ألق الذاكرة التي لا تأفل الجواهري بجواهره..شعبان بخزائن معارفه |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : حسن عبد الحميد "الزمنُ يسيرُ منتصبَ القامة " أستجلى د.شعبان في مهام إنتقاء منحى ما أراد وشرّع بما يتناسب وينسجم مع دقة وبلاغة عنوانه الطيّع والأثير"جواهر الجواهري"الصادر بداية العام/2024 في الكويت عن دار سعاد الصباح للثقافة والإبداع، حيث تجاوزت صفحاته الباذخة والأنيقة بنوعيتها وطباعتها وكافة نواحي إخراجه الفني الخمسمائة صفحة من القطع الكبير مزيّنة بدفتيّ حضن غلاف ملّون "شيك" من المُقوّى السميك توّسطته صورة فوتوغرافية للجواهري أخذت نصف مساحة غلافه الأول -تقريباً- من جود تصميم بارع مُسند بدواعي شجن موّثر وحنين من لدن الفنّان مكي حسين بما من وقع لإختياره الأمثل لقيمة الصورة وأثرها النفسي،فضلا عن بريق حجمها الآسر والمهيّمن،على فضاء الغلاف بأسره. *****
أنعشت ذائقة وذاكرة من سيتسنى له دخول محراب هذا الصرح الإبداعي المهيب كلمة ساحرة،أنيقة وعميقة للشاعرة د.سعاد الصباح صاحبة دار النشر مقرونة بأسمها وسمو صيتها محمولاً على هوادج الشعر مزهواً برفعة وسطوع تجربة متميّزة، ذات جاه معرفي وذوق رصين، حفلت بعنوان"ضوءٌ غيرُ قابلٍ للخفوت".،كان د.شعبان قد تجاوز بمجلّده الجديد هذا ما جاد به من قبل،فيما يلامس ويخص تجربة الجواهري عبر بوّابات كتابه الأول "الجواهري في العيون من أشعاره" بـ 696 صفحة من القطع الكبير الصادر بحلّة جميلة عن دار طلاس بدمشق عام/1986، وهو ما أعجب-حينها- الجواهري كثيراً،حيث شاء أن كتب مقدمة هذه الطبعة مُوقعة بأسمه في كانون الثاني من ذات العام، ممتدحا، ومُثنيّاً بالشكر الجزيل والإمتنان العميق،مضيفاً بقوله يُكمل ما بدأه من آيات شكر وإمتنان:(أخي وصديقي الأديب والمؤلّف "الدكتور عبدالحسين شعبان" على أتعابه،وفرط عنايته، وجهوده الحميدة،سواء بما تقابل معي في اختيار هذه"العيون"،أو فيما يختصّ بضم هذه اللّقطة المختارة إلى جانب تلك،أو تصويرها،أو الأشراف على طبعها وتصحيحها وكما قيل: ص22"الجواهر" بعد طبعة دار طلّاس لكتاب "العيون"،صدرت عدّة طبعات أخرى خلال ربع قرن،كما يتم التنويه إليه،أما وفي خصوص مناهل ما تناول إستهلال د.شعبان كتابه الأخير"الجواهر"،يبرق لنا ضوء أشارة تتعلق بواقع كتابه الثاني"الجواهري جدل الشعر والحياة" الصادر عن دار كنوز أدبية -بيروت1997، قبل وفاة أبا فرات يوم 27 تموز/يوليو من ذات العام،وهنا تكمن قيمته كونه صدر والجواهري ما يزال حيّ يرزق،فيما أن الكثير مما صدره عنه وما نُسب إليه جاء بعد وفاته، تلت ذلك طبعة ثانية عن دار الآداب-بيروت/2008، وثالثة عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد/2010، فيما تسبقها إستناره تتلامع منذ أولى ومضات شروعه بنحت ذلك الاستهلال الدّسم والثمين والرامي إلى ترسيم وتوثيق نبل دواعي سعيه إصدار كتابه الثالث "الجواهر" الناحي والمشغول بعناية فائقة وسمة حرص شديد الصلة بالأعمار ونصوع النوايا ووثوق التطلعات،من هنا نراه يشير،من بعد الإشارة إلى كيف أستعاد الجواهري فكرة أصدر مختارات من شعره من خلال تلك الحوارات المطوّلة التي كان قد أجراها معه د.شعبان في دمشق عام/1986،وضرورة الإلتزام بما صار يشّدُ من أزر التمُسك بما كان يرددّه الجواهري على هذا المسرى والمنوال:(أن الشباب العربي "الصاعد" يتعذّر عليه الحصول على المجموعات الكاملة من دواوينه،خصوصاً من ذوي الكفاف)،مُعللاً لفكرة التفكير بإصدار "مختارات تضم أهم قصائده وأجمل ما فيها من أبيات "الجواهر"ص11،ثم بعدها يعرّج حول سوانح تولّيه -شخصياًّ- القيام بهذا التلكيف أثر حصوله على موافقة الجواهري،ثمة أمرٌ،صادق وخاص دعاه تأجيل مشروعه الحواري الذي طالما راوده مراراً، ورغم إنجازه تسجيل عشر ساعات كاملة منه،آملا بإصدارها بين دفتيّ كتاب،شاء إن جرت رياح صديقه حسن العلويّ بما لا تشتهي سَفائن شعبان، جرّاء إقدام الإستاذ العلوي الكاتب والإعلامي اللامع بالتحضير لمشروع كتابه"الجواهري ،،ديوان العصر"الذي صدر في دمشق عام/1986،كان د.شعبان قد أعارهُ تلك التسجيلات،تعاوناً وكرماً إبداعيّا نبيلاً، فيما ظلّ العلوي يذكر ذلك إعتزازاً،توّثيقاً وفخراً كلمّا حان الحديث عن كتابه الذي دوّن فيه العديد من الاشارات والتلمحيات التي وردت معلوماتها بتلك التساجيل التوّثيقيّة النادرة. لم يكن شغف د.شعبان بالشعر، مرد رغبة عادية،عابرة أو طارئة،أو حتى -إلى حدّ ما- تكملة لمهام شخصيته المعرفية، بل كان متنفساً وغرساً أصيلاً في ثنايا ونسيج روحه التائقة لإساء أسس السلام والعدل وبث قيم التسامح ومحافل الجمال، لذا يجب معرفة جذور كيفيّة إنصرافه منذ ذلك الحين بالإعداد لمختاراته وبإشراف مباشر وحيّ من قِبل الجواهري نفسه، وما مدى الإحساس العالي بذلك عبر وصفاء ونقاء ذائقة شعرية مفتوحة على الحياة وشغوفة منذ طلائع وعيها ويفاعتها في "النجف" حيث ما تزال ترويه على حدّ قوله أشعار محمد سعيد الحبوبي/جعفر الحلي/ محمد رضا الشبيبي/علي الشرقي وأحمد الصافي النجفي وآخرون غيرهم بالمئات،فكيف بتقابلاته مع مرايا وعيون عظمة وثراءات شاعر العرب الأكبر الذي كان تصادف وأن رآه لاول مرّة وجهاً لوجه عام/1959 في ساحة الكشافة ببغداد بمناسبة وثبة كانون،ثم بعد ذلك لقائه مباشر حال عودة الجواهري إلى بغداد نهاية عام/1968،فيما توّثقت علاقته به -أكثر- في براغ عندما ذهاب شعبان للدراسة في العام/1970،وأخذت مساراً أبعد وأعمق في فترات وجودهما في دمشق ثمانينيات القرن الماضي،لتمتد عرى تلك الصداقة والعلاقة نحو ثلاثة عقود تمخّض عنها كتب وفصول ومخطوطات،"الجواهر"ص14. أورد الباحث سلسلة ذكريات وأحداث عن سِير إقدامه تبني إعداد طبع مختارات من شعر الجواهري،من بعد كتابيّه "العيون"و"جدل الشعر والحياة،وهو يستذكر موضوعة أغلاق دار طلّاس بدمشق التي تبنت طبع كتابه وما راقفها من تغيير وتحويلها إلى جهة أخرى،الأمر الذي وضعه أمام مسؤولية في مواجهة أسئلة ملحاحة حول تكاثر الطلب المتزايد عن الكتاب بعد نفاده،حيث لم يكن لديه سوى نسخة واحدة،أما وأمام جديد وجدّة عنوانه الأثير"جواهر الجواهري"،تبرز ضرورات لإجراء تعديلات وتحسينات و تدقيقات وإضافات عليها،بغية استكمال ما فات القارئ والمتطلّع،إلى جنب رغبته وذائقته المتشربة في مياه وينابيع شعر الجواهري، بل حتى نثره الذي يشير إليه ويدعو لدراسته -كما ويلفت عناية المُتابع- المهتم أن جديد إصداره هذا يُعد أكثر شمولا وأتساعاً وإنتقاءً، فضلاً عن اختياره للقصائد سواء أكانت كاملة أم على شكل مقطوعات،جرى من قبل الاتفاق والتعاون المباشر مع الجواهري في حياته،والذي كان يبدي ملاحظاته مرات ومرات فيما يلامس ويخص بعض النصوص،بحسب مزاجه المعروف بتقلباته،وكان د.شعبان في الوقت الذي يناقشه -أحياناً- غالباً ما يستجيب له أمام إصراره،ويعطي الباحث مثالاً كيف هاتفه الجواهري من براغ طالباً منه رفع قصيدة "جيش العراق" وهي كما يفصح- بمثابة تحية لثورة 14 تموز/يوليوم-تموز/1958 يقول مطلعها ؛ لعل من أبرز ما ميّز مختارات "الجواهر" عنوانها غير المطروق ***** كثيرة وأثيرة هي الإستمالات والإستشرافات وعُرى التعزيزات التي ثبّتها د.عبدالحسين شعبان في ركائز سِفر تحدّيه وتجلّيه بتنقية وغربلة ما وجده يصب بصالح الإبقاء على هيبة وثراء تجربة الجواهري الكبير،وقد لمسنا الكثير والوفير من الوفاء الشعباني والفهم العالي لقيمة الفهم والتوقير لشخص شاعره المُلهم وملكات هضم مزاجيته التي عُرف بها، داعياً القبول به، بكل ما له وبكل ما عليه، متصفاً ببراعة وصدقية ما تلخصه عنفوان إنثيالاته الساميّة والأصيلة متمثلةً بشذرات هذه الكلمات التي يقول فيها د.شعبان :" نحن لم نكن أمام شاعر وحسب، بل حالة من الشعر، لأن كلّ ما فيه ينبض بالشعر، وكان ذلك خياره الأول والاخير، وهو خيار فاض على العراق كلّه، وقد عملت على إبقاء كل ما يرضي الجواهري في هذه الطبعة أيضاً وكأنه ما يزال بيننا، حرصاً على الأمانة وتوخياً للدقة، وحين أضفت القصائد الجديدة كان في بالي دائماً سؤال؛ لوكان الجواهري حيّاً هل كان يثبّتها؟ ". |
المشـاهدات 181 تاريخ الإضافـة 18/05/2024 رقم المحتوى 46044 |