حينما يغيّر شهريار مكانه قراءة في المجموعة القصصية (شهريار يغيّر مكانه) |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : د. عبدالحسين علوان الدرويش يؤسس القاص الدكتور صادق رحمه محمد خطاباً فانتازياً (fantasy) في مجموعته القصصية الاولى (شهريار يغيّر مكانه) الصادر عن دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع سنة 2023م , والتي يتصدر عنوان المجموعة (قصص ما يكروية) , حيث تناول الواقع الذي يعاني اختلالاً وارتكاساً يجعله قابلاً لهذا التصدي الذي يكشف عن خوائه وزيفه , وازدواجية النظرة الى الأحداث والانقلابات التي أطاحت بالطغاة من أعالي القمم المادية والمعنوية الى اسفل سافلين , وهذا ما ينطوي عليه من ظواهر تثير السخرية وتبعث على التهكم , مما يعمق من هذا التوجه استلهام الواقع عبر متواليات (قصصية ما يكروية) تعتمد من حيث الصياغة الاسلوبية على فن القصة القصيرة جداً او الومضة القصصية بوصفها الوسيلة والاسلوب الذي يمكنه الاشتباك مع معطيات واقع يعاني التناقض والمفارقات والخلل. الذاكرة تقودني الى الكاتب المشهور (كوتون ماثر) الذي وضع على باب غرفته الموعظة التي تصلح لكافة المؤلفين من كل الاجيال : (أوجز) باعتقادي اذا ما طبقت تلك النصيحة على الأدب المعاصر فإن خير ميدان لها وأنجحه وأكثره اثارة هو القصة القصيرة جداً , التي هي اقرب الى (السكيج) وتكون عادة من اشد انواع الأدب القصصي صعوبة في الاتقان , حيث انها تتطلب صيغة من نوع راق اضافة الى قابلية ورهافة في الحس والابتكار والخلق , وهي ليست تكديساً للأوصاف والأفكار في سطور معدودات في ذهن القارئ ومشاعره , بل هي امتدادات في زمكنة الحدث والفكرة الطارئة وتكثيف ذكي واشارة واعية لحالة انسانية من خلال رؤية القاص للحدث الذي يجد فيه البطل متلبساً بالنص , وامكانية اعطاء القصة القصيرة جداً بُعداً سياسياً وفلسفياً واجتماعياً واقتصادياً أكثر مما تعطيه اساليب السرد الاخرى. والغطاء الذي يلبس القصة القصيرة جداً هو الضغط او ما يسمى بالتكثيف..!! قد يقول ان هذا اللون من الأدب قد برر وجوده لأننا نعيش في عصر السرعة والتكنولوجيا فيتحتم علينا ان يولد أدب جديد يحاكي العصر وتحولاته , وان الوقت لم يعد يتسع لتصفح قصة قصيرة او قصة طويلة او رواية. وهذا الاستطراد جاء مطابقاً لمقدمة القاص ص7-12 , من تسمية القاص (القص الفجائي) اذ يجد القارئ نفسه فجأة في الحدث دون اية مقدمات , بذلك يكون باختصار اعتماده على الإيحاء والغمز والاشارة غير المباشرة. كما استطيع القول ان الدكتور القاص رحمه غاص بأعماق المهمل والمتروك والمحذوف وحافات الأمكنة والخرائب , يبحث عن المكتوب بخطوط متعرجة على جدران دورات المياه العامة , وعلى مقاعد الحافلات وزجاج سيارات الاجرة والمقاعد الدراسية , اتخذ من تلك العلامات حكايات للناس وهمومهم وأحوال المجتمع المسحوق. وقد قدم القاص الدكتور رحمه اسلوباً جديداً في الطرح هو ما نطلق عليه (الفوتو قصة) وتقوم اساساً على الاقتصاد والتقتير اللغوي والاختزال الى أقل ما يمكن من الكلمات , وان اغلب القصص الواردة في هذه المجموعة مأخوذة من الواقع المعاش والمبثوثة في زوايا الامكنة المعتمة المنسية والراكدة في قاع المجتمع وصناعة ابطال تلك القصص هم من المهمشين , الذي لا حول لهم ولا قوة , تحركهم الاقدار من بؤس وحرمان وفاقة الى انحدار في الخطوط البيانية حيث يزداد الفقير المعدم فقراً..!!! وهكذا كانت النصوص في المجموعة القصصية استجابة لمتطلبات العصرنة , وان يكون صادقاً (والقاص اسمه (صادق) اسماً على مسمى) معبّراً أميناً ينقل للقارئ الحدث بكل ابعاده , بعيداً عن التزييف وقلب الأقنعة الملائمة للوضع السياسي والاجتماعي , حيث يتعامل القاص صادق مع الواقع