الإثنين 2025/5/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
قراءة في كتاب أسبوع العسل رواية الكاتب :حميد الكفائي كتب : محمد السيد محسن
قراءة في كتاب أسبوع العسل رواية الكاتب :حميد الكفائي كتب : محمد السيد محسن
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

قبل أيام فرغت من قراءة رواية أسبوع العسل لكاتبها حميد الكفائي ، وهجست أولاً اني اقرأ مذكرات رجل مغامر ، لا يرعوي ان يمضي قدماً ليكتشف ويترك بصمة اكتشافه ، بيد انه كان حذرا جداً ، رغم انه الرجل الشرقي في بلاد الغرب .

الرواية انطوت على منظومة مفاهيم شرقية في بلاد الغرب ، وتعرضت لقضية خطيرة قد يعاني منها كل الذين هربوا من بلادهم الى حلم الحرية في بلاد بعيدة كنا نسمع من ابائنا واجدادنا حديثاً عن سمو اخلاق سكانهم ، رغم انهم لم يكونوا من ديننا ، لأننا كنا نربط الاخلاق بديننا فقط ، ولم نكن حينها نعلم ان المنظومة الأخلاقية تأسست عند الانسان قبل أن يكون الدين وتخترع العبادة.

تطرق حميد الكفائي الى قضية الاندماج مع المجتمع الذي يؤوي المهاجرين ، والذين وصلوا بلاد الغرب بملء ارادتهم ، هرباً من معاناتهم في بلادهم ، بغض النظر عن شكل المعاناة اذا كانت سياسية ام اجتماعية ام غيرها.

انا شخصياً عانيت كثيراً من قضية الاندماج مع مجتمع الغرب ، وقيمهم التي يتعارض بعضها مع ما تكدس في دواخلي من عوالق الدين والخلق العام.

انا غير نادم احياناً اني لم اندمج مع المجتمع البريطاني الذي قضيت فيه ما يقرب من عشرين سنة ، ليس لأني لم اؤمن به ، وانما لأني دخلت هذا المجتمع مع زوجتي وطفلين ، حرصت ان اغرس في طفليِّ ما يحصنهما مستقبلاً ليحافظا على القيم التربوية التي نشأت عليها ، وتربيت في كنفها ، بيد اني سألت نفسي وانا استمتع بقراءة احداث الرواية ، لو قُدّر لي ان اصل اوربا لوحدي دون عائلة وأطفال ، فهل ساكون كما انا الاب والزوج المثالي ، الذي يحرص على ان يكون أسوة لعائلته ؟ في الحقيقة لم استطع الإجابة لأن افتراض التجربة دون واقع يبقيها في حكم الافتراض ، ولا يستطيع ان يدخل حيز الواقع.

تبدأ الرواية من البرتغال حيث يعمل سليم "بطل الرواية" في شركة "الرغبة" وهي مؤسسة خدمية تتعامل مع قضايا زبائن معظمهم من غير مواطني البلاد ، لذا كانت الحاجة لتوظيف من يجيدون اكثر من لغة ليتواصلوا مع الزبائن حسب لغاتهم وبشكل يسير.

ومثل كل شرقي ، كان اول عضو يشتغل عند سليم عيناه ، حيث يعتقد جازما انهما سيوفران له قدراً كافياً من الآمال والهواجس ، ليستميل الإناث ولكن بتوئدةٍ تتناسب ومعروض الواقع المعاش.

فهو يتمنى ، ولكنه ينتظر من الطرف الاخر القبول أولاً ، حيث لم أجد في الرواية أي تحرش ، او فرض علاقة من طرف على طرف ، كانت العلاقات بين الذكور والإناث تحددها سمات القبول  والاستجابة من الطرف الاخر.

ويشرح لنا الكفائي الذي يكتب عن سليم وهو يخوض نقاشات مع عرب متشددين ، وكيف ينظرون الى عالم انتقوه ليعيشوا في كنفه ، لكنهم يحتقرونه ، ولا يقتنعون بمحبة له ، رغم انهم استبدلوا ديارهم التي تفيض بعقائد يعتنقوها ، وجاءوا بلاداً اقل ما يمكن ان يتهموها بالكفر ، كان هذا الجدل عند الكفائي يتقدم ببطء شديد في الرواية ، حتى تطور نحو القبول أحيانا ، او ترسيخ مفاهيم الرفض في أخرى.

واما ثيمة الجدل في الرواية ، فكان يتجسد في قدرة القادم الى بلاد الغرب على التطبع والتعلم والتمرد معاً ، حيث يحس المغترب بضرورة التطبع بقبول فكرة العيش بعيداً عن فكرة الدين المتجذر في شخصية القادم ، فيما يدفعه طلب الرزق الى تعلم اللغة وبعض الطبائع واهمها قبول التعايش مع الاخر وفق منظور انساني ، وتخلوا ممارسة هاتين من التمرد أحيانا بغية الإحساس بالحرية أولاً ثم اقتناص فرصة الحرية ثانيا. ، وكلاهما كانا ذنباً لا يغتفر في بلاده.

انا اعتقد ان حميد الكفائي كتب رواية اقرب الى التحليل الاجتماعي لشخصية المغتربين في بلدان اوربا ، فهم جادّون في علاقاتهم البنّاءة ، لكنهم منافقون في قدرتهم على الاستمرار بتلك العلاقات وادامتها ، بل والخجل من التواصل معها.

انها محاولة أدبية لتفكيك سيرة جيل من العرب والعراقيين سبقوا غيرهم ، بيد ان بعضهم انضم لاحقا بمن جاء من بعدهم لمزايا يجتمعون عليها ، قد يكون أهمها الحنين الى الوطن ، واختلاط هذا الحنين بالعادات والتقاليد ، وهاجس عدم التفريط بالتأريخ.

أتمنى ان اقرأ أدباً مثل ما كتب حميد الكفائي بلغة بسيطة ، استطاع من خلال سرد الاحداث ووصف بعض العوارض النفسية والهواجس المستحدثة ان يفكك الوعي الشخصي ، ليلقي علينا رداء التأويل ، واستفهامات التحليل ، خصوصا ونحن نمر بمرحلة اندثار النقد الادبي الذي كان بمثابة آلة تعصم الكاتب من الاطناب والاسهاب.

دار الفينيق للنشر و التوزيع ...عمان ..المملكة الأردنية الهاشمية

الطبعة الأولى

2023

المشـاهدات 858   تاريخ الإضافـة 30/09/2023   رقم المحتوى 30091
أضف تقييـم