السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 11.95 مئويـة
الهوس بالسلطة والمنصب ظاهرة سلبية انتشرت في العراق
الهوس بالسلطة والمنصب ظاهرة سلبية انتشرت في العراق
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ. م. د. صدام العبيدي
النـص :

السلطة والمنصب أمانة في عنق من يتولاهما، فلا بد أن يكون جديراً بهما وقادراً على تحمل أعبائهما، كون المنصب تكليف وليس تشريف، لكن للأسف الشديد ونتيجة لما يتمتع به صاحب السلطة والمنصب في العراق من امتيازات مبالغ فيها تتمثل بالسيارات الفارهة و المواكب والحمايات والرواتب الضخمة وغيرها من الامتيازات المادية والمعنوية قد حوّلت السلطة والمنصب في العراق إلى تشريف وليس تكليف، فأصبح همّ الكثير من الناس الوصول إلى السلطة والمنصب بأي طريقة، ومن أقصر الطرائق للوصول إلى السلطة والمنصب الانتخابات، فمع كل انتخابات سواء أكانت برلمانية أم محلية يخرج علينا آلاف المرشحين الطامحين في نيل عضوية مجلس النواب أو مجالس المحافظات، وهذا أمر مشروع إذا كان همّ هذا المرشح أو ذاك بناء البلد أو المحافظة أو المدينة التي رشح عنها، وتقديم أفضل الخدمات للناس، لكن للأسف الشديد الكثير ممن يرشح لهذه المجالس يطمع بالسلطة والامتيازات التي سوف ينالها في حال فوزه، لذا تجد الناس تتهافت على الترشيح لهذه الانتخابات ومن مختلف الاختصاصات والمهن فتجد بينهم الطبيب والمهندس والأستاذ الجامعي، وشيخ العشيرة، ورجل الدين، والموظف، ورجل الأعمال والتاجر، وصاحب المهنة والحرفة، ومن ليس له عمل أصلاً كل هؤلاء يطمح أن ينال عضوية مجلس النواب أو مجالس المحافظات؛ كثير منهم كما قلنا تصبو عينيه نحو الامتيازات الممنوحة لمن ينال عضوية هذا المجلس أو ذاك، هذه الامتيازات التي أثقلت ميزانية الدولة وتسببت بإهدار وتبديد المليارات من الدنانير التي تصرف على المواكب والعجلات والحمايات وما إلى ذلك في وقت البلد بحاجة لهذه الأموال لتحريك اقتصاده من خلال المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية والتنموية للقضاء على البطالة المتفشية بين الشباب، ولتقليل الاعتماد على النفط الذي يكاد يشكل المورد الوحيد لدخل العراق، والذي سيقل الاعتماد عليه كثيراً في السنوات المقبلة نتيجة توجه دول العالم إلى مصادر الطاقة الأخرى، فهذه الامتيازات الممنوحة لمن يتولى السلطة والمنصب في العراق هي التي تفسر لنا هذا الإقبال الكبير على الترشح لنيل عضوية مجلس النواب أو مجالس المحافظات، ناهيك عن البعض الذي يطمح لاستغلال السلطة والمنصب للابتزاز والتربح والحصول على المشروعات والعقود والعمولات، فلولا تلك الامتيازات لما تجد إلا القليل ممن يطمح للوصول إلى السلطة والمنصب، فالسلطة والمنصب أمانة كبيرة لذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها..." وفي هذا الحديث نهى عليه الصلاة والسلام عن طلب الإمارة؛ لأن من أعطيها عن طلب لها خُذل وتُرك لرغبته في الدنيا وتفضيلها على الآخرة، وإن من أُعطيها من غير طلب أعانه الله عليها. فالسلطة والمنصب أمانة قليل جداً من يقوم بأعبائهما ومسؤولياتهما، لكن مع ذلك هناك من قام بهذه الأمانة على أتم وجه، فخرج من السلطة والمنصب كما دخل فيهما، وفي تراثنا الإسلامي العشرات من الحكام والأمراء عاشوا وماتوا وهم فقراء! كما نجد في تاريخنا المعاصر رؤساء وزعماء بعض الدول المتقدمة قد تخلوا عن امتيازاتهم، فلا تجد ما يميزهم عن غيرهم من الناس، فهذه ميركل مستشارة المانيا والتي شغلت المنصب منذ 2005 وحتى 2021  كانت تسكن شقة في عمارة فيها 20 شقة في برلين، ويراها الناس وهي تتسوق وتشتري حاجاتها بنفسها من سوبر ماركت متدني الأسعار قريب من منزلها، وهذا مارك روتي رئيس وزراء هولندا يقيم في شقة صغيرة، ويتنقل بالدراجة الهوائية، أو سيارة قديمة يملكها، أما في العراق فهوس السلطة والمنصب صار ظاهرة سلبية سببها تلك الامتيازات المادية والمعنوية الممنوحة لكل من يصل إلى السلطة أو يحصل على منصب في الدولة، حتى انتشرت ثقافة أن من يملك السلطة والمنصب يتميز عن غيره من الناس فيحل له ما لا يحل لغيره، فمن حقه أن يقطع الطرق، ويوقف السير، ويخالف أنظمة المرور، ولا يلتزم بالقوانين والأنظمة والتعليمات، فثقافة التميّز هذه التي لا تقبلها التشريعات السماوية ولا الوضعية، وتلك الامتيازات المُبالغ فيها من هي دفعت بالطبيب، والمهندس، والأستاذ الجامعي، ورجل الأعمال والتاجر، ورجل الدين، إلى محاولة ترك ميدانه واختصاصه طمعاً في الوصول إلى السلطة وما تجلبه له من تفاخر وتباهي وتعالي وتميّز على الناس، وإن كان هو بعيد جداً عن السياسة والإدارة بعد المشرق عن المغرب!!!

 

 

المشـاهدات 430   تاريخ الإضافـة 25/11/2023   رقم المحتوى 34015
أضف تقييـم