الثلاثاء 2024/4/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
القرار السياسي
القرار السياسي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين عبدالقادر المؤيد
النـص :

القسم الأول

إن القرارات السياسية لا يصح أن تتخذ بعفوية أو عشوائية ، و لا يصح أن تكون خاضعة للقيم الفردية بمعنى المنافع و الاعتبارات الفردية كالحفاظ على المكانة أو المنصب أو زيادة المكاسب المعنوية أو المادية للشخص . و كذلك لا يصح أن تكون خاضعة للقيم السياسية الفئوية بمعنى المنافع الفئوية كالاعتبارات و المصالح الحزبية و الفئوية على حساب المصالح العامة . إن عملية اتخاذ القرار السياسي ، تتأثر بالعديد من العوامل ، و لكنها يجب أن تراعي القيم الآيديولوجية التي تتبناها الدولة أو السلطة الحاكمة ، فالقضاء على بؤر الإرهاب ، و مكافحة التطرف ، و ترسيخ قيم التمدن و الحضارة الحديثة ، تشكّل قيما أساسية للنظم الديمقراطية و الدول المدنية القائمة على العلم و العقل .علاوة على ذلك هناك القيم السياسية التي تنسجم مع المصالح العامة ، مثل تحقيق الاستقرار و السلام و ترسيخ التعايش . إذن لا يصح لصانع القرار و متخذه ، أن يهمل أو يتغافل عن القيم الآيديولوجية و السياسية هذه ، فيجب أن يراعي الخيارات و البدائل التي تضمن تأمين هذه القيم . يطلق الدكتور جميس أندرسون في كتابه صنع السياسات العامة تعبير القيم دون تمييز بين المنافع و المباديء ، فيرى أن المصالح الفردية و المصالح الفئوية لصانع القرار قيم يسميها القيم الفردية و القيم السياسية . إن هذا التعبير قد يخلق تشويشا يجب تجنبه عبر تسمية المعاني بدقة ، بالتمييز بين المنافع و المباديء ، و هكذا يجب تسمية القيم الفردية مثلا بالمنافع الفردية ، بينما تختص المباديء السياسية و الآيديولوجية بتعبير القيم .  إن عملية صنع و اتخاذ القرار السياسي ، عملية معقدة يتضافر فيها البعد العقلي و النفسي و المعلوماتي ، فهي تحتاج الى تفكير معمق و عقل قادر على استيعاب جوانب القضية و تحليل أبعادها و مآلاتها ، و تحتاج الى شعور عال بالمسؤولية و يقظة الضمير ، فهي تتعلق بمسار بلد و دولة و شعب و فد تتعلق بالمصير أيضا ، و انعكاسات القرار لن تقتصر عادة على صانع القرار و متخذه ، و إنما على الدولة و المجتمع ، سواء أ كان هذا القرار يتصل بالسياسة الخارجية أو بإدارة الأمور داخل الدولة ، و يدرك صانع القرار و متخذه أن مهمته تتمحور في جلب المصالح و دفع المفاسد ، و أن أي خطأ في تشخيص المصلحة أو المفسدة أو الموازنة بينهما عند التضاد ، يسبب إشكاليات و قد يفضي الى ويلات . و من هنا كان الجانب النفسي مهما جدا سواء في الشعور بالمسؤولية أو التحلي بأكبر قدر من الموضوعية و تجنب المزاجية و الميول و الرغبات و الأهواء الذاتية . إن صانع القرار و متخذه بحاجة الى قدر كبير من الموضوعية يمكنه من رؤية الأمور على حقيقتها للوصول الى القرار المنسجم مع طبيعة الأشياء .و لا بد لصانع القرار و متخذه من المعطيات اللازمة في الوصول الى القرار السياسي . و هذا الجانب على درجة عالية من الأهمية ، إذ يرتبط نجاح أو فشل صانع القرار و متخذه بمقدار إحاطته بالمعطيات في الموضوع الذي يريد الوصول الى القرار بشأنه . إن كلا من علمي السياسة و الاجتماع قدم النظريات و المعايير العلمية التي يجب أن يستند اليها صانع القرار السياسي و متخذه ، ليتجنب العفوية و العشوائية في صنع القرار و اتخاذه .