بدلاً من المحتمل محققاً بذلك عنصر الاقناع عملياً وليس مجرد اقناع لما هو محتمل الوقوع , ورصد الواقع المحتدم بالتناقضات والمؤطر بالمفارقات والقائم على التأرجح وعدم الثبات والزيف , والظواهر السلبية التي تمسخ وجود الانسان , وتجعل المجتمع فضاء للصراع والنفعية والبراغماتية. كانت البداية في المجموعة القصصية انموذجاً من القصص القصيرة جداً , والتي يكون عددها (10) , وكان بعض هذه القصص القصيرة جداً عنوانها باللغة الانكليزية والتي تعمدها القاص وذلك لقربها الشديد والملاصق لمتن النص , كما اعتقد هنا تبرز أهمية الترجمة والمعرفة النظرية والميدانية باللغة الانكليزية وترجمتها الى اللغة العربية ذلك لإلمام القاص الدكتور صادق بخبايا وأسرار تلك اللغة الانكليزية وفي ص10 عنوان النص (humanpesst) وتعني وحش بشري وهكذا في عناوين اخرى ص17 (fleeting love) والتي تعني حبٌ عابر , وفي النص الذي كان عنوانه (افتتان زائف) ص21 كانت اللغة الانكليزية حاضرة في الحوار في النص بادرته حيما وصل أمامها (your passport please are there any illegal things with you? وكان السؤال ترجمته (هل عندك اشياء غير قانونية) , بعد برهة وكلها شك بملامحه الشرق اوسطية. ومن تلك النصوص المطروقة سابقاً نلاحظ القاص يعتمد اسلوب المفارقة السريعة المختزلة من دون الاستغراق والاستطراد في فائضية التفاصيل الدقيقة وغير المهمة والزائدة والفضفاضة في ثوب ذلك النص. وبهذا تحقق درجة من استقطاب المتلقي الذي يجد بهذه الومضات السردية عملاً يمتلك زمكنة الحدث , ولكن وفق اختزالية السرد وايقاعه الوامض , وبهذا يجعل المستقبل (القارئ) يركض بكل ما يملك من قوة حتى يصل الى الضربة السريعة وبها يتحقق الذهول والاندهاش المفاجئ ..!!. اما مجموعة بلا كلمات )ص23 )حيث رصدت عناوين تلك النصوص المبهمة المملؤة بالنقاط والفواصل وعلامات التعجب والسؤال وهي (13) عنوان نص , اقتصرت على العنوان فقط , يجعل القارئ هو الذي يكمل ويملأ تلك الفراغات ما يجول في ذهن مستقبل النص ويحفزه على مشاركة السارد بما يجول في الخاطر ويزحزحه نحو كشف الحقيقة حتى خلال ثقوب الغربال!!! اما في ص28 قصص من كلمة واحدة عددها (7) حيث تكون عناوين النصوص بمثابة طرح تساؤل السارد للنص ويكون الجواب واضحاً معلناً بدون مواربة او تضليل حازماً , مقصوداً , وحتى وان اخفيت الجواب ظاهرياً يكون جواب القارئ مطابقاً للنص الوارد في تلك النصوص النابضة بالتوتر والحدة والغضب والتأسي. وعندما نقرأ في ص32 قصص من كلمتين والتي يكون عددها (10) , لعل جمالية النصوص تحقق شعرية عبر الاختزال والتكثيف وتقديم فكرة بانورامية من خلال تقديم رؤية تسلّط الضوء على موقف او حدث او شخصية وهذا ما نلاحظه بعنوان (مجزرة) ص33. _ انتحاري ! _ أين ؟.... فهذا النص يجمع بين كل الرؤى المبثوثة في خضم العلميات الارهابية التي كنا نعيش في اتونها الملتهب وكان اغلب حطب هذه العمليات الارهابية هم الفقراء والكسبة والمحتاجين واصحاب البسطيات والذي لا يملك قوت يومه!! اما في ص67 قصص من ثلاث كلمات والتي عددها (9) نصوص , وسوف نلاحظ على التوالي ازدياد عدد الكلمات , ثم قصص من اربع كلمات والتي عددها (4) نصوص ص41 , وبعد ذلك قصص من خمس كلمات ص44 وعدد النصوص (7) , وبعد ذلك قصص من ست كلمات ص48 ثم ننتهي من تحديد الكلمات المكونة للنصوص السردية الى ان تصل قصص من سبع كلمات فأكثر ص52 , ومن خلال هذه النصوص التي تم تحديد الكلمات بمقتضى الحاجة الى ذلك من تأطير الفكرة وفق ايقاع يشبه الخط المستقيم القصير جداً حيث يباشر فيها عمق ومركز المعنى من دون استرسال في بقية التفاصيل وكأن السارد العارف بتلك الرسائل الملغزة المبثوثة بآلية توافقية وتبادل الخواطر والافكار ما بين السارد