الإثنين 2024/4/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 26.95 مئويـة
مصطفى جمعة شاعر يتزمّل باللغة
مصطفى جمعة شاعر يتزمّل باللغة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناصر أبوعون

في جمهورية الشعر العربية المحشورة في نفق أوله حداثة، وآخره جحيم تمطره قاذفة القنابل الأمريكية B -52  (Stratofortress) الاستراتيجية بعيدة المدى صانعةً قيامة غير عادلة بتوقيت واشنطن.. هناك شاهدتُ الشاعر الليبيّ مصطفى جمعة يتوكأ على عصا الروح ويهش على الأفكار المتسربلة بدماء المعنى، ويقود قطعان القصائد إلى أودية اللغة الخصيبة؛ لكنها تتلكأ ما بين السطور مخافة ذئب الحداثة، وغيرَ آمنةٍ مكر الأفاعي الزاحفة على بياض الورق.

لا شيء في شعر مصطفى جمعة غير سماء ثامنة، مرصعة بنجوم خماسية؛ أسنتها المدببة: بلاغة ومشاهد يومية، ومقذوفات ضوئية من الكلمات، وواقعية سحرية، وندوب حزينة في شكل بثور على جلد القصائد، لا جديد عند مصطفى جمعة غير اعترافات شاعر يتزمل باللغة، مرتعدا من بلادة هذا العالم، وصقيع المشاعر المتجمدة، ويتصبب عرقا في آن واحد يقتفي أثر الدفء في غار من الأفكار المتصادمة موجاتها والتي تخرج من عقله وترتد بالقوة ذاتها فتثقب فضاء الروح.

[(أنا بخير/أستيقظ مبكراً.. وأمارس لعبة تشبه الحياة.. وأقابل مخلوقات تشبة الناس.. وأرى في المرآة وجها يشبهني/وفي الليل أعود لفراشي وأدعي.. أني أنام ..اكتشفت أن  الحياة  إن هي إلا  التظاهر  بالحياة.. وأن إخفاء موتك عن الناس مهارة سوف تكتسبها مع الزمن .. ثم تتقنها كما تتقن الكلام./أنا بخير . /مازلت لم أهوي.. مازلت أمشي.. مازال الصباح يأتي ويجدني ومازال المساء يذهب بدوني.. مازلتَ تراني مثل الجميع.. ألعب مع الوقت لعبة الإنتظار.. وأقاتل اليأس في صمت.. مازلت بعد.. لم أعلن الاستسلام..)].

ينتمي مصطفى جمعة إلى فصيل من كُتاب قصيدة النثر في ليبيا؛ تفتحت وردة الكتابة في وعيه مع انبلاج فجر القرن الحادي والعشرين، استيقظ وعيه المعرفيّ، وفزع من سُباته على خرابٍ عظيم، وأخدود أعظم تردّت فيه القومية العربية، وسقطت فيه كل الأقنعة، واعتلت فيه الفرديّة وتشظّت مقابلها كل الكيانات؛ بدايةً من القبيلة وانتهاءً بالدولة/الحلم، ولم يجد بُدًّا إلا أن يتحصّن في قلعة الذات، وصومعة الأخلاق بعد أن خلع العالم ثوب الفضيلة ووقف عاريا متخايلا ومتفاخرا بتحطيم كل التابوهات، مؤخرته بروزنامة الدساتير المطبوعة على أوراق التواليت، وبنى هيكلا من الأصنام اعتلاه الشيطان ممسكا بالصولجان، واستعبد البشرية وساومها على أعراضها مقابل الفتات تلقيه طغمة البترودولار[(هل من شيءٍ تبقّى منّا /كي نتركْهُ هنا ونرتحلْ؟أَوَنترك أجسادنا هنا /مصلوبةً على صوارى الضياع؟يريد هذا الوطن كثيراً من الّلامبالاة/كثيراً من احتمال مالا يُحتملْ/هذه دروبنا وشمتها السنين/وهذه خطواتنا تُسابق الأجلْ/وهذا الحلمُ في ليالينا جنين/وهذا العمرُ يمضى على عجلْ/فهل من شيءٍ تبقّى منّا/وهل من حديثٍ بيننا لم يزلْ/معلقاً على شفاهنا /مكتوباً على أوراقنا/سجينَ أرواحنا لم يُقلْ؟)].

مصطفى جمعة في قصائده لا يترك فرصة حتى يتبرأ من الشعر؛ وهو متلبِّس به، وواقع في لُجته من رأسه حتى أخمص قدمية، مستحم بالبلاغة، ويدعي التوسّل بالكتابة طريقا للخلاص؛ وهو متدثر بها ولا ينفك عنها؛ قلمه بيمينه، واللغة بشماله، وفي رأسه سرب من الصور والاستعارات، ومن أمامه قطعان المعاني يسوسها. ومن خلفه وجدان يستحثه على السير صوب القصيدة.[(خِلتُ لوهلةٍ عندما رأيت عينيكِ/ اني أعرف الطريق/ فلم آبه للوحشة التي اعتَرتْ صوت خطواتي/ والصّدى المتوحّد/ في موج الظلام/ ورائحة الحريق/ وبلا تروٍ.. تبعتُ البريق / وحدثت نفسي أني أحلم/ وحدثت نفسي /أني عما قليل سأصحو/عما قليل سأفيق/وليتني أفيق)].

 

عزيزي القاريء أدعوك لقراءة مدونة مصطفى جمعة/ أقصد أدعوك للنظر في هذه المرآة المشروخة والمتشظية.. بحثا عن بقايا صورتك المتناثرة على صفحتها وحاول أن تعيد ترتيب المشاهد والقصائد، وتجميع الكلمات، وبناء الصورة من جديد تلك التي جهد مصطفى جمعة في تفكيكها؛ لعلك تكتشف نفسك المتخفية خلف ملايين الأقنعة التي احترفتَ تبديلَها بسرعة تفوق سرعة الضوء إمعانا في الهروب من الحقيقة.

عبر نصوص مصطفى جمعة أو مرآته/قصائده/لوحاته/مشاهده/يمكنك عزيز القارئ تسميتها كما يحلو لك ستجد صورتك الواقعية بل رتوش في إحداها فاقبض عليها قبض الجمر، وانهض من غفوتك واخرج من كهفك إلى نور الحقيقة؛ لكن اخلع نفسك الأمّارة بالشعر.

المشـاهدات 207   تاريخ الإضافـة 20/01/2024   رقم المحتوى 37983
أضف تقييـم