بعض   الذكرى توقظ في النفس ما تراكم من لحظات الفرح والسعادة والوجع والمعاناة وفيض الحكايات الحلوة والمرة وتكشف اسراراً كنا نتوهم انها مخبأة بين طيات السنين وانها غدت غائرة الى الحد الذي اسدلنا عليها ستار الحنين لاخر مرة ، لكن بعضها يضطرنا لاستذكارها بكثير من المحبة والغبطة على الرغم مما سببته لنا وتركت في نفوسنا سعادة غامرة.

اليوم هو ذكرى ولادة العدد الاول من جريدة الدستور (وبه نستعين) حينها كنا نرسم للمستقبل صورة مختلفة ، لذا لم نبخل على الوليد ولم ندخر جهداً ولا مالاً على أمل ان القادم افضل ، وان ما أقدمنا عليه من مغامرة اصدار صحيفة يومية بامكانيات ذاتية ستلقى نصيبها من الدعم والاهتمام فالواقع يشير الى تغيير كبير وانفتاح على العالم بعد حصار وقمع وتكتم ومنع ، فقلنا في انفسنا لنتحمل صعابها اول الامر وما الصبر الا المفتاح الذي سيشرع جميع الابواب لتجربة صحفية كتب لها ان تستمر ، علينا ان نبذل ونثابر ونجتهد ونضحي وننتظر لنرى الى اين ستوصلنا الطريق التي سلكناها ، فتعثرنا فتعثرنا مرة وسقطنا اخرى ولكننا نهضنا مكابرين ، وارتفعت من حولنا الصيحات النشاز فلم نلتفت وراءنا واكملنا المسير ونبحت علينا الكلاب حتى كادت تنهش لحمنا الطري فألقمناها حجر المنجز وخرست الا بعضها ، ومضت السنون سنة بعد سنة وذكرى بعد ذكرى والدستور تحفر في ضمير العراقيين وذاكرتهم بأزميل الحقيقة نقوشاً من صدق ووفاء وامتنان نقرأه بعيونهم ونلتمسه بمحبتهم وهو ما يخفف عنا كل هذا الضغط الكبير جراء الاهمال والتجاهل واللامبالاة ، بعد ان خابت امالنا العريضة التي كانت تمنحنا العزيمة ، ولكن لفرط الخيبة غادرنا وهم الاتكال على وعود من لم يفِ بالتزاماته تجاه شعبه ، وصار اتكالنا على شعبنا والوقوف معه هو طعم النصر والنجاح الكبير.

الدستور اليوم وبعد مرور ثماني عشرة سنة لم تعد جريدة ومجموعة اوراق نملؤها بما تيسر من اخبار ومقالات وصور ، الدستور اصبحت جزءاً من تاريخ ووثقت له على صفحاتها يومياً وزخرت بحكايات وقصص اختلط فيها الحزن بالفرح والوجع بالراحة والشهادة بالولادة ، وصار من الصعب التخلي عنها ونحن على بعد اعداد قليلة لنصل العدد رقم (5000) ليوثق لكل هذه الولادات ، ونحن نهنئ انفسنا وزملاءنا والاصدقاء بذكرى الولادة.