والقارئ نفس الفكرة التي لخصت مئات الكلمات وغربلت الكثير من غير المرغوب به وجعلتها بقالب جاهزية تقرأ بدقيقة واحدة ويرجع صدى الفكرة المطروحة دقيقة واحدة مثلما كان تأثير رجع الصدى في نص من ست كلمات ص49 , عنوان النص (شهريار يغيّر مكانه). _ حان الوقت لكي تسمعي حكايتي الآن! ثم تأتي نصوص بايوغرافيا ص64 , وعددها (7) والتي قامت على التركيز على الحوادث التاريخية التي تكون مرآة للواقع الحاضر , وهذا الاشتغال النوعي على الشخصيات العامة والشعبية وبعد ذلك الاشتغال على الشخصيات العالمية بمؤلفاتها التي اعتبرت من الاعمال الخالدة للإنسانية جمعاء , وكل عتبة نص يتم شرحه باختصار شديد وكلمات معبرة دلالة واضحة ومؤكدة لمعرفة القاص والمامه بكافة تفاصيل تلك الشخصية الأدبية المرموقة من خلال قراءة متأنية لنتاجهم الأدبي المتوسد على عالمية المعرفة الانسانية. ثم تأتي نصوص (غرافيتي) ص67 وهي عبارة عن لوحة على شكل مستطيل بها القليل جداً من الكلمات معبرة عن كوارث وحروب وعناوين ملصقة على جداران هذا البلد المنهوب من شماله الى جنوبه تحاكي الانقلابات والتحولات التي مر بها العراق , حيث ضاعت اعمارنا بين طاحونة الحروب ومجرشة الأنين , وفقدان الأحبة والارامل واليتامى ومكبسة الحصار اللعين والجوع الكافر وتشظينا في منافي الغربة خارج وداخل الوطن الجريح نحمل على اكتافنا اكداساً من الألم والخوف والظلم والقهر والذل .. وهكذا ذقنا سوية ذلك (الخبز المر) الذي لا زالت مرارته عالقة في أفواهنا بعد ان اضرمت بنا النيران من زمن بعيد يعود الى حادثة السقيفة , التي مرت عليها قرون عديدة ولا زالت مقرراتها تشق عصا المسلمين وتصنع الارهاب والتكفير. وعند نهاية المجموعة القصصية تأتي (فوتوغرافيا) ص78 وعددها (9) صورة , وباعتقادي كصحفي لدي خبرة (35) عاماً أعمل في الصحافة تكون القصة الخبرية مع الصورة اكثر اثارة وتشويقاً من القصة الخبرية التي لا ترافقها صورة , فالصورة تلخص الكثير من الكلمات والجمل والتزويق اللفظي .. الصورة تجعل المتلقي للحدث اكثر تأثيراً وانعكاساً لصدى القصة الخبرية وتلبس المصداقية والطمأنينة والثقة المتبادلة ما بين الصحافة والقراء , وهكذا زرع القاص تلك الثقة والمصداقية في تلك النصوص التي قادنا بها الى لقطات كاشفة لأعماق وخفايا الواقع وحفر مدياته وما ينطوي عليه من الباطن المسكوت عنه والمستتر تحت طلاء الخارج الذي يتحول الى نوع من الاخفاء او التزويق. ومن الجدير بالذكر ان الاستاذ الدكتور صادق رحمه محمد استاذ الشعر الانكليزي الحديث والنظريات النقدية في الدراسات العليا /قسم اللغة الانكليزية/ كلية الآداب / الجامعة المستنصرية. عضو لجنة تطوير العمل بالمرصد العربي للترجمة التابع لمنظمة الالكسو. المدير التنفيذي لبغداد مدينة الابداع الادبي / اليونسكو. عضو الهيئة الاستشارية لدار المأمون للترجمة والنشر / وزارة الثقافة. عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين. عضو جمعية المترجمين العراقيين. صرت له ثلاثة مجاميع شعرية. 1 – مرايا المدن المحترقة. 2 – تحولات السيدة نون. 3 – اربعة وجوه للخسران (باللغة الانكليزية). صدر له (رسائل كورونا) ترجمة وتحرير عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع , المملكة العربية السعودية 1442هـ. قام بترجمة عدد من الكتب: انطولوجيا للشعر العراقي (ازهار اللهب) الصادر عن جامعة ميشكن في الولايات المتحدة الامريكية. اغاني عشتار الصادرة عن دار (بلي فيو) في الولايات المتحدة الامريكية 2011م. اغاني النزل المفروش لـ (بوكوفسكي) الصادر عن دار شهريار في العراق 2019م. قصائد مختارة (مايا انجلو) عن دار الحصاد /سوريا/2011م.
|
المشـاهدات 305 تاريخ الإضافـة 21/11/2023 رقم المحتوى 33755 |