السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
تجليات السرد المذكراتي والموضوعي _في كتاب الأيام الملعونة _ للروائي غيث الربيعي
تجليات السرد المذكراتي والموضوعي _في كتاب الأيام الملعونة _ للروائي غيث الربيعي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

أنفال كاظم

يقع كتاب (الأيام الملعونة) للروائي غيث الربيعي والصادر عن دار أمارجي للطباعة والنشر ٢٠٢٣، ضمن (أدب كتابة الذات) أو (أدب كتابة الأنا) ، وكما وصفه محمد القاضي وآخرون في معجم السرديات (هو جنس جامع  لضروب من الكتابة السردية تتخذ من ذات المؤلف مداراً لها وتقوم على التطابق الصريح بين أعوان السرد الثلاثة :المؤلف والراوي والشخصية ، وتعد السيرة الذاتية واليوميات الخاصة والاعترافات والرسم الذاتي والمذكرات من أشهر كتابات الأنا ، فهذه الأشكال من الكتابة وان اختلفت فيما بينها وتنوع توظيفها لتقنيات السرد، فإنها تلتقي في اعتماد حياة المؤلف مصدراً للكتابة ومادة لها وموضوعاً ، وذلك بقص سيرته أو تسجيل ما يجري له من وقائع يوما بيوم أو عرض ملامحه النفسية والجسدية أو استحضار ذكرياته عن الناس والعصر) ، وينضوي الكتاب تحديداً تحت راية (المذكرات) التي وصفها القاضي على انها ( جنس من أجناس القص المرجعي الوقائعي، إذ يفترض أنها تقول ما حدث فعلا وتزعم الصدق والدقة  ضمن ميثاق مرجعي معلن منذ العنوان ) ، وقد وصف الروائي كتابه بإستهلال مقتضب على الغلاف الخارجي للكتاب (رؤى شخصية ومواقف لمسعف في تظاهرات أكتوبر العراقية ٢٠١٩) ، إذ كان (المسعف) هو ذاته الكاتب والشخصية الرئيسية والراوي في نفس الوقت ،  يسرد بكل حيادية وموضوعية احداث ومواقف جرت بالفعل في ساحة التظاهرات وخاضها فعلياً كالجندي الباسل الذي يذود عن أرض الوطن بكل شجاعة وصلابة ، ويعتبر الراوي في هذه المذكرات حاضراً ومشاركاً في الأحداث وجزء منها ايضاً وصانعها في أغلب الأوقات، فهو يسرد ما حدث معه مشفوعًا ببيان الموقف منه، وكثيرًا ما يقول حدث معي كذا، فعل فلان كذا، تعرضت لكذا، ويسوق الأمثلة بذكر الشخصيات الأخرى المشاركة في الموقف وبيان مدى دورها فيه ، وقد وصف الدكتور طه وادي الراوي المشارك (بأنه النمط الذي يقوم بدورين الراوي والشخصية في آن واحد وفي الغالب تكون الرئيسية لذلك يكون الراوي والشخصية  متساويان في العلم بكل قضايا المبنى القصصي وهذا الشكل من اشكال السرد يعد اقرب الى ادب الاعتراف ممايضفي على النص قدراً من الشاعرية المتدفقة) ، فهذه المذكرات صادقة كتب سطورها الروائي ، ناقلاً فيها ماعاناه أيام تظاهرات أكتوبر العراقية أو ماتسمى بـ (ثورة تشرين) ، و تمتاز هذه المذكرات بالمصداقية والحيادية في نقل الأحداث، والمنظار الواسع لتصوير الوقائع التي حدثت على مدار ثلاثة أشهر في بغداد ومحافظات العراق الوسطى والجنوبية ، فقد كان الكاتب متواجداً بذاته ووجدانه كمسعف في رحم المعاناة ، وشهد الحادثة بأم عينه ولهفة روحه التي تبدو جلية من خلال سطوره ، ومن اهم الفروق والمقومات التي تميز جنس المذكرات عن السيرة الذاتية كما ذكرت الدكتورة أسماء بنت عبدالعزيز الجنوبي هي (الاهتمام بالوقائع أكثر من الذات … عدم الالتزام الكامل بسرد مختلف مراحل الحياة …لا يلتزم فيها بالتسلسل الزمني الممتد فقد تجيء مجزأة أو منفصلة لأنها لا تروي حكاية حياة بل تروى مشاهدات تلك الذات التي عاشت الحياة … دافعها الرئيسي رواية الوقائع والمشاهدات وفق رؤية ذاتية) ، وهذه الفروقات قد ظهرت جلياً في مذكرات (الأيام الملعونة) اذ اتخذ الكاتب حقبة زمنية ممتدة من (سبتمبر ٢٠١٩) الشهر المُلتهب الذي كان بمثابة البداية التي تُنذر بقيام الثورة ، مستعرضاً خروج خريجو كليات الهندسة في عموم البلاد ، واعتصام جنود الجيش المفصولين من الخدمة اثناء حرب داعش ،انتفاضة واعتصام ذوو الشهادات العليا والتي كان لها الأثر الأبرز على الشارع العراقي ، التي واجهتها الحكومة بالتجاهل وتسفيل المطالب و القنوات الحكومية بالتضليل ، ليرتفع مستوى الاعتصامات بهجمات مواقع التواصل الاجتماعية ومنشورات الناشطون المدنيون على حساباتهم ،وصولاً إلى الحادي من أكتوبر عندما اشعل الثوار لهيب الثورة السلمية والودية والتي قابلتها الحكومة بالقمع والقتل ، وصولاً إلى (٦ ديسمبر ٢٠١٩) الذي انتهى بمجزرة السنك وملابساتها الغامضة و التي سقط اثرها خمسة وعشرين قتيلاً وأكثر من مئة جريح حسب الإحصائيات الرسمية ، وقد أولى الكاتب أهمية قصوى بالأحداث وتفاصيلها المشحونة بالحزن العميق والألم والظلم الكبير ، والمواقف الثورية التي كانت تضوع برائحة الدم والبارود والموت على أرض الوطن المخذول بحكومته الفاسدة والمتآمرين ضده ، ووصف ما عاناه أبناء الشعب وسط بلدهم المنهك والمتهالك من غربة وتجرد من الهوية والحرية ، فبالرغم من انهم طالبوا بأبسط حقوقهم بكل سلمية و ودية مثل ؛نريد وطن و نازل آخذ حقي وغيرها من الشعارات السلمية الا انهم وجهوا بإسلوب قمعي ؛مثل فرض حظر التجوال وقطع الانترنت والتفريق بالماء الحار والقنابل الدخانية وقتلوا بالرصاص الحي وكان القناص يتسلى برؤوسهم وأجسادهم وهو يتصيدهم مثل الغزلان في البرية ومجزرة شاطئ دجلة ومجزرة السنك وغيرها ، ومن الجدير بالذكر ان الكاتب قد نقل الوقائع كما هي بالواقع بكل حيادية لانه كان في

