الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
الحاكم الصموت!
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د.حميد عبدالله
النـص :

خلال زيارته المفاجئة لمحاكم البياع توقف وزير العدل الأسبق منذر الشاوي عند قاض شاب   يتدفق  حراكا  وحيوية ، ممزوجة برصانة وهدوء ، فسأله الوزير :  كيف تم تعيينك هنا وانت في مقتبل العمر؟  ألا تفرض  السياقات عليك   ان تمضي  السنوات الأولى بعد تخرجك في الاقضية والنواحي قبل  أن تنتقل الى بغداد ؟

أجاب القاضي الشاب بثقة :  أنا من الأوائل على دفعتي في المعهد القضائي  ياسيادة الوزير.

صمت الشاوي قليلا   قبل أن    يكمل  جولته التفتيشية لكن صورة ذلك  القاضي المتوهج نشاطا لم تفارقه ، وحين سأل عنه كبار المسؤولين في وزارة العدل اكدوا له تفوقه  ،  وغزارة  ثقافته القانونية ،  واحاطته الواسعة في تخصصه ، عندها صار الشاوي يحيل  اليه اخطر القضايا وأكثرها  تعقيدا ،  ثقة به لا اثقالا عليه!

لم يخطر ببال ذلك القاضي  ى ان يكون  ذات يوم قاضي قضاة العراق ، ورئيس مجلس القضاء الأعلى  .

انه فائق زيدان رئيس السلطة القضائية الذي  يهابه كبار رجال الدولة ، ويحسب له ساسة البلاد وقادتها الف حساب.

 أثناء عمله قاضيا في المحكمة المركزية ،  أو رئيسا لها سأل زيدان احد عتاة الإرهابيين سؤالا  هو مزيج  من المزحة والاستكشاف قائلا للمتهم: لو اخرجتك الان من السجن  ماهو اول عمل تقوم به؟

اجابه المتهم  بصلف : اول شيء اخطط له وانفذه هو ان احرق بيتك ، واقتلك أنت وافراد عائلتك ، ضحك زيدان ضحكة مجلجة ،  وبدلا من أن تتغير قناعته باتجاه تغليظ الحكم على المتهم راح يدقق  القرائن والأدلة ، ويفحصها بعين القاضي المتجرد من كل غرض مسبق   ليستخلص منها الحكم  الذي  ينسجم مع الجريمة من غير كراهية ولا غل!

نجح زيدان في أن  يعطي للقضاء حقه من الهيبة  والاستقامة  والاستقلالية ، ومن خلاله ، ومن تحت عباءته  خرج قضاة شجعان ، يمتلكون مقومات القاضي الناجح والعادل   ، ومن خلاله ، وبوجوده على رأس السلطة القضائية صارت السلطات الأخرى تتحاشى الاقتراب من القضاء بالضغط او التأثير ، او محاولة  الاستمالة بالترغيب ، او لي الإرادة بالترهيب  ، والذين جربوا ذلك ندموا قبل   ان يفشلوا.

عرضوا على زيدان منصب رئيس الوزراء غير مرة  فاعتذر ، بل  اختار ان ينأى بنفسه عن صراعات السياسة ومعاركها ، خاصة في بلد صار  الحصول على  ادنى المناصب فيه  يحتاج الى مقايضات مكلفة ليس اقلها  التفريط بنظافة الذمة ، ونقاء السريرة الوطنية!

في لحظة  مشحونة بتجاذبات السياسة وصراعاتها ،  اريد للفوضى ان تختطف القرار القضائي فاقترب  زحفها  الى  مبنى مجلس القضاء ، وما كان أمام قاضي القضاة الا ان يثبت  ،  وبعكسه فان آخر دريئة  تحتمي  بها البلاد ، ويلوذ بها العباد ستنهار وتسحق ، فاتخذ قراره  الشجاع بإيقاف عمل المحاكم  ، وكان   موقفه   بمثابة  رسالة شديدة الوضوح   مؤداها  اذا صودر القضاء لحساب أي طرف فلا معنى للدولة بعده !

ورث زيدان عن سلفه مواريث غير محموده ،  ورتوق يصعب رتقها ،  فبعض تلك المواريث  طعنت الدستور مرة،  وقفزت على المألوف والثابت  مرة أخرى.

كانت الفتاوى  تطبخ في مطابخ السياسة ، وتمهر بأختام أصحاب السلطة  قبل ان     ترتدي ثوب القانون المهلهل ،  فتبدوا  مطوعة مروضة  لايخطئ تسييسها لبيب ،

 وبالنتيجة  فان  سلطة المال والنفوذ ، وبريق الترغيب ،وشبح الترهيب  تظافرت وانتصرت على روح القانون ، واختطفت  استقلالية القضاء وهيبته.

في تصريح لافت قال القاضي فائق زيدان ان تعريفه للكتلة الاكبر بانها تلك التي فازت في الانتخابات ،  وفي تصريحة هذا نسف فتوى سلفه التي صدرت تحت ظلال السيوف ، وربما  تحت اغراءات  الورق الأخضر.

زيدان قليل الكلام كثير الصمت لكنه يفتي حين يرى ان اللحظة قد حانت لتصحيح الاعوجاج.

اذن هو الحاكم الصامت  الصموت في زمن يتهافت  في الاخرون ليكونوا حاضرين في ا المناسب وغير المناسب من الاوقات

    

المشـاهدات 780   تاريخ الإضافـة 30/07/2023   رقم المحتوى 26495
أضف تقييـم