...و بعد مكاشفتنا الجريئة و تحليلاتنا وتأملاتنا الموضوعية العقلية العلمية الحيادية....علينا أن نعيد التفكير من جديد لاختيار الصورة التي سنكمل بها حياتنا بالشكل الذي نرتضيه لأنفسنا... القصة التي سنبدأ آخر مشهد منها هي لشخص يتكرر أمامنا يومياً ...لديه ما يكفيه ليكون سعيداً شاكراً...لديه الستر والصحة المقبولة الجيدة....وأنا في يقيني أنهما أهم ما يحتاج الإنسان في الحياة.. وبنفس ترتيبهما...الصحة ...ثم الستر...فالصحة قادرة_بإذن الله_ علي ضمان الستر المادي في الحياة وعدم احتياج الإنسان للسؤال والمذلة.... هما كنزان يغنيان عن كل كنوز ومتع ومتاع الدنيا....وبلا أدني شك نعود لقصتنا...هذا الشخص _وبرغم امتلاكه لقدر كاف ٍ من هذين الكنزين_دائم العبوس والشكوي والتذمر في حالة شبه انعزال نفسي ووجداني عمن حوله...بالرغم من الصورة الظاهرية التي تشير إلي عكس ذلك تماما...فحياته تضج بالزحام والمعارف والأقارب والأصدقاء...كثير الأسفار والفسح والمتع...ومتنوع الأنشطة والخدمات.... لكنه في النهاية يجلس وحيداً في غرفته يشكو حالَه لحالِه...فهو مدرك تمام الإدراك أن كل من حوله لا يفهمه...أغلبهم أشرار... طماعون ...خبثاء ...أصحاب مصالح.... منافقون يبحثون عما ينقصهم ليكملوا به ما يكتنفهم من عجز لكنهم لا يبالون به وبكيانه ومشاعره قيد أنملة...بالفعل قابل هذا الرجل الكثير والكثير من تلك النماذج ...وهذا واقع الحياة...لكنه لم يكن برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب...فقد كان يجيد التعامل معهم ببراعة وإن كان -في نظري أنا _هما الإثنان خاسران... وبدأ هذا الشخص في حصر الكون كله بكل من فيه من بشر في تلك النماذج السيئة التي ساقه حظه السئ....وربما نيته الأسوأ...للتعامل معهم في طريق حياته.... كان مسبق الحكم...علي كل من اقترب من حياته...صدفة أو عن عمد...بل و الأفظع ... علي من اقترب هو منهم بكامل إرادته الحرة واختارهم ليقربهم من قلبه.... وهنا تأتي المأساة....حين يقذف الله في طريقه حبا صادقا حقيقيا او صديقا محبا حقيقيا... رائعا كالدر النفيس..... فيبدأ يتعامل معه بنفس الموازين الفاسدة والشكوك والمساومات والانتهازية ورويداً رويداً  ينسحب ذلك الحب الصادق او الصديق المحب بأدب ورقي بعد أن ييأس تمام اليأس من إمكانية تغيير تلك الشخصية ويتأكد من استحالة انفتاح بصيرته... فيتركه وسط  كل تلك الفوضى الاختيارية والتشويش المتعمد ليغرق لأذنيه فيه ساعة بعد ساعة ويوماً تلو الاخر الازدحام.. التشويش.. الثرثرة.. الوفرة بلا قيمة.. تسلبنا الحياة وتسلبنا القدرة على التركيز والقدرة على التميز بين الغث والثمين فتسقطنا في آبار بلا قيعان من اليأس والخوف وتمضي الحياة بعدها بسرعة البرق لنكتشف أننا لم نحياها كما أراد الله لنا أن نحياها وبالتالي لم نستطعم طعم الجمال الحقيقي والسعادة الحقيقية احذروا سارق الحياة احذروا ضجيج الوجدان

المشـاهدات 747   تاريخ الإضافـة 02/02/2021   رقم المحتوى 9676
أضف تقييـم