و من هنا فإن السياسي سواء أ كان في السلطة أو في المعارضة ، لا بد أن يعتمد المعايير العلمية ، و هذا يتطلب منه أن يكون عارفا بها ، إما عبر دراسته لها أكاديميا ، أو امتلاكه للثقافة اللازمة و الاطلاع على الأبحاث و الدراسات المتصلة بهذا الشأن .و أما الاعتماد الكامل على مجرد التجربة السياسية و تراكم الخبرة ، فهو و إن كان مهما ، و لكنه ليس كافيا ، لا سيما بعد التطور الهائل في علمي السياسة و الاجتماع ، و كذلك ما بلغه النظام العالمي من تطور و تعقيد على كافة الأصعدة .لقد اتضح أن عملية صنع القرار و اتخاذه ، يجب أن تستند الى منهجية علمية ، لتتسم بالنضج و الرشد ، و تنسجم مع الطبيعة المعقدة و الحساسة لها .و لقد قدّم علماء السياسة و الاجتماع ، عدة نظريات في هذا المجال ، كانت كل واحدة منها مدار بحث و نقد بينهم . و لكن القاعدة الأساسية التي يجب تمهيدها قبل صياغة النظرية ، و كذلك عند مناقشة النظريات المطروحة ، هي : ما هي المواصفات اللازم وجودها في أية نظرية تتكفل ببيان منهجية صنع القرار السياسي و اتخاذه ؟ فإنه - برأيي - من دون أخذ هذه المواصفات بعين الاعتبار ، ستقع إشكالية جوهرية في صياغة النظرية أو في مناقشة النظريات المطروحة ، و هو ما سنقف عليه عند تقييم النظريات المطروحة ، و نلمسه عند محاولة صياغة نظرية بديلة في هذا المجال .و يمكن تحديد أهم المواصفات المشار اليها في عدة نقاط أذكرها بشكل مركّز . و هي :-١- أن تكون النظرية عملية ، فالنظريات المثالية مهما كانت نموذجية ، إلا أنها غير مجدية للسياسي في مجال العمل و التطبيق ، فليس كل قرار سياسي يمكن طبخه على نار هادئة حتى يستكمل عناصره التفصيلية ، و ليس كل قرار سياسي يتاح لصنعه و اتخاذه من المعلومات ، ما يفرض على السياسي استيعابها أو التريث حتى استجماعها ، و ليس كل قرار سياسي يحتاج الى الالتزام بالسقف النموذجي لعملية صنعه و اتخاذه . و بناء على ذلك ، فإن المطلوب من أية نظرية تحدد منهجية صنع القرار السياسي و اتخاذه أن تكون عملية ، كي تكون قابلة للتطبيق و الاستفادة . و يترتب على ذلك أن تكون النظرية مرنة تعطي للسياسي البوصلة في مختلف المساحات و الأصعدة ، و لا تقيده بقالب أو قوالب تصلح في ظرف دون آخر .٢- أن تكون النظرية عميقة ، فالنظريات السطحية ، لا تعدو أن تكون مجرد ثرثرة في ميدان علمي ، و لأن النظريات السطحية لن تكون قادرة على انتشال القرار السياسي من العفوية و العشوائية ، و الذي هو الهدف الرئيس من ترشيد القرار السياسي . و بالتالي لا بد أن تكون النظرية قادرة على سبر غور عملية صنع القرار و اتخاذه ، و لا تتناولها بالشكل أو بالنظر الى جملة من التطبيقات . و يترتب على ذلك أن تكون النظرية مستوعبة لمجالات العمل السياسي و التي هي الحقل الطبيعي لصنع القرار و اتخاذه .٣- أن تكون النظرية معيارية ، فالنظرية المطلوبة في هذا الشأن ليست مجرد اقتراحات و توصيات ، و إنما هي منهج علمي لترشيد عملية صنع القرار و اتخاذه ، و هذا ما يستدعي أن تصاغ وفق معايير علمية ، و أن تكون حصيلتها معيارا علميا يستند اليه تقييم ما يقوم به العاملون في المجال السياسي في صنع القرار السياسي و اتخاذه .  و بالنظر الى كل هذه النقاط ، يمكن أن نستنتج أن النظرية التي تطرح في هذا الشأن ، ليس بالضرورة أن تتضمن أسسا موحدة لكل عمليات صنع القرار و اتخاذه ، و إنما يمكن أن تضع مجموعة من الأسس حسب تنوع عملية صنع القرار و اتخاذه في متطلباتها و مقتضياتها .

 

 

 

 

المشـاهدات 552   تاريخ الإضافـة 27/03/2023   رقم المحتوى 17505
أضف تقييـم