الخميس 2024/12/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 14.95 مئويـة
نيوز بار
الانثى عطر الفردوس ورائحة الطين
الانثى عطر الفردوس ورائحة الطين
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناجح المعموري

الاطلاع على ديوان صلاح الحمداني احد احلامي المحملة بالغصون والتقطت منها الكثير من الثمار التي نعرفها نحن القراء المولعين بالاسطورة اكثر من ولعي بالشعر . لكنني التقطت ما ابحث عنه وانا اصطاد الشعر وافرز ما اريد التنقيب فيه والحفر عنه حتى تتراكم الاساطير التي لا حضور لها في الشعر بشكل واضح ومكشوف ، بل هي تتشكل عبر مفردات وملفوظات ، تبدو غير مألوفة ، بل هي من ابتكارات الحمداني ، ويتسع المجاز فيها لحظة تكونات المقاطع المكسوة بالغرابة ، وما تثيره من الدهشة والرمزيات التي لا تقوى القراءة على تأطيرها بالمعنى الواحد . لأن هكذا معنى يقتل الشعرية الفذة التي يتصل بها القارئ عبر ذكاء الحمداني وهوسه الولوج نحو فضاء جديد علينا ومعروف بالنسبة لنا ، لكن الاستمرار بقراءة نصوص " حلم بلا اعمدة " تمنحنا كثيراً من الاحلام التي لا نتمكن من تفسيرها ولا يقوى المستمع على التقاط فرص الحكمة فيها ، لكنني انا الذي عرفت الشاعر صلاح الحمداني في باريس وسط مطارها ولوقت طويل وامتد الحوار الثنائي حول مشترك ثقافي ، تحمست له ، لكني واجهت خيبة عندما تحدثت عن مشروع للتعريف بالابداع العراقي .

" حلم بلا اعمدة " تجربة شعرية مهمة ، احلم ان اجد قارئاً ذكياً لها ونتحاور معاً في قاعة الاتحاد عن مثل هذه التجربة . وسأذهب نحو غراباتي والادهاشات مع اندهاشات قريبة لي وبعيدة عن الكثير . لأني اعرف الغرابة بالذي يتكون لدي وانا اقرأ دهشات الشعرية وعقدها المجنونة والتي اعني بها الاسطورة التي اخترتها عشاً لكل ما اختارته الذاكرة واختزنته بكل ما امتلك من طاقة وتعاملت مع الاسطورة بطريقة مغايرة لا تتماثل مع ما ذهبت اليه الميثولوجيا وانشتراوسيات بل انا اقترحت غواياتي لها الخاصة وهذا ما سيتمظهر في نصوص " حلم اعمدة " الذي منح غواياتي اندهاشات للتسلل لاساطير احلام الحمداني غذتني بهمس الاساطير المبتكرة والحرة تماماً وهي تطل على شرفات بدئية من نوع جديد ، هي تومئ ولا تنطق بالمعنى الذي تشير اليه وتبتعد عن الذي عرفته الكتب الانثربولوجية والدراسات المعنية بالطقوس . إنها بدئيات بقولها الشعر وترتعش لتومئ لي لتوقظ خطان ذاكراتي وتقودني لملاحقة المكتوبات على الجدران الطينية .

بدئية الفرات وما فاضت عنه من ماء زلال وما كشف عنه الاله انكي من اسطورة الام الكبرى ننخرساك . لقد وضعت علاقة دالة على الاصل الاسطوري / البدئي الذي لم يقله الشاعر صلاح الحمداني ، بل اومأ له ، التمس به ، منحه صفة الاسطورة اليوم لرولان بارت وانا حزت ثروة الشعرية التي سأعرف بها وانا متجاور معها للغاية ، لأنها من عناصر مكونات تجربتي الايروتيكية الخاصة بالجسد . ولا غرابة ان يكون الفرات هو الحاضر ، وهو المتوتر برمزية البدئية وممنوحات الام السومرية الاولى .

حنيني يسير الان باتجاه الفرات / سيطرق بابك كالسرب الجائعة المحبة / رأسي مسمر في حائط المنفى مثل نافذة تطل على الحلم / لا ظل في البئر / سوى هذا الصرير لباب النهار / ص100//

تلبست الشعرية حنين الاله انكي في الاسطورة السومرية البدئية التي قادها سراب الخلق الاول وضغط جنون السراب ووهم البدئية التي ايقظها الفرات لحظة صحوته ليزاول الادخال ووقف منتصباً كالثور ، واختار موسمه الشعري الشهوي حيث لاذت الحياة بالنزو وتدفق ماء القلب حتى امتلاً الفرات بما أشارت له الديانات الاولى .

