الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
وداعا فارس الكلمة والموقف
وداعا فارس الكلمة والموقف
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب كتب رياض الفرطوسي
النـص :

واخيرا ترجل شيخ الصحافة وذاكرة الاجيال الكاتب والصحفي طلال سلمان ‘ الذي خط على مكتبه عبارة ( الذي علّم بالقلم ). فكان قلم طلال سلمان من ذهب. ترك خلفه مسيرة صحفية رائدة وملتزمة وبارزة على مستوى الفكر والمهنية الصادقة . لقد كان ظاهرة صحفية بارزة على طول المساحة العربية من خلال صحيفة السفير حيث نشر العدد الاول منها بعد نكسة عام 1973 ‘ كان عنوان الصحيفة في البداية واضحا ( لسنا ناقلي اخبار ولا لاهثين وراء سبق صحفي وانما نحن رسل مهمتنا مساعدة الشعوب العربية على ان تكون ملمة بقضاياها وتميز عدوها من صديقها ) . بعدها انطلق مشروع السفير فكانت جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان . كان اسمها السفير ( لكنك لا تشم رائحة السفارات فيها ) لذلك احبها الناس وتعلقوا بها . رسم الراحل طريق رؤيته واضحا في مسيرة شجاعة بهوية مبدئية وموقف ثابت . يؤكد على ان الصحفي قبل ان يكون صحفيا يجب ان يكون اديبا ومثقفا وملما بشؤون الحياة . فتحت جريدة السفير المجال امام الكثير من الاقلام العراقية البارزة في الصحافة ‘ ونحن مدانون له بوصفنا عراقيين لانه عاش اوضاعنا واحلامنا حيث كانت له الكثير من اللقاءات والحوارات مع كبار الشخصيات الثقافية والفكرية والادبية والسياسية . لم يقتصر دوره فقط على العمل الصحفي فقد تمدد بقدر مساحات عطاءاته في المجال الثقافي والفكري وبناء الاجيال التي حفظت كتاباته وتحليلاته ومصطلحاته السياسية المبنية على الوعي لاهمية القضايا الكبرى والانتماء لها والايمان بها. اسس لثقافة اعلامية وصحفية ومهنية وتحررية ‘ كذلك اسس لتوجه عقائدي ومبدئي ‘ فلسفته قائمة على انك ممكن ان تكون مشهورا ونجما وتوزع صحيفتك في كل ارجاء المعمورة لكن بنفس الوقت يمكنك ان تكون صاحب موقف ومبدأ وقضية وان تكون واضحا في تصديك لهموم الناس  كان طلال سلمان مدرسة صحفية واضحة المعالم معبر عن وجدان الامة واهدافها ‘ حتى ترك بصمة مميزة في الصحافة وفي الفكر التحرري ‘ لانه من المنادين بالحرية ‘ ومنذ دخوله عالم النشر ‘ اسس لاعلام ملتزم خاصة في فترة كان الاعلام فيها يعيش على فضاء ( الصالونات ) والعلاقات ‘ مع الانظمة ومراكز النفوذ والقرار والقوى المختلفة . كان هو يتجه مع هموم الشارع وازمات المجتمع على مستوى اجتماعي وفكري وسياسي وثقافي ‘انعكست شخصية طلال سلمان على صفحات السفير دورا وفكرا . نجح في ان يجمع كل اطياف هذه الامة ومن كل الاتجاهات الفكرية والتنويرية واليسارية والاسلامية على اختلاف متبنياتهم . جعل من السفير مختبرا اعلاميا تتلاقح فيه الافكار . طلال سلمان وضع بذرة ارساء اخلاق المهنة التي لم يحد عنها يوما حتى مماته ‘ فكانت السفير بوصلة يتجه لها الناس منذ الصباح الباكر لانهم كانوا على يقين ان في صفحاتها تؤرخ قضاياهم وهمومهم وكتابهم وشعرائهم . ولان الناس لا صوت لهم كانت السفير ( صوت الذين لا صوت لهم ). امتلك طلال سلمان الثقة الكاملة بمشروعه وبنفسه من دون استعراض او تبجح . عرف عن الصحافة التكرار بشكل عام والاسفاف والتكرار والملل والتقليد الممجوج لكن طلال سلمان نفض الغبار عن مهنة الصحافة ‘ عرف بأسلوبه السهل الممتنع . استطاع ان يخلق فتح حوارات مع شخصيات كان مختلفا معهم لكنهم لم يستطيعوا ان يفعلوا مثله . هو المثقف العضوي والصحفي الذي انتمى للقضايا الوطنية العادلة . هناك من يكتب لاجل الكتابه لكنه كان يناضل بقلمه وكأنه يحمل سلاحا يقاتل فيه. طلال سلمان رحل عنا جسدا لكنه سرعان ما غادر جنازته وعاد بقامته الرفيعة الى مكتبه ليسجل لنا ارثا غنيا من الجرأة في الكتابة والمواقف الرصينة تتناقلها الاجيال.

المشـاهدات 147   تاريخ الإضافـة 29/08/2023   رقم المحتوى 28144
أضف تقييـم