على ورق الورد التواصل وضرورة إدامته منذر عبد الحر |
فن |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : الفنان المبدع كريم منصور ينتمي لجيل التألق والشجن العذب في الفن العراقي الأصيل , رغم أن نجمه بزغ في فترة تفاقم الألم الوطني وسريان الأوجاع في جسد الجميع , فكان خير معبّر عن المحنة , بصوت شجي له نكهة خاصة , وكلمات مدهشة وهي تستبطن أغوار الهواجس الانسانية وأهوال ما حدث من أحزان وكوارث , وقد أطل بلونه المميز , فكانت أغنيته " بس تعالوا " التي انتشرت سريعا , وحققت حضورا ملفتا للنظر من الأغنيات التي تفاعل معها الوجدان الشعبي من أقصى البلاد إلى أقصاه , فهي مليئة بالشجن الرقيق والأداء المتفرّد الذي وضع لصاحبه المتألق موقعا مباشرا في قلوب جمهوره المتعطش للصدق والعمق وأصالة التعبير , وتبعت أغنية "بس تعالوا" أغنيات أصرّ فيها الفنان كريم منصور على رسم أسلوبه الخاص وبصمته المميزة , غير مقلّد لأحد من العمالقة الذين سبقوه , وهذا هو سرّ نجاحه , رغم أن هذا الخيار الصعب ينطوي على رهان وتحديات لا يمكن إلا لطاقة متوقدة وموهبة حقيقية ركوب أمواجها المتلاطمة .
ولم يتخل الفنان المبدع كريم منصور عن نكهته وعذوبة الكلمات الخاصة المنتخبة التي يختارها , رغم تقلبات الزمن وانحدار الأغنية ومعها انحدر المغنون فصارت فجاجة تطلق على مسامع الناس , فصمت منصور , وعاش ما يشبه العزلة كي يتخلص من رذاذ الضجيج , وهو الذي امتلك عبر مسيرة عطائه جمهورا , لا في العراق حسب بل في كل أنحاء الوطن العربي الذين عشقوا غناءه عشقا مدهشا , وتابعوا مفردات حياته وتعطشوا لجديده , فكان ملتزما بما راهن عليه وقدّم لهم المزيد من الشجن المنقول على سحر كلمات تطلقها حنجرة جمعت الموهبة والوعي والثقافة ومحنة الانسان وخيباته وآلامه الجسيمة .
إن الغناء العراقي برمته بدءا ً من جيل الرواد ( داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم ومسعود عمارتلي ) الذين أرسى كلّ واحد من ممثليه دعائم مدرسة غنائية من أهم ميزاتها العفوية والصدق والموهبة والشجن العميق , مرورا بالجيل الذهبي للأغنية (حسين نعمة وفاضل عواد وياس خضر وسعدون جابر وفؤاد سالم ) الذين أغنوا فترة سبعينيات القرن الماضي بألوان غنائية تفردت بعطائها وخلقت أجواء خاصة متناغمة مع الأحداث ممثلة لهواجس الناس وتطلعاتهم وقضاياهم الحساسة , وتبعهم جيل مرهف يتقدمه أمير الشجن (رياض أحمد) ومعه مطربون رائعون مثل (حميد منصور ورضا الخياط وقحطان العطار وصلاح عبد الغفور ) وصولا إلى الجيل الذي يتقدمه (كريم منصور) ومعه ( حسن بريسم وعبد فلك ) والقليل من الأصوات المبدعة المثقفة التي تواصلت مع الغناء الأصيل وقدمت إبداعا استثنائيا له قيمة فنية معبرة , ومعذرة إذا حدث تداخل في تصنيف الأجيال وعدم ذكر بعض الأسماء , فلست هنا بصدد توصيف جيلي أو وضع اليد على مصنف غنائي معين , لكنني ذهبت إلى النكهة الخاصة التي تميّز بها الشجن العراقي , وإلى اللون المحبب الذي مثله الفنان القدير كريم منصور , والذي أنحاز لشجنه النبيل وأحييه تحية الابداع متمنيا له الصحة والعافية ومواصلة العطاء والتألق في سماء الأغنية العذبة الراقية المعبرة عن هواجسنا وأوجاعنا وهمومنا وعن صور الحب بأبهى التطلعات وأجمل الصور والكلمات وأنقى الألحان , كي نطرد الطاريء من الأصوات التي تصرخ وتزعق بكلمات لا ندري كيف يكتبها مؤلفوها , ولن أقول شعراؤها فالشعر أرفع وأسمى وأنظف من كلام لا ذوق فيه ولا معنى , بل فيه إساءة للذائقة وللغناء العراقي الحقيقي المحبب المتميز بشجنه وصدقه ولونه المعبر الخاص .
|
المشـاهدات 161 تاريخ الإضافـة 15/09/2024 رقم المحتوى 53474 |