رحم المعاناة يزاول عمله وواجبه اتجاه وطنه واخوانه المتظاهرين ، كمسعف يحمل روحه بين كفيه وينتقل بين المفارز الطبية وسيارات الاسعاف والخيم المخصصة للدعم الطبي ومعالجة المصابين وتقديم المساعدة اللازمة لهم بأقل وابسط المستلزمات الطبية لجعلهم اكثر مطاولة وثباتا في ساحة التظاهرات، ولم يغفل الكاتب عن ذكر البطولات التي قام بها المتظاهرون والثوار أبناء هذا الشعب ومن مختلف الطوائف والمذاهب والأديان مثل صائدو القنابل الدخانية ، و خيام الخدمة التي تقدم الطعام للمتظاهرين ، وسيطرتهم على المطعم التركي المطل على ساحة التحرير وجسر الجمهورية والذي اصبح القلعة الحامية بالنسبة لهم ، وتحويل ساحة التحرير ونفق السعدون الى لوحة فنية مُدهشة بيد الشباب الموهوبين والفنانين للتعبير عن مطالبهم وسلميتهم وتكاتفهم ، العوائل التي توافدت الى أماكن التظاهرات التي تعج بالحميمية الكبيرة والاناشيد والاغاني الوطنية والثورية ،و دور (التّكتُك) واصحابه الذين اصبحوا من رموز تظاهرات أكتوبر لما قدموه من خدمات للمتظاهرين وبلا مقابل ، الفرق التطوعية التي ساهمت مساهمة كبيرة بتنظيف جميع ارجاء الساحة دون تعب او ملل، وغيرها …ان هذه المذكرات اهتمت بالوقائع اكثر من الذات رغم ان مشاعر الذات كانت حاضرة وبقوة ، من خلال سرد الوقائع والمشاهد والاحداث وفق رؤية ذاتية بحتة عبر من خلالها الكاتب عن وجهة نظره وتحليله الفكري والفلسفي والنفسي والعلمي لبعض المواقف والقضايا ، كما نقل مشاعره للقارئ بطريقة تقريرية وواقعية  وموضوعية بعيداً عن الشاعرية المفرطة، مما جعل المتلقي يغور في أعماق ثورة الغضب وتُستحث مشاعره الوطنية لاارادياً ، مع ترك مساحة من الحرية لابأس بها امام القارئ ليكون أفكاره ومعتقداته الخاصة إتجاه تلك الثورة ، ويقيم المشهد عن كثب ، ورسم صورة شاملة في مخيلته لماحدث من ناحية المسببات والنتائج وكل ما بينهما من صراع مابين الشعب والحكومة والأحزاب والميليشيات والمندسين والمتظاهرين والدخلاء والضغوط الخارجية والداخلية والجهات السياسية والدينية وحتى المجتمعية وغيرها… اما من ناحية عتبة العنوان والتي وصفها نزار قبيلات في تمثلات سردية ( ان العنوان علامة لغوية فارقة ومصطلح اجرائي ناجح في مقاربة النص الأدبي ومفتاح أساس للولوج الى اغوار النص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها) ، فقد عمد الكاتب على اختيارها فقد اطلق هذه التسمية على الأيام التي قضاها فعلياً في ذلك المكان الدموي ساحات التظاهرات ، وكما ذكر (نعم ،انها أيام ملعونة …الأيام التي يتساقط فيها الشباب صرعى لان ذنبهم الوحيد هو المطالبة بالعيش الرغيد في بلد مسروق من شماله الى جنوبه) و (لايمكن ان نصف تلك الأيام التي يقتل فيها الناس من دون ذنب سوى بالايام الملعونة) …

المشـاهدات 378   تاريخ الإضافـة 20/03/2023   رقم المحتوى 17032
أضف تقييـم