ولابد من التذكير بأن البدئية الكامنة في الحداثة وما بعدها والتي اشار لها عالم الاجتماع الالماني دوبان ، حيث حصل التحول بالوقائع المعروفة والموجودات المألوفة وتغيرت القيم والافكار والمعارف وقدمت ما هو جديد ، وهذا ما جعل الباب تفقد هدوءها وتصدر صريراً ، ليس في الليل وانما في النهار . وتضفي الباب عبر صوتها نحو فعل الام ننخرساك التي وقف الاله ، البطل ، كالثور ، ومثل ما فعله صلاح الحمداني ، عندما قال " رأس مسمر في حائط المنفى / مثل نافذة تطل على الحلم // هنا تلوذ البدئية الميثية ويطلق الاسطورة الجديدة التي ختل فيها المجاز ومنحها لون . 

الشفتين في المساء

***************

الرنين المرتعش ، اسطورة الجسد

ناجح المعموري

 

الذوبان في ديانات الشرق اشارات لانكشاف الجسد وهو سحري ، مسكوت عنه ، لم يعلن عنه غير الشعر وصوت الشعرية صراخ التنافذ فوق شرفة اسرار الطيور المساتية . انها موسيقى النداء وايقاع ارتياب الانثى في لحظتها الاولى التي بثت فيها ارتعاش حفي لا يدل عليه غير ارتجاف الرمشين وتيبس الشفتين .

منذ سنين اتقاسم معها شفافية الافكار

واسترق السمع الى غيبوبتها

وفي ذروة النهار الذي يلهمنا

ووجهها في المرآة

ظهرها في حضني

لا نكترث لوجودنا الخاطف

لا ادري الى اين ! ص112//

الافكار ، هي التي تعامل معها المفكر ليفيناس بوصفها عجائب الانثى السرية ، غير المعلن عنها الا في اللحظة التي تتداخل فيها العناصر الذكرية والمؤنثة . وصلاح الحمداني اول شاعر ذهب نحو الفلسفة ليقدم لنا صورة / صورة عن مجازيات الجسد الانثوي .

واكثر غرائبيات الحمداني عندما جعل الافكار هي احلام التشارك وطوفان البلل ، العطل الخجل ، حيث طاقة المجاز في النص السابق الذي تجاوز عجائبيات البدئية ولا معقوليات الاساطير ، قال ما لم يقله احد من قبل . تصاعد ارتعاش الجسد ، ونزل بلل التي حملت المرأة صورتها وايقظت ملحمة البدئية ، وتعالت قداسات الانثى وهي تهتز مرتعشة وسط المعبد العشتاري ، حيث فيضان الجسد برنين تداخل مع ايقاعات الغناء والموسيقى والطبل ، كل الاناشيد والتراتيل انثوية ، تفضي بالتشارك مع الرجل نحو اللذائذ ، وفوران الحضور ومقاومة روائح النبات المتيبس وهو يفوح وسط امتلاء اللذائذ بحضورات الانتظارات الطويلة . التي قادتني بقوة ووجع للنص السابق الذي التقط مجموعة صور مثيرة ، فيها لذيات ، شهويات ، لتعلن عن بهاء المنتج البللي " ظهرها في حضني / لا تكترث لوجودنا الخاطف / لا ادري الى اين ! . خاتمة الملحمية هو الرنين المختصر للأسطورة البدئية التي دائماً ما كانت تستيقظ عند الينابيع والابار وتسجل النوافذ احلام اليقظة وربيع الجنون الذي يعرف الحلم باعتباره يقظات تهرع نحو افاق الجسد . وهو ــ الحلم لا يكف عن الغناء ــ بل يكثر من دخان المباخر والذوبان بالأحضان او النوم فيها .

حتى لحظة الصحو عند نثيث الغيمة المبكرة الملاحقة ببللها للنافذة التي ابتكرها الحمداني شرفة للسرائر والاحلام المسكوت عنها . والتي لا يعلن عنها غير البرق والرعد واللوذ بالدثار للتكتم عن سرديات الجسد .

ولأن الحمداني شاعر لا يدنو له احد يعتز بشعريات ويؤكد التباهي باستعادة الصورة البدئية مرة ثانية ليعلن بانه هو الذي خلق ما لم يصل له احد من قبل .

اثر بعد اخر

يختلط ضوء الشمعة بالغبار

والتراتيل مع الدموع

الوجه مقابل الحائط / ص113//

بدئية التعرف من حيث تريد الذكورة النفاذ ، وفي هذا النص امتلاك بدئية الجسد مثلما يريد حاصد اللذة .

" وجهها في المرآة " ظهرها في حضني / ص113.

اثر بعد اخر / يختلط ضوء الشمعة بالغبار / والتراتيل / مع الدموع / الوجه مقابل الحائط / ص113//

المشـاهدات 425   تاريخ الإضافـة 10/09/2023   رقم المحتوى 28706
أضف تقييـم