النـص : الناس قديمًا لم يكونوا يعيرون تاريخ المولد والوفاة اهتمامًا بالغًا كما هو الان، ولذلك فقد كان في تحديد يوم وفاة النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بعض المشقّة لاختلاف الروايات في ذلك، فتحديد العام كان ممكنًا وهو عام تحفظه الأمّة الإسلاميّة كلّها وهو العام 11 من الهجرة المباركة، وكذلك لا خلاف حول اسم اليوم الذي مات فيه وهو يوم الاثنين، ولكنّ تاريخ اليوم الذي مات فيه (عليه الصلاة والسلام- هو محلّ خلاف, ولكن اغلب الاقوال والآراء تقول انه توفى في العام الحادي عشر من الهجرة يوم 28 من صفر عن عمر 63 عاماً، وقد كانت الرسو حجة الوداع أخر حجة للرسول الكريم، ولفظ الرسول الكريم (صل الله عليه واله وسلم)أنفاسه الأخيرة في حجر السيدة عائشة، وقد كان لا يفصلها عن المسجد النبوي سوى جدار في يوم 28 من صفر اليوم الذي شهد أعظم مصيبة في تاريخ البشرية، وأشد كارثة تعرض لها المسلمون، هذا هو اليوم الذي شهد وفاة الرسول(صل الله عليه واله وسلم) . يقول أنس بن مالك ، كما روى أحمد والدارمي: ما رأيت يومًا قَطُّ كان أحسن، ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ، وما رأيت يومًا كان أقبح، ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله. وها قد جاءت اللحظة الأليمة، لقد مات رسول الله (صل الله عليه واله وسلم)، وأظلمت مدينة رسول الله(صل الله عليه واله وسلم) ، لقد نَوّرها رسول الله يوم دخلها، فتحولت من يثرب إلى المدينة المنورة، ولقد أظلمت المدينة نفسها يوم مات الحبيب بل لقد أظلمت الدنيا بأسرها، وليس هذا مبالغة فالرسول ليس مجرد رجل عظيم، أو قائد فذّ، أو مفكر عملاق فقدته البشرية، إنما هو في حقيقته الأصيلة آخر رسول من رب العالمين إلى الناس. لقد قضى الله أن يخاطب عباده ويأمرهم وينهاهم ويوجههم ويهديهم عن طريق إرسال رسل منه إليهم، وعاشت البشرية بهذه الطريقة فترة طويلة من الزمان، ثم شاء الله (سبحانه وتعالى) أن يختم رسالاته إلى الناس برسالة الإسلام، وشاء أن يجعل آخر المبعوثين منه إلى الخلق هو رسول الله والآن مات آخر رسول من رب العالمين، وليس هناك رسل أو رسالات بعده، فأي مصيبة! وأي كارثة. لا شك أن الفتن ستقبل وتقبل وتقبل بعد وفاته (صل الله عليه واله وسلم)، وعلى الناس أن يتوقعوا ظلامًا في فترات كثيرة مقبلة، والرسول (صل الله عليه واله وسلم) أخبر عن فتنة من هذا النوع ستأتي على أمته، روى مسلم عن أبي هريرة: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا". بل إن الرسول (صل الله عليه واله وسلم) ربط اشتداد هذه الفتنة بموته (صل الله عليه واله وسلم) فقد روى مسلم عن أبي بُرْدَةَ أن رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) قال: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ". والمقصود بالوعد هنا هو الفتنة والحروب كما يقول اصحاب السنن والتاريخ. لقد كان موته (صل الله عليه واله وسلم) فتنة حقيقية للأمة الإسلامية، لكن لا شك أن الفتنة كانت أعظم ما يكون عند أصحابه ، فليس من رأى كمن سمع، وليس من عاش وخالط كمن قرأ كتابًا، أو سمع محاضرة، لا شك أن مصيبة الصحابة بفقد رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) كانت أعظم وأجَلّ من مصيبة أي مسلم في الحبيب (صل الله عليه واله وسلم) لقد اضطرب المسلمون اضطرابًا شديدًا، حتى ذهل بعضهم فلا يستطيع التفكير، وقعد بعضهم لا يستطيع القيام، وسكت بعضهم لا يستطيع الكلام لقد أظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم والكمد كل شيء فيها، لموت الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ولانقطاع خبر السماء عن الأرض.
|