
![]() |
رمضان والشيطان - قصة قصيرة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : د. محمد ضباشه عضو اتحاد كتاب مصر
الشيخ رمضان رجل في العقد السادس من العمر، كفيف البصر، يعيش بمفرده في منزل صغير متهالك مبني من الطوب اللبن و مسقوف بالبوص، كائن في إحدي قري مصر، في أحد الأيام قبل آذان العشاء بدقائق سمع مذياع الجامع يقول: أن غدا هو أول أيام شهر رمضان المبارك، قام من مكانه وتوجه إلى وعاء من البلاستيك موضوع بجوار الحائط ، فتح الغطاء وتحسس ما به، فوجد بقايا خبز جاف، وقطعة من الجبن الأبيض فرفع يديه إلى السماء يدعو الله العفو والعافية، تحسس الحائط حتى وصل إلى وعاء به ماء توضأ منه وما أن فرغ سمع آذان العشاء فعاد إلى غرفته ليصلي. فرغ من صلاته وبدأت الحمى تنتشر في كل جسده النحيل، تحامل على نفسه حتى جلس على قطعة من السجاد القديم إعتاد أن ينام عليها حتى نعس ، مرت ساعات قليلة وسمع ضحكات متتالية وبدأت صورة لرجل يرتدي ملابس بيضاء ذو لحية طويلة، في يده اليسري مسبحة بلون الذهب تخطف الأبصار تشق الحائط وتقترب منه بخطى بطيئة ويقول: أيها الرجل تحسست طعامك ولم تجد إلا الفتات سحورا لأول يوم في رمضان، والآن تشعر بالحمى فقل لي لمن تصلي وتصوم، تنهد الشيخ رمضان وفي صوت كالهمس قال: لله الواحد القهار، فبادره السائل يقول وهل أعطاك الله ما يكفيك؟ نعم هو العاطي الوهاب، فعاد ليسأله أما تحب أن تعيش في رغد من العيش بدلا من هذا الفقر المضجع هذا، فرد عليه الكفيف وقال من انت وماذا تريد منى وكيف دخلت غرفتي؟ تبسم الرجل وقال له أنا الوريث الوحيد للأرض بعد آبائي وأجدادي الذين قتلتهم الملائكة وكنت وقتها طفلا رضيعا فحملتنى معها إلى السماء وعلمتني أن أعبد الله وبالفعل عبدته آلاف من السنين حتى لقبت بطاووس الملائكة، وعندما خلق آدم أمرني بالسجود له فرفضت وهبطت إلى أرضي وعلى الجميع من الجن والإنس عبادتي، إنظر في تلك المرآة السحرية سوف تجد كثيرا منكم أصبحوا من علية القوم، شيوخ وفساوسة، ساسة وتجار وكتاب ومحامين ومعلمين وإناس من كل طوائف الشعب اتبعوني وهم يعيشون في أبهى حلة،وقد جئتك لتكون معهم من اتباعي، تذكر رمضان قول الله سبحانه وتعالى «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا». ظل هذا اللعين يسأله والشيخ يرد في همس ليخبره أنه راض بما قسمه الله له ولا يحتاج إلى نصائحه الضالة التي تبعد المؤمن عن إيمانه ويستجيب لوساوس الشيطان وأن من يتوكل على الله فهو حسبه ، لحظات وهم الشيخ من مكانه سكب على رأسه كمية من الماء هدأت الحمى قليلا، شاهد علامات الغضب ترتسم على وجه الشيطان فرتل قوله تعالى « قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس» وما أن دقت الساعة الثانية عشر إلا ورآه مقيدا بالأغلال ويتلاشى من أمامه رويدا رويدا. نام رمضان قليلا من الوقت ثم تناول طعام السحور وتوضأ وذهب إلى المسجد لصلاة الفجر، خرج الأسطى سعد من منزله ليقود سيارته النقل الواقفة أمام منزله وأراد أن يعود إلى الخلف قليلا إلا أن الفرامل لم تستجيب معه وهدمت مؤخرة السيارة الجدار الأمامي لمنزل الشيخ رمضان وسقط السقف من مكانه أثناء خروج المصلين من المسجد وبرفقتهم صاحب المنزل، وقد ملئت أجواء صباح اليوم الأول من رمضان عبارة لا حول ولا قوة الا بالله حزنا على ما شاهدوه. جلس رمضان بجوار حائط أمام منزله وكل المتواجدين ينظرون لبعضهم البعض فاقترب منهم الأسطى سعيد صاحب السيارة وقدم مبلغا من المال زاد عليه الجميع وتكفل أحد جيرانه ببناء المنزل بالطوب الأحمر واستضاف الشيخ في منزله حتى أتم البناء، وعندما علم الشيخ رمضان ببناء منزله فارت دموعه و قال في نفسه لو علم ابن أدم أن لحظات قليلة هي الفاصلة بين الجنة والنار لتمسك بحبل الله فهو نعم المولى ونعم النصير.
|
المشـاهدات 279 تاريخ الإضافـة 08/09/2023 رقم المحتوى 28547 |