
![]() |
الناقد المسرحي الدكتور علاء كريم : يبقى العراق متسيد بمسرح التعزية وآلية اشتغاله |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : حاوره /علي صحن عبد العزيز ما يميز الناقد المسرحي الدكتور علاء كريم هو دعواته الحارة والواعية للنهوض بالمسرح العراقي ودفعه نحو التطور والعمق الثقافي ، ولكي نطلع على ركن أساسي من أركانه وهو (المسرح الحسيني) أو ما يطلق عليه مسرح التشابيه ، كان لـ (جريدة الدستور ) حوار معه والتي أتسمت أجوبته بالجرأة وفهم ديناميكية المسرح العراقي بشكل عام والمسرح الحسيني بشكل خاص ، بعيداً عن الأنفعالية المذهبية أو التشرنق في نهايات مسدودة ، وإنما كانت الدالة وراء ذلك كله هو فتح قنوات التكلس والجهل ، ودليلنا على ذلك هو ما نقدمه بهذا الحوار الذي يتضمن طروحات نأمل أن تكون بمستوى الوعي والطموح لقراءتها. * هنالك رأي بأن المسرح التشابيه الحسينية لم يلتزم بالسرد التأريخي لواقعة كربلاء وأحداثها، فما هي حقيقة ما يقال؟ – ما يقدم في مسرح التعزية (التشابيه) هو تعبير واضح لثقافة متجددة ومتجذرة في ضمير الفرد ومتوافقة إلى حدٍ كبير مع الجماعة، كما أن أحداث عاشوراء نتاج تأريخي فرض نفسه على المجتمع لما لهذه الواقعة من أفعال وأنفعالات في داخل النفس البشرية، وما شاهدناه ولمسناه يؤكد بأنه لا يمكن الخروج من هذه الطقسية التي بقيت راسخة في ذاكرة المجتمع، وعلى ضوء ذلك فإن ما يقدم في هذه الطقوس هو ما ذكر تاريخيًا بالتفصيل ولا يستطيع أحد تحريفه، لأنه مرتبط بشخصيات واقعية لا يمكن المساس بها. * كيف يمكننا بناء مسرح حسيني من ناحية الدراما يمكنه أن يؤثر على المتلقي ويتفاعل معه؟ – التشابيه أداء طقسي يقوم به مجموعة من المحبين لهذا العزاء من أجل اظهار حقيقة الواقعة وما جرى فيها من ظلم، وبالتالي فهي موروث معرفي لا يمكن الأنسلاخ عنه عبر هذه الشعائر والطقوس، لكن يجب التفكير في آليات تنقل هذه التشابيه إلى خشبة المسرح وفق قوانين وأسس واضحة ليعتمد عالميًا ، وبالتالي يتم نقل رسالة واقعة الطف إلى كل العالم، وهذا يحتاج إلى متخصصين في كتابة النص والأخراج والتمثيل والسينوغرافيا وبقية التخصصات التقنية، لننتج مسرح جاد يتناسب مع إسم وأحداث عاشوراء، فضلاً عن أن المسرح يحمل فلسفة جمالية يمكن الإعتماد عليها وتطبيقها من أجل خلق رؤى وتجارب متجددة. * تشير دراسات تاريخية بأن أساس هذا المسرح جاءت من بلاد فارس ، حدثنا عن بدايتها بأيجاز في العراق؟ – بدايات المسرح الديني كانت عند الإغريق ، وذلك في فترة إنتشار المسرح عندهم، فبداية المسرح كانت دينية تخص المعابد والآلهة والكهنة، فضلاً عن وجود الفكرة والحدث وكادر العمل، وبعدها كان هناك المسرح الكنسي في القرون الوسطى وكان تابع للكنيسة، ليستمر العمل بهذا المسرح وفق معطيات فكرية أوجدتها الظروف والأحداث ليؤسس لها (بريخت) مفاهيم تتوافق مع قراءات الأحداث وما تعكسه من ملاحم وصراعات تعمل على بناء الحدث الدرامي، وبالتالي يعد مسرح التعزية أمتداد لهذه النظريات والمفاهيم التي إعتمدت محور الإقناع لدى المتلقي، ليشتغل الكثير على هذا المسرح في إيران والعراق وفي بلدان أخرى، لكن يبقى العراق متسيد بمسرح التعزية وآلية أشتغاله، لأن الفرد العراقي يعيش الأحداث والشعائر منذ طفولته ، كما أن العراق له طاقات فنية مهمة إعتمدت على أسس البناء الحقيقي لهذا المسرح ليكون أمتداد لتاريخ المسرح الطقسي في العراق، ولا صحة لأخذ الفكرة من إيران، ولا أعتقد ذلك، لأن الجميع يرجع إلى البيئة الحقيقية للواقعة في كربلاء من أجل تجسيدها. * ماهو إنطباعك كناقد مسرحي عن طريقة كتابة وإخراج تلك المسرحيات الحسينية وهي تتخاطب مع فئات المجتمع المختلفة؟ – كل ما يقدم في هذه الشعيرة يعد تظاهرة إحتفالية دينية وإجتماعية، تتضمن هذه التظاهرة أهداف مشتركة أهمها الولاء للإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، حيث يتم مواساتهم من خلال هذه الطقوس والعروض التي تقدم، وعليه تختلف الرؤى والأفعال المسرحية للحدث من صور ومواقف كثيرة، كما يجعل الكاتب يختار موضوعته حسب ما تختزله ذاكرته وقراءاته، مع هذا يجب إن يكون للكاتب إطلاع واسع على الأحداث ليساعده ذلك على ربط المشاهد من أجل إظهار صورة الأزمة النهائية للعرض، وهناك كتاب على مستوى محلي وعربي رسموا خطوط هذه الواقعة حسب رؤيتهم وأدواتهم التي تعمل على تحول الأحداث دلالياً وربطها بالواقع الحالي ، لذا أرى ما يقدم في هذا المسرح الطقسي يلائم الواقعة شكلاً ومضموناً . * منعت مسرحية (الحسين ثائرًا) في النظام السابق، أو لم تأخذ مكانتها كما ينبغي ، هل تكمن المشكلة في النص أم هنالك جوانب أخرى؟ – مسرحية الحسين ثائراً أو الحسين شهيداً للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، حاول عرضها أكثر من مرة لكن فشلت كل المحاولات، آخرها للمخرج المصري كرم مطاوع في عام 2000 الذي فشل إيضاً بسبب منع الجهات المعنية بالأزهر وعدم موافقتهم على تجسيد شخصيات الصحابة وآل البيت، فضلاً عن تحفظ النظام السياسي الذى رأى فى مضمونها الثوري تحريضاً للناس على الخروج عليه ، ومما لاشك فيه بأن هنالك دافع سياسي كما حدث أيضاً في مسرحية الحسين ثائرًا للمخرج العراقي الأستاذ جواد الحسب الذي حاول تقديم العرض بعد السقوط أي بعد 2003 ، وكان العرض يجمع شخصيات مهمة حينها منهم أياد راضي الذي جسد شخصية الإمام الحسين، لكن حينها واجهت هذه المسرحية بعض المشاكل التي دعت إلى إيقاف العمل، وهذا ما يؤكد على إن كل الأنظمة السياسية وفي كل العالم ترتعب من أحداث وتحولات الواقعة لمّا لها من إنفعالات شعبية. * ما السمة الأساسية المشتركة ما بين كاتب النص الحسيني المسرحي والممثل والمخرج والجمهور؟ – السمة الأساسية التي تشترك بين كل عناصر تكوين العرض، هي الولاء لهوية الواقعة وبالتالي الكل يفكر كيف يقدم وينتج شيء يلائم أحداث وشخصيات عاشوراء، لذا كل العناصر تعمل على خلق آلية التفاعل ما بين المكان والزمان حتى ينتجان علاقة تفاعلية تكاملية تحقق الغرض والهدف من إقامة العزاء فمن خلال هذا التفاعل تستمر وتتجدد الذكرى ، فضلا عن سمة الإبداع التي تسيطر على فكر الكاتب والمخرج والممثل، وذلك لأن الابداع هو فكر حداثوي . * لا يمكن ترجمة إحساس الممثل على المسرح التشابيه الحسينية مالم يكن قد عاش جزء من أحداثها وإجراء بروفات عنها ، كيف يمكن توظيف تلك الشخوص الشعبية لهذه الأدوار؟ – أداء الممثل في طقسية التشابيه مختلف من ممثل لآخر وذلك حسب الأدوار التي تقدم، هناك شخصيات رئيسية تعد هي محور العرض، مثل شخصية الإمام الحسين والإمام العباس والسيدة زينب عليهم السلام، فمن المتعارف عليه أن هذه الشخصيات تناط لناس يمتلكون من الأخلاق والنزاهة والسمعة الطيبة فضلاً عن الأداء والإلقاء والحركة، وهذا ما يعطي الممثل حضورًا مميزاً للشخصية ليتم إنعكاس هيبتها وأهميتها للجمهور، وهناك أدوار تمثل لكن أغلب الذين يمثلون فيها وفي هذه الطقوس يفتقروا إلى الثقافة المسرحية وإلى فلسفة الاداء، وهذا ينتج صور ومشاهد متخبطة غير متماسكة وغير متوافقة مع بعضها، وخاصة أن اغلب هذه العروض تقدم في الهواء الطلق ويكون الأداء أكثر تأثيرًا وأبلغ أثرًا في نفوس الجماهير الحاضرة من الأداء التقيدي للممثلين المحترفين بالمسارح المعهودة في المؤسسات الفنية. * يقول الناقد المسرحي الدكتور محمد حسين حبيب ، بأن المسرح الحسيني لا يزال أسير السلطات ، هل هذا يشكل خطراً قائمًا على تلك الحكومات ؟ – يقصد بأن المسرح الحسيني أسير السلطات أي يعمل تحت دعم أجندة متحزبة، تحدد من دور وأشتغال هذا المسرح، حتى لا ينفتح على الجمهور بمعالجات قد تغير من الشارع اليوم وخاصة في ظل ظروف البلد ومنزلقاته تحت سلطة هذه الأحزاب التي تعمل عكس منهج الدين الاسلامي، وبشكل مغاير لما خرج عليه الإمام الحسين من محاربة للظلم والفساد. * ما المكانة التي يمكنك أن تضع فيها المسرح الحسيني بين مسارح الدول العربية؟ – كما تعرف مسرح التعزية له أمكنة وبيئة خاصة لا يمكنها الإنتشار عربياً لما يحمله الكثير من أفكار بعيدة عن هذه الطقوس العاشورائية، وهذا معروف لدى لجميع، لكن قدمت الكثير من المهرجانات في العراق للمسرح الحسيني بإشراف الفنان والمخرج الأستاذ منير راضي، وبمشاركة دول عربية، ومن ضمن هذه العروض مسرحية (لو ترك القطا لنام) للمؤلف الأستاذ سعدي عبد الكريم، والإخراج والتمثيل لفنانين من دولة مصر العربية، وحقق العمل نجاح، وكتبتُ حينها قراءة نقدية في جريدة الصباح عن العرض والنص أيضًا، لذا يتواجد مسرح التعزية عربيًا من ضمن مهرجانات المسرح الديني . * مناشدات في إعتماد تدريس المسرح الحسيني في كلية الفنون الجميلة؟ – في كليات الفنون الجميلة وحتى المعاهد، تدرس كل الأساليب والمدارس المسرحية، وفي البداية تحدثت عن المسرح الديني وتحولاته والمسرح الملحمي (لبريخت) وأنتقالاته، فضلاً عن الأشكال ما قبل المسرح موجودة في مناهج تدريس الطلبة بالكليات، وفق رؤية أكاديمية يستفيد منها الطالب في قراءة مفاهيم المسرح ومن ثم تطبيقها على أرض الواقع، المسرح الجاد هذا ما يؤكد عليه أكاديميًا لما له من نتائج علمية ومعرفية وجمالية ،ومن خلالكم أود توجيه كلمة إلى من يعمل على أحياء هذه الطقوس ، لأن يبحث ويكتشف تجارب تجدد فيه نوع الخلق الإبداعي وآلية الإنتقال بهذا المسرح عربيًا وعالميًا. |
المشـاهدات 384 تاريخ الإضافـة 29/07/2024 رقم المحتوى 50406 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |