الأربعاء 2024/10/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
(ابو كاطع) رحلة 55 عاماً من النضال صرخة مدوية وانتفاضة ساخطة على التدهور الاجتماعي
(ابو كاطع) رحلة 55 عاماً من النضال صرخة مدوية وانتفاضة ساخطة على التدهور الاجتماعي
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

علي عزيز السيد جاسم

عام 1926 في قرية صغيرة بقضاء الحي في محافظة واسط جاءت صرخته لتبشر بثورة ضد الظلم والجهل والتخلف والاستغلال والاضطهاد ، صرخة الطفل الذي اصبح فلاحاً في بساتين وحقول جنوب العراق ، من اسرة متواضعة يرجع نسبها الى الرسول الاعظم محمد (ص) عرفت بكرامات ذاعت بين الناس ، عاش حياة الطفولة معتادا على رائحة الطين وعشقه ، يتنفس هواء البساتين ويداعب الزرع بحنية وشغف ، لم تتهيئ له الفرص كأغلب ابناء عوائل الفلاحين ليتعلم الدراسة ، فكان مشواره في تعلم القراءة على يد والدته رحمها الله التي هي الاخرى لم تكن تعرف القراءة والكتابة غير انها كانت تجيد قراءة القرأن الكريم فقط فعلمته ما تعرفه ليشحذ همته بنفسه ويبدأ فيما بعد تعلم الكتابة لكن ليس تحت سقوف الدراسة اذ كانت حياته عبارة عن سجن وكتابة وتشريد وملاحقة من العسس ، فتعلم اللغة الانكليزية في السجن؟!اصدر جريدة (صوت الفلاح) عام 1953 بالتعاون مع مجموعة من الفلاحين المثقفين لدى عمله في مشروع الدجيل وكانت اول صحيفة سرية تدافع عن حقوق الفلاحين وتعكس همومهم وتنتصر لهم من الطغمة المضطهدة لهم ، وبعد انتقاله الى بغداد درس المحاسبة في مدرسة مسائية اهلية وكان يعمل محاسباً في الصباح باحدى الشركات ، ثم اشتغل في وزارة الاعمار ثم مديرا لقسم التوجيه والنشر في وزارة الاصلاح الزراعي وتسارعت الاحداث بعد ثورة 14 تموز 1958 وبدأ ملامح العمل الصحفي اكثر رسوخاً ليشتغل في صحف (صوت الاحرار) و(البلاد) و (الحضارة) لتنطلق حكاياته اللاذعة والناقدة والناقمة على بؤس الفقراء واستغلال المستضعفين فكان برنامجه الاذاعي ذائع الصيت (احجيها بصراحة يأبو كاطع) وهو العمل الاقرب الى الناس البسطاء وغير البسطاء فقد استطاع ان يخترق الحصون وينفذ الى المسامع ليغير من الصورة النمطية السائدة عن الفلاح والتي تريد ان تخرجه بصورة الساذج وغير المتعلم ، فمن تلك البيئة الفلاحية ولد العشرات من خيرة رجال العراق ومناضليه وعلمائه ، ومنهم المناضل شمران الياسري الذي عُرف (بابو كاطع) الاسم المستعار في برنامجه الاذاعي الذي مزج بين الفصحى والعامية ، والجد والهزل والسخرية وتوظيف الحكاية والموروث الشعبي والفلكلور والشعر الشعبي والحسجة والتورية فهو يقول عن مهنة الصحافة : (هي مهنة الكشف عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع وتحليلها ونقدها وتقديمها للقراء ...الخ) اي انه اختار طريقته واسلوبه في النقد والمعالجة في وقت مبكر جدا من دون دراسة علم النفس الاجتماعي الذي اثبتت دراسات حديثة في علم الاعلام ان الاسلوب الساخر هو الاكثر جماهيرية وقراءة من غيره ، لكن برنامجه لم يدم طويلا بسبب اعتقاله لاسباب سياسية عام 1962 وبعد خروجه من السجن في شباط 1963 توارى عن الانظار متخفياً في ارياف الوسط والجنوب مطلقاً لحيته ومستخدماً اسماً مستعاراً ، وبرغم هذه الظروف العصيبة التي استمرت خمس سنوات الا انه اصدر جريدة (الحقائق) وهي اسبوعية خاصة بمنظمة الكوت المحلية التابعة للحزب الشيوعي العراقي الذي انتمى اليه سنة 1956.بعد عام 1968 عاد (ابو كاطع) للكتابة في صحف (التآخي) و (طريق الشعب) وكان عموده الصحفي بحسب مجايليه عبارة عن عدسة ومرآة عاكسة لهموم الناس ومشكلاتهم ، وعزاؤنا في عدم التمكن في العثور على حلقات برنامجه الاذاعي هو انه دون ذلك في اعمدته الصحفية التي مثلت تجربته الغنية والخبر السار في ذلك هو قيام احد الباحثين باعادة ارشفة تلك الاعمدة وتوثيقها واصدارها بكتاب بالتعاون مع نجل (ابو كاطع) الذي يحمل الكثير من صفات والده ومنها الطيبة وروح الفكاهة والمرح الممزوجة بالجدية اضافة الى عشقه للمحاسبة الا وهو الاستاذ احسان شمران الياسري ، فبحق تستحق تجربة (ابو كاطع) ان تدرس اكاديمياً ويكتب عنها البحوث في الماجستير والدكتوراه.كما ان اعماله الادبية و رباعيته الشهيرة الصادرة عام 1972 وهي على التوالي : الزناد ، بلابوش دنيا ، غنم الشيوخ ، وافلوس حميد قد وثقت واقع المجتمع الذي عاشه الروائي ومعاناته فيما جسدت شخصية (خلف الدواح) سيرة شخصية ممزوجة بتسجيل البنية والبيئة الاجتماعية وخصوصاً الفلاحية وتشخيص التحولات الطبقية داخلها ، وكذلك رباعيته الثانية التي لم تكتمل لكن صدر منها الجزء الاول عام 2005 بعنوان (قضية حمزة الخلف).غادر (ابو كاطع) العراق متوجها الى براغ هرباً من بطش محكمة الثورة التي اعدت له ملفاً وتهماً جاهزة تكفي لاقتياده الى حبل المشنقة منها توزيع السلاح والمنشورات السرية الممنوعة المناهضة للسلطة فغادر مكرها وبجعبته (دفتر الممنوعات)  وهو دفتر يضم المقالات التي رفضت صحيفتي (طريق الشعب) و (الفكر الجديد) نشرها؟!يقول المفكر الدكتور عبد الحسين شعبان الذي ألف كتاباً عن (ابو كاطع) انه ـ اي ابو كاطع ـ كان يتوي بعد زيارة نجله جبران ان يعود الى اقليم كردستان للعمل في الإذاعة السرية التي أعيد إفتتاحها (إذاعة صوت الشعب العراقي) إذ أخذ يشعر مع مرور الأيام ورغم مرضه إن مكانه وفعلة المؤثر والحقيقي هو هناك في العراق..وكانت تعويذته الأخيرة قبل وفاته قائلاً : (لن أزرع شجرة معمرة في أرض الغربة كي يسمن غلالها ،وأغفوا ناسياً أو متناسياً أهلي ،لن أزرع اليأس في حقول الغربة،اللهم لاتبارك في زرع ولاضرع من إدخر جهداً في فضح الفاشية البدوية التي تذبح أهلنا وجيراننا. نقسم بالله وبالوطن وبالديمقراطية أن سنأخذ هذا النظام المجرم بجريرته حتى ولو كان متعلقاً بأستارالكعبة) ـ وأعقب ذلك"حي على الهجوم لاتردد ولاخيار .*وعن عمر ناهز الـ 55 سنة وبحادث سير عاجله قبل ان يسافر الى كردستان توفي (ابو كاطع) في براغ في 15 آب 1981 ورغم عدم الحصول على وثائق تؤكد الجهة المتورطة بالحادث الا ان جميع المؤشرات تدل على ان الحادث مدبر وقد تم اغتياله من قبل السلطات العراقية وعن طريق جهاز المخابرات.رحل الياسري لكن ادبه خالداً وسيظل محبيه يتذكرونه وينقلون ويتحدثون عن تجربته لتتوارثها الاجيال ، فها هو مركز شمران الياسري الثقافي يزدهر بالنخب الثقافية والابداعية واطلق وسيطلق اسمك على الساحات والشوارع ، وستدرس ويكتب اسمك في المناهج وستزدان المكتبات بمؤلفاته وسيرتك وعذراً (سيد شمران الياسري) فالمقال صغير ومقامكم كبير.

المشـاهدات 62   تاريخ الإضافـة 24/09/2024   رقم المحتوى 53876
أضف